أقلام وأراء

عادل درويش: مأزق حكومة المحافظين

عادل درويش * 21 أغسطس 2022 مـ
تتعرض حكومة المحافظين برئاسة بوريس جونسون (التي ستنتهي بعد أسبوعين) لانتقادات لغيابه عن بريطانيا في إجازة صيفية، بينما تصف المعارضة والصحافة وزارته بـ«زومبي». أسعار الطاقة مستمرة في الارتفاع، ومعدلات التضخم تجاوزت 10.5 في المائة، أي خمسة أضعافها في أقل من عام، في تقرير بنك إنجلترا المركزي صباح الخميس.

 

نقابات عديدة تهدد بالإضرابات؛ إضرابات بدأت بالفعل بعمال البلدية والخدمات الأساسية في تنظيف الشوارع وجمع القمامة، والمواصلات، والبريد، وآخرها كان في اليومين الماضيين في السكك الحديدية ومواصلات العاصمة.

الدخول تنخفض فعلياً؛ لأن العلاوات قُررت بمعدلات تضخم ميزانية العام الماضي، وكانت دون اثنين في المائة، وقيمة الجنيه تتناقص بارتفاع الأسعار، وصناع الرأي العام يتساءلون: أين الحكومة؟ وأين الحلول؟

إما الحد من ارتفاع أسعار فواتير الطاقة، وإما توفير الدعم لقرابة 14 مليوناً من محدودي الدخل، للاستمرار في تدفئة منازلهم، مع قدوم الشتاء في خلال شهرين.

المعارضة العمالية تنتهز فرصة التوقيت الموسمي الذي تضافر مع ظروف المحافظين واتجاهات الصحافة لتحقيق أهداف سياسية في مرمى الحكومة، بالمقامرة بمشروعات لن تكلفها شيئاً. عُمَد المدن الكبرى، كمانشستر ولندن (وبعضهم كانوا وزراء في حكومة العمال السابقة) بدلاً من التوصل لحلول مع النقابات المضربة، يركبون موجة الهجوم على الحكومة.

زعماء العمال جاهروا بمطالبة رئيس الحكومة جونسون، والمرشحين المتنافسين على خلافته: وزيرة الخارجية إليزابيث تراس، ووزير المالية السابق ريشي سوناك، باجتماع فوري مع المعارضة، ودعوة رؤساء حكومات المملكة المتحدة (اسكوتلندا، وإمارة ويلز، وآيرلندا الشمالية) لإيجاد حلول فورية لأسعار الطاقة، والتعامل مع الأزمة المالية. المعارضة تعي أن المطلب غير عملي؛ لكنها حرب البروباغندا السياسية، بتوجيه الضربات للخصم وهو مجرد من أسلحة الدفاع.

البرلمان في الإجازة الصيفية، والنظام السياسي في بريطانيا يسير بالتقاليد والأعراف وسوابق الممارسات التي تقيد أيدي الحكومة الحالية بزعامة جونسون. جونسون يلتزم الصمت، فأي إعلان عن حلول تجاه الضرائب أو أسعار الوقود وإعانات اجتماعية واقتصادية، قد يفسر بأنه يدعم مرشحاً على حساب الآخر؛ خصوصاً أن أعضاء الحزب (خارج نواب البرلمان الـ357، وهم حوالي اثنين فقط من أعضاء الحزب) يشطب كثيرهم أسماء المرشحين على بطاقة التصويت، ويضع اسم جونسون تعبيراً عن غضب القاعدة العريضة للمحافظين، من إجبار النواب الزعيم على الاستقالة.

التقليد أو العرف الآخر، أن رئيس الحكومة في الفترة الانتقالية (مثل أثناء الحملة الانتخابية والبرلمان غير منعقد) لا يتخذ سياسات أو إجراءات تفرض على خليفته أو الحكومة القادمة بعد الانتخابات الالتزام بها.

ولذا، فصمت جونسون ومجلس وزرائه هو التزام فرضته الأعراف الدستورية، وليس تهرباً من المسؤولية أو عجزاً عن مواجهة الأزمة، مثلما تحاول الصحافة والمعارضة تقديم الأمر للرأي العام.

المعارضة العمالية صعَّدت من الهجوم كضغط على الحكومة لإحراجها أمام الرأي العام، بدعوتها إلى استدعاء البرلمان من الإجازة الصيفية (التي تنتهي الخامس من الشهر القادم) باعتبار أن الوضع الاقتصادي والإضرابات والضغوط على ذوي الدخل المحدود، تعتبر أزمة طارئة تتطلب جلسة طارئة.

وكانت آخر مرة استدعي البرلمان فيها من الإجازة، العام الماضي (18 أغسطس «آب») عند سقوط كابل في أيدي «طالبان» والانسحاب من أفغانستان؛ وكانت المرة الـ33 منذ الحرب العالمية الثانية التي استُدعي فيها مجلس العموم من الإجازة إلى جلسة طارئة.

المعارضة تعلم أنه لا توجد حرب أو كارثة طبيعية أو وباء يمكن تسميته «حالة طارئة»؛ خصوصاً أن الإجرائيات تتطلب أن يستدعي رئيس البرلمان من يعرف بزعيم الأغلبية، وزعماء الأحزاب، ويقرر استدعاء البرلمان؛ لكنها تثير الأمر كذخيرة في ترسانتها السياسية.

استطلاعات الرأي هذا الأسبوع تشير إلى تقدم زعيم المعارضة العمالية، السير كيير ستارمر، على القياديين المتنافسين على زعامة حزب المحافظين الحاكم، بما يتراوح بين 7 نقاط و16 نقطة، حسب الأولويات الـ12 التي طرحتها مؤسسة «إيبسوس» للإحصاء واستطلاع الرأي، على عينة ممثلة للناخبين.

فستارمر يتقدم على تراس بـ13 نقطة في مجال الخدمات العامة؛ خصوصاً الصحية، بينما تضيق الفجوة إلى 9 نقاط في مجال مقاومة التغيير المناخي (ليست أولوية لناخبي المحافظين الذين يدعمون سياسة تراس في تجميد الضريبة الخضراء على فواتير الطاقة).

في مجال إصلاح الاقتصاد يتفوق سوناك لدى الرأي العام على ستارمر بين الناخبين من كل الأحزاب، أما في مجال الرغبة في تخفيض الضرائب تتفوق تراس على كل من منافسها سوناك وعلى الزعيم العمالي.

لكنها أخبار غير مطمئنة للمحافظين، بجانب خطئهم التاريخي بقبول بث المناظرات بين المرشحين عبر وسائل الرأي العام، كشبكات التلفزيون.

زعيم العمال ستارمر وجَّه لطمة لحكومة المحافظين، بإعلان مشروعه لمعالجة ارتفاع أسعار الطاقة، والتي تؤثر على كافة مجالات الاقتصاد، وأدت إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى أعلاها منذ 40 عاماً؛ حيث يتوقع المراقبون أن تصل إلى 13 في المائة في الخريف.

يقترح ستارمر سياسة تجميد أسعار استهلاك الطاقة على ما هي عليه الآن، وهو أمر في يد الحكومة.

والتقليد المتبع أن مكتب مراقبة أسعار الوقود والطاقة يحدد سقف الأسعار كل 6 أشهر، تعدلت إلى 3 أشهر. لجنة المكتب ستجتمع يوم الجمعة 26 الجاري لتعديل الرقم، ويتوقع المراقبون زيادة أخرى تصل بمتوسط الفاتورة السنوية إلى 4 آلاف ومائة دولار، ابتداء من أكتوبر (تشرين الأول)، وزيادة سبعمائة دولار أخرى ابتداء من يناير (كانون الثاني) القادم.

تجميد أسعار الوقود الآن سيبقي متوسط الفاتورة السنوية ألفين وأربعمائة دولار (ضعف أسعار العام الماضي)، ما قد يكلف الخزانة 36 بليون دولار؛ لكن ستارمر يجادل بأن تجميد الأسعار سيؤدي بدوره إلى الحد من معدلات التضخم؛ بل ويخفضها؛ لأن مقياس الأسعار يعزي السبب الرئيسي لارتفاع معدلات التضخم إلى زيادة أسعار الوقود التي أثرت على أسعار السلع والخدمات الأخرى كلها بلا استثناء.

خطة زعيم المعارضة التي أدت لارتفاع شعبيته، ستضطر سوناك وتراس إلى تقديم سياسة بديلة عاجلة تتركز حول التعامل مع أسعار الوقود، يلتزم بها من يصبح رئيس وزراء بعد أسبوعين. دليل آخر على نجاح النظام التقليدي الديمقراطي التعددي، ووجود معارضة قوية (في شكل حكومة الظل) تقدم حلولاً بديلة، مهما كانت كفاءة الحكومة المنتخبة وشعبيتها، كتوازن يصب في النهاية في دعم المصلحة القومية للأمة.

*معلّق سياسيّ مصري مراسل في برلمان ويستمنستر وداوننغ ستريت، ومؤرخ متخصص فى السياسة الشرق اوسطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى