أقلام وأراء

عادل سليمان يكتب – المسكوت عنه في صفقة القرن

عادل سليمان  – 13/2/2020

خرج الرئيس الأميركي، ترامب، بصحبته رئيس حكومة إسرائيل، نتنياهو، وبحضور فريق العمل الخاص الذي يشرف عليه جاريد كوشنر مستشار ترامب وصهره، والذي كان معنياً بالإعداد، والتنسيق، والتسويق للمشروع، وشخصيات إسرائيلية، وإعلامية، وأيضاً شخصيات ديبلوماسية عربية، خرج ترامب وسط ذلك الصخب الإعلامي، ليعلن عن مشروعه، أو خطته للسلام في الشرق الأوسط، بالتحديد فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، المشروع الذي اشتهر بـ”صفقة القرن”، عندما تم طرح ذلك المصطلح في استقبال الرئيس الأميركي، ترامب، الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في البيت الأبيض، في 2017. ثم تتالت تصريحات من البيت الأبيض أنهم بصدد الإعلان عن مضمون الصفقة، فور استكمال جوانبها، وتنسيقها مع الأطراف المعنية، وهو ما استغرق كل ذلك الوقت، والذي يبدو أنه كان مخصّصاً للتمهيد لطرح الصفقة، وليس لإعدادها، فالواضح أنها كانت معدّة، بكل تفاصيلها، بالتنسيق الوثيق بين الحليفين، أميركا وإسرائيل.

جرى التمهيد لطرح الصفقة على مستويين. الأول متعلق بالنُظم، وتم معه اتباع أسلوب الترهيب والترغيب، الترهيب بإيجاد خطر داهم على النُظم، متمثل فى إيران من ناحية، وفي تيارات الإسلام السياسي، من ناحية أخرى، وأن الحليف الوحيد في المنطقة لتلك النُظم إسرائيل. وأميركا صاحبة اليد الطولى في العالم، والطريق إليها يمر عبر بوابة تل أبيب. أما الترغيب فجاء في طرح مشروع اقتصادي تنموي بمبلغ 50 مليار دولار، توزّع على دول الطوق العربية، المعنية مباشرة بالقضية الفلسطينية، مصر والأردن ولبنان، بالإضافة إلى الفلسطينيين، بنِسَب مختلفة. والمثير أن التمويل سيأتي من الدول العربية النفطية أساساً، في مقابل تأمين العروش ونُظم الحكم. المستوى الثاني من التمهيد للصفقة هو المتعلق بالشعوب، لتجنّب أي ردود فعل جماهيرية قد يكون لها تأثير سلبي على الصفقة، تم إغراق الشعوب العربية في دوّامةٍ من الفوضى المدمرة والصراعات والاقتتال الداخلي والمشكلات المتراكمة.

“تأتي صفقة القرن فى سياق بعيد عن كل سياقات الحلول، والتفاوض، والاتفاقات، والتفاهمات الفلسطينية، والعربية – الإسرائيلية” .

والجانب الأهم من التمهيد للصفقة كان المتعلق بالأرض والفلسطينيين أنفسهم، واتبعت أميركا  أسلوب الصدمات، فبدأت بقرار ترامب تفعيل قرار الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها. وجاءت ردود الفعل العربية باهتة ومتهافتة، وهو ما شجّع أميركا على الخطوة التالية، إلغاء تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بغرض إنهاء قضية اللاجئين، ثم جاءت الضربة التالية متعلقة بالأرض، عندما قرّر ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة، ثم أعقب وزير خارجيته، بومبيو، ذلك بالاعتراف بشرعية المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهكذا ضربت أميركا عرض الحائط بالقوانين والقرارات الدولية التي تحظر الاستيلاء على الأراضى بالقوة، أو تغيير هوية الأراضي والمناطق المحتلة، وكان ذلك كله تمهيدا لما تم طرحه في صفقة القرن.

ولأن النُظم العربية لم تحرّك ساكناً، بل مضت فى مسار التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وعلاقات التبعية مع أميركا، ولأن الشعوب العربية كانت غارقةً في صراعاتها الدموية، ومشكلاتها المتراكمة. والأهم، لأن السلطة الفلسطينية في رام الله غارقة في التنسيق الأمني، وأوهام التفاوض، والمقاومة في غزة، تحت الحصار الخانق، والاستهداف المتواصل، رأى ترامب ونتنياهو الوقت مناسبا تماماً لطرح مشروع تصفية القضية الفلسطينية.

“السلطة الفلسطينية في رام الله غارقة في التنسيق الأمني، وأوهام التفاوض” .

من حيث المضمون، يمنح المشروع إسرائيل دولة يهودية على كل أرض فلسطين التاريخية،   وذلك بضم غور الأردن وشمال البحر الميت وكل المستوطنات إليها، وجعل القدس الموحدة عاصمة أبدية لها، مع سيطرتها على المسجد الأقصى، وكل المقدّسات الدينية بها. بالإضافة إلى هضبة الجولان السورية، مع منح جزء من الشعب الفلسطيني جزءا من الأرض الفلسطينية، من دون سيادة، وتحت الهيمنة الإسرائيلية، بتخليق كيان هلامي مقطّع الأوصال، يشكل جزيرة برّية، داخل كيان دولة إسرائيل، وإطلاق اسم الدولة عليه، وإلغاء قضية اللاجئين نهائيا.

وتأتي صفقة القرن في سياق بعيد عن كل سياقات الحلول، والتفاوض، والاتفاقات، والتفاهمات الفلسطينية، والعربية – الإسرائيلية، السابقة. والأخطر أنها تسعى إلى الفصل بين مسار العلاقات العربية الإسرائيلية والقضية الفلسطينية، أي عدم الربط بين القضية وموقف إسرائيل منها وبين علاقات الدول العربية بالدولة الإسرائيلية، وهو تطور حادّ في العلاقات الإقليمية، يترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة الاحتلال والمشروع الصهيوني.

ماذا نفعل، وفلسطين والأمة العربية تواجه تحدّيا وجوديا، فالخطة الصهيوأميركية التي طرحها ترامب – نتنياهو، وأخذت اسم صفقة القرن لا تقلّ خطورة عن قرار تقسيم فلسطين الذي أصدرته الأمم المتحدة، برعاية أميركية، في 1947، وكان الأساس في قيام دولة إسرائيل. واليوم تأتي صفقة ترامب لتكون الأساس في تصفية قضية فلسطين؟ الإجابة في إعادة توصيف القضية الفلسطينية، وعودة منظمة التحرير في ثوب جامع لكل القوى الفلسطينية، في الداخل والخارج، لتكون الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وإحياء المشروع الوطني الفلسطيني، مشروع مقاومة الاحتلال، بدعم عربي صريح، أو .. لنصمت إلى الأبد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى