أقلام وأراء

عاطف أبو سيف: عقد ونصف من الانقسام

عاطف أبو سيف 2022-06-13

وزير الثقافة الفلسطيني 

تمر هذه الأيام الذكرى الأليمة للانقلاب وما ترتب عليه من انقسام ترك الوضع الفلسطيني في حالة من التيه صار مع الوقت من المتعذر الخروج منها. الآن، وبعد خمسة عشر عاماً من تلك اللحظات العصيبة، لسنا قريبين بأي حال من طي هذه الصفحة التي نريد أن تصير في كتاب النسيان، ولا يوجد ما يبشر بأن ثمة حلولا ممكنة في المستقبل القريب، كما يتعذر التفكير بطريقة خلاقة مختلفة تجعل هذا من الماضي. وفيما تستمر السنون وتمضى فإننا لم نفلح ورغم عشرات المحاولات في إنهاء هذا الملف الذي بات عقبة كأداء في وجه تحقيق تطلعاتنا الوطنية وعاملاً سلبياً لصالح عدونا. لا أحد يمكن له أن يقنع أي وطني أن ما جرى في مصلحة الوطن. قديماً قال إبراهيم طوقان، “وطن يباع ويشترى”. عمليات الشراء والبيع والمزاودة تتم باسم الوطن الذي هو بريء من كل ذلك. فلا يمكن أن يكون ما تم خالصاً لصالح الوطن. الآن، ندفع الفواتير غالية وما ظن البعض أنه ردة فعل يمكن أن تنتهى بات واضحاً أنه دُبر بليل وأن قرار نهايته لم يكن أمراً ذاتياً للأسف، وأن من سفك الدماء من أجل السيطرة بات يعمل أكثر على إطالة عمرها. لا أحد يعرف حقيقة من المتحكم الحقيقي في كل هذا، ولا أحد يستطيع أن يزعم أنه يعرف شيئا مؤكدا عن عمر هذا الانقسام.
على هذه الصفحة، قلت قبل خمس سنوات وفي الذكرى العاشرة للانقلاب، إن مرور عقد على اللحظات الأليمة التي تم فيها سفك المصالح الوطنية أمام المصالح الحزبية بقدر ما هو مؤلم فإن غياب أي ضمانة أننا لن نكتب نفس العبارات المعبرة عن الحسرة في الذكرى العشرين له. السنوات تمر وما جرى في النصف الأول من حزيران لم يعد شيئاً عابراً وبالأحرى لم يرد له أن يكون شيئاً عابراً، كان هناك من يخطط ومن يعرف أنه لن يكون مؤقتاً بل هو شيء يجب البحث عن ديمومته والعمل على الحفاظ عليها. ثمة شيء لا أحد يفهمه حتى اللحظة وان كان يعيشه. وعلى هذه الصفحة أيضاً وفي جولة الوفاق الوطني التي أنتجت حكومة الوفاق تمنينا مثل الكثيرين أن تكون تلك هي المحاولة الأخيرة. آخر المحاولات لإنهاء الشقاق وطي صفحة الانقسام. وكان قبل ذلك المحاولات قد أنهكت ذاكرتنا منذ اللقاءات الأولى التي تمت في القاهرة العام 2008 عقب عدوان الاحتلال على غزة الذي بدأ في كانون الأول 2007 وانتهى في كانون الثاني 2008. بات صعباً على الفلسطيني أن يصدق بأن أي محاولة أخرى قد تنتج اتفاقاً وطنياً يخرجنا من النفق. أيضاً بات حس التشاؤم يقرر النتيجة المسبقة بأن أي محاولة أخرى لن تنجح وأننا سنظل نراوح مكاننا ولن نحقق تقدماً في موضوع لا يحتمل التأخير.
ولعل المحاولة الأخيرة كانت الأقرب للنيل بفرصة الإنجاز المنشود. أقصد الدعوة للانتخابات التشريعية كخطوة أولى تجاه وضع ترتيبات لإنهاء الانقسام. المحاولة لم تعكس الكثير من العمق إذ إنها أهملت القضايا الأساسية وربما يمكن تشبيهها باتفاقية أوسلو التي تركت كل شيء مهم خلف ظهر المفاوض وقالت شيئاً من باب “لنزعم أننا اتفقنا”. وبالطبع فإن نتائج أوسلو ندفع ثمنها حتى اللحظة وليست الأزمات التي تواجهها السلطة في الملفات كافة من انسداد الأفق وشح الموارد المالية إلا نتيجة هذا التجاوز للقضايا الحقيقية في الاتفاق وعدم الاتفاق بشأنها. كان يتم البحث عن تجاوز كل ما هو قائم من أجل تحقيق اختراق في ملف عصي على كل جولات المصالحة. أوسلو أخرى ولكن لحل الخلاف الوطني. وبالفعل كاد الأمر يحدث وكاد يحدث الاختراق التاريخي، وتمت الدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية كخطوة أولى وتم فتح السجل الانتخابي كما تم فتح باب الترشح. وكانت البلاد على باب الانتخابات التي طال انتظارها حيث بات واضحاً أن الدعاية الانتخابية ستحدث عما قليل. السؤال الحقيقي هذه المرة ظهر حول مستقبل القدس في العملية السياسية في ظل عدم سماح قوات الاحتلال بإجراء الانتخابات فيها.
لسنا بصدد الحكم على مواقف الأطراف المختلفة من قضية الانتخابات في القدس واستعراض بلاغة لا طائل منها، ولكن المؤكد أن الأمر لم يكن يتم تداوله من قبل البعض الذي يريد الحفاظ على الانقسام من باب المصالح العليا والحقوق السياسية بل من باب حزبي صرف. أيضاً هذا ليس باب القصيد إذ إن الحقيقة أن تدخل دولة الاحتلال هو ما أعاق تحقيق تلك المصالحة هو ما يهمنا. فمثلاً لو لم تتدخل دولة الاحتلال لكانت تمت الانتخابات وبدأ الامتحان الحقيقي تجاه تنفيذ باقي الخطوات.
ما يرمي إليه هذا التحليل أن ثمة قوى خارجية أيضاً لا تريد أن ينتهي الانقسام لأنها من غذته وساهمت في إحداثه سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وعليه فليس غريباً أن دوماً هناك ألف سبب لعدم تحقيق ما تم الاتفاق عليه وأن الوصول لاتفاق حقيقي بات أمراً صعباً.
علينا دائماً أن نتذكر بمرارة مشاهد الانقلاب البشعة من سحل وقتل وتدمير واحتراب حتى في الخطابة والسباب، وهي مشاهد لا تليق بتضحيات شعبنا ولا بحقيقة شعب سرقت بلاده واستولى الغرباء على أرضه. إننا بحاجة للتفكير بعمق في كيف يمكن لنا أن يأتي العام القادم في مثل هذا اليوم ولا نتحدث عن المصالحة لأنها تكون قد أنجزت، بل نتحدث عن سبل ردم المزيد من الأحزان والتطلع أكثر إلى تعميق حقيقي لوحدة قد أنجزت بشكل يعزز المناعة الوطنية في وجه مشاريع التهويد والسرقة والمصادرة. فشعبنا في نهاية المطاف يستحق أفضل من الواقع الذي فرضه عليه الانقسام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى