أقلام وأراء

عاصم عبد الخالق يكتب – ترامب أولاً

عاصم عبد الخالق – 12/2/2020

اعتاد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو أن يصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه أعظم صديق ل«إسرائيل» عبر التاريخ. وهو رأي يشاركه فيه قطاع واسع من الشعبين «الإسرائيلي» والأمريكي بفضل الهدايا الاستراتيجية التي قدمها ترامب ل«إسرائيل» وآخرها خطته للسلام. في المقابل يوجد تيار لا يستهان به من السياسيين والمفكرين في الجانبين يرى أن ما يفعله ترامب في الواقع يستهدف تحقيق مصلحته هو أولاً وليس أمريكا، ثم مصلحة نتنياهو ثانياً وليس «إسرائيل».

ترامب الذي يرفع شعار «أمريكا أولاً» لا يفعل إلا ما يفيده شخصياً قبل أي شيء آخر، على حد وصف اندرو ميلر الباحث في مؤسسة كارنيجي الأمريكية للسلام، والذي يعتبر أنه يضر «إسرائيل» على المدى البعيد من منظور الأمن القومي.

يطرح ترامب تصورات غير واقعية تجعل إبرام اتفاق سلام مستحيلاً وليس صعباً فقط، وهو ما يفسر لماذا تتعرض سياسته لانتقادات حتى من بين أشد مؤيدي «إسرائيل». لذلك لم تحظ خطته الأخيرة بتأييد قيادات الحزب الديمقراطي المعروفين بدعمهم التقليدي ل«إسرائيل». وخلال الأسبوع الماضي أصدر ثلاثة منهم هم السناتور تشارلز شومر والسناتور روبرت مينديز والنائب اليوت انجيل بيانات حذروا فيها من تقويض فرص السلام بسبب القرارات الأحادية، في إشارة إلى نية «إسرائيل» ضم وادي الأردن وأجزاء من الضفة على نحو ما نصت عليه الخطة.

ما يؤكد أن موقف الثلاثة ليس معزولاً عن التيار السائد بين الديمقراطيين هو ما صدر عن الفرسان الأربعة المتصدرين السباق للفوز بترشيح الحزب للانتخابات الرئاسية، وقد عبروا جميعاً عن رفضهم لتوجهات ترامب وخطته الأخيرة.

ما يقلق محبي «إسرائيل» في واشنطن أن ما يفعله ترامب لا ينسف فقط ثواب السياسة الخارجية التي التزمت بها الإدارات السابقة بشأن الشرق الأوسط وأهمها اعتبار الاستيطان غير شرعي، وعدم الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، ولكنه يدمر أيضاً تقليداً أمريكياً عريقاً يراعي أن تكون السياسات الخاصة ب«إسرائيل» موضع إجماع من الحزبين أي فوق أي خلافات حزبية.

الأخطر من وجهة نظرهم هو أن ترامب زرع لغماً حقيقياً في طريق العلاقات مع «إسرائيل» في ظل أي رئيس ديمقراطي قادم حيث سيصطدم بلا شك معها إذا بقي نتنياهو أو أحد حلفائه في السلطة. وهو ما يعني أن ترامب يقوم بعمل متعمد لتخريب علاقات من يخلفه بحليف مهم فضلاً عن إثارة أزمات له في الداخل.

بين «الإسرائيليين» أيضاً من يرى أن سياساته تلحق ضرراً حقيقياً بهم؛ فهو من ناحية يجعل التسوية مع الفلسطينيين غير ممكنة وهذا ليس في صالح «إسرائيل» على المدى البعيد. ومن ناحية ثانية لا يتخذ أي قرار لمصلحة «إسرائيل» لا يكون له فيه مصلحة.

على سبيل المثال أصر على الانسحاب من شمال سوريا رغم معارضة «إسرائيل» التي تعتبر القرار مفيداً لإيران وحزب الله. ورفض إلحاح نتنياهو بقصف المنشآت النووية الإيرانية. وتجاهل طلبه بالإفراج ولو جزئياً عن المساعدات العسكرية لقوات الأمن الفلسطينية. لذلك لم يكن غريباً أن يقول عميرام ليفين القائد السابق للقيادة الشمالية للجيش إن لدى حكومته افتراضاً زائفاً بأن ترامب صديق عظيم.

لكل ذلك يعتبر أصحاب هذا الرأي أن المستفيد الحقيقي من سياسات ترامب تجاه «إسرائيل» هو ترامب نفسه ثم نتنياهو. الأول يسعى لمنح «إسرائيل» كل ما تطلبه بل أكثر مما تتوقعه إرضاء لكتلته الانتخابية من المسيحيين الأنجليكيين المسكونين بأساطير توراتية عن حقوق «إسرائيل». أما نتنياهو فهو مستفيد من هدايا ترامب التي تدعم فرص إعادة انتخابه في مارس وبالتالي، وهو الأهم، تعزيز احتمالات إنقاذه من السجن بتهم الفساد.

تقارب ترامب ونتنياهو يخدمهما معاً ويلقى استحساناً من كثيرين. وهي حقيقة لا ينكرها جاكسون ديهي الكاتب في «واشنطن بوست»، لكنه يتوقع أن يكتشف هؤلاء حقيقة أخرى ربما بعد سنوات، وهي أن ترامب ألحق ضرراً ب«إسرائيل» أكثر من أي رئيس أمريكي آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى