أقلام وأراء

طلال عوكل يكتب – منتصرون، مهما كانت النتائج

طلال عوكل – 20/5/2021

تجتهد آلة الكذب الإسرائيلية في تجميع ملامح إنجازات يحققها الجيش الإسرائيلي والأجهزة الاستخبارية، لتبديد الكابوس الذي يعيشه كل إسرائيلي هذه الأيام. وسائل الإعلام والناطقون الرسميون والعديد من الكتّاب والصحافيين، منخرطون في تسويق خطاب انتصاري، تعانده الوقائع التي لا يتجاهلها إلّا الأعمى.

غير أن كل هذا الستار من الضباب، الذي يحاول أن يخفي الحقيقة، ويستر العورات، لا يصمد ولا يمكن ان يصمد، لإقناع الإسرائيليين بأن دولتهم قادرة على حماية أمنهم واستقرارهم، وبأن جيشهم لا يزال ذلك الجيش الذي لا يقهر.

يقهر الجيش الإسرائيلي، وتقهر دولة الاحتلال، ويقهر بل ويتمزق المجتمع الإسرائيلي.

يعترف إسرائيليون بأنها المرة الأولى منذ قيام دولة الاحتلال التي تتعرض فيه إسرائيل لهذا العدد من الصواريخ، التي تشل كل مظاهر الحياة في وسط البلاد. لقد استطاعت صواريخ المقاومة، فرض حظر التجوال على عديد المدن والمستوطنات ليس في منطقة غلاف غزة، وإنما في وسط البلاد. ألا يكفي لتبديد المشهد الانتصاري الكاذب أن يتخذ الجيش قراراً للجنود، بأن عليهم ارتداء الزي المدني حين ذهابهم إلى مراكز عملهم، وحين يعودون في المدن المختلطة؟

إسرائيل تقع بين نارين، إزاء كيفية التعامل مع الوضع القائم، فهي لا تجرؤ على الاستجابة للضغوط الهائلة الرامية لوقف إطلاق النار بينما صورتها مهشمة، وفي الوقت ذاته، تخشى من أن استمرار العدوان من شأنه ان يؤدي إلى تفجير الأوضاع في الضفة الغربية وفي الداخل الفلسطيني.

موضوع وقف العدوان، مرهون بالسيناريو والإخراج الأفضل بالنسبة لإسرائيل، لكي تخرج من هذه الورطة، دون الموافقة على شروط تتصل بالقدس والشيخ جراح، ودون ان تبدو على أنها مهزومة، رغم أنها مهزومة، مهما كانت النتائج.

إذاً، هي مسألة وقت قصير حتى يتوقف هذا العدوان، الذي نجحت من خلاله غزة، في أن تربط على نحو وثيق، دورها وأهدافها بالقضية وبالقدس، وبما يجري على أرض الضفة الغربية والداخل الفلسطيني.

هذا العدوان، الذي يتطابق وينسجم تماماً مع الطبيعة الاحتلالية العنصرية لهذه الدولة المارقة، والكرتونية، ما كان يمكن ان يكون خياراً، لا بالنسبة لإسرائيل ولا بالنسبة للفلسطينيين، وإن كان يمكن تجنبه، فلبعض الوقت فقط، وبالتالي لا مجال للندم. بعض المحللين قالوا، ان إسرائيل ما كانت لتقوم بما قامت به، لو أنها توقعت الجاري من الأحداث، ولكن هل تستطيع إسرائيل أن تتجنب ما تفعله بينما هي تلتزم سياسة التطهير العرقي، وتهويد القدس؟

ما تحصل عليه إسرائيل هو ان صورة جيشها قد تهشمت، وتقوضت قدرتها على الردع، حتى لم تعد تخيف أحداً، وقد أغرقت نفسها بالمزيد من جرائم الحرب، التي تثير مؤسسات دولية، مثل «مراسلون بلا حدود»، و»منظمة العفو الدولية». الشعب الفلسطيني بكليته يقف في وجه العدوان ويسقط منه الشهداء والجرحى، في الضفة كما في غزة والقدس، وتتوحد أهدافه، بعد ان حاولت إسرائيل تقسيمه الى تجمعات كل منها له همومه الخاصة وأهدافه. مأزق إسرائيل المستحيل كدولة ومجتمع سيكون في لاحق الأيام من داخلها، حيث تتصاعد العنصرية، رسمياً وشعبياً، من قبل اليهود ضد الفلسطينيين وأصحاب الجنسيات الأخرى. وصف إسرائيل بالعنصرية ليس حصراً على الفلسطينيين، فلقد انضمت أطراف كثيرة لتبني هذا التوصيف بما في ذلك منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأميركية.

العالم كله يقف على قدم واحدة، تضامنا مع الفلسطينيين، سواء على الصعيد الرسمي، أو على صعيد المواطنين في معظم دول العالم وربما كان أكثرها في الولايات المتحدة الأميركية.

ترفض إسرائيل نصائح حلفائها، وترفض الوساطات، لأن أي اتفاق لن تكون نتائجه لصالحها، ولذلك فإنها قد تفكر في الإعلان عن وقف عدوانها من طرف واحد، وتقول إنها ستعاوده، إذا استمرت فصائل المقاومة في إطلاق النار.

ولكن ثمة سيناريو آخر، حيث يمكن لمجلس الأمن أن يمرر مشروع القرار الفرنسي، الذي تتوافق فيه مع الولايات المتحدة، ليشكل ذلك مخرجاً لإسرائيل التي ستعلن عن التزامها، خاصة وان الولايات المتحدة لن تسمح بتمرير قرار يدين العدوان الإسرائيلي او حتى ينطوي على قدر من التوازن. الموقف الأميركي هو الأسوأ في المشهد العام، ما يؤكد أن الولايات المتحدة، لا تخالف طبيعتها وسياساتها المنحازة لإسرائيل على الرغم من الاختلافات النسبية المحدودة بين إدارة وأخرى.

الولايات المتحدة تتمسك بمقولة، ان من حق إسرائيل ان تدافع عن نفسها. وهي بذلك تقرر سلفاً ان الدولة العبرية، تتعرض لعدوان من قبل الفلسطينيين. مقولة ممجوجة، مخالفة للوقائع، وللقانون الدولي وحتى لمواقف الولايات المتحدة، فطالما انها تستمر في اعتبار الضفة الغربية وغزة والقدس أراضي محتلة، فإن من الطبيعي ان يكون الاحتلال هو المعتدي على الأرض، والناس والقانون. في هذا المشهد يبدو النظام الدولي المتمثل بالأمم المتحدة، وتراكيبها المؤسساتية عاجزا عن حفظ السلام والأمن الدوليين، طالما ان دولة واحدة هي الولايات المتحدة، تقف ضد اربع عشرة دولة، وبالتالي تعلن عن شل هذه المؤسسة، على أن هذا التعطيل الذي تمارسه الولايات المتحدة للمؤسسات الدولية لا يعفي الدول الأخرى خاصة الاتحاد الأوروبي، والصين وروسيا من مسؤولياتها وعجزها عن فعل أي شيء. وبصرف النظر عن كل ما يحصل وسيحصل قيل أو يقال فإن النتائج والنهايات يقررها الميدان، والميدان هو لصالح الشعب الفلسطيني، الذي يستطيع إعادة فرض قضيته على رأس جدول اهتمامات المجتمع الدولي مروراً بالعربي والإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى