أقلام وأراء

طلال عوكل يكتب – صفقة أم تبني استراتيجية الحركة الصهيونية؟

طلال عوكل

ليست المرة الأولى التي يظهر فيها على سطح وسائل الإعلام ما يمكن اعتباره مسودة نصوص صفقة القرن، ثمة تطابق الى حد بعيد بين الصيغة التي عرضتها قناة الميادين اللبنانية وبين ما سبق لصحيفة جروسالم بوست الإسرائيلية ان نشرته قبل بضعة أشهر.
غير أن هذا التطابق في محتويات ما نشر، لا يعني بالضرورة أن ما تقدم حول صفقة القرن، هو الصيغة النهائية والكاملة للصفقة، كما ان النشر لا يعني أيضا ان هذه الصفقة ان كانت المنشورة او غيرها، ستجد لها الوقت الكافي للتداول.
لكننا لا نستطيع ان نهمل دقة الصياغة، وشموليتها في الوثائق التي نشرت، ما يدعو للاعتقاد بأن ما نشر، قد يكون الهدف منه إثارة الجدل وفحص ردود الأفعال الأولية للأطراف المعنية وهي كثيرة بطبيعة الحال.
وبغض النظر عن الدوافع وراء عملية تسريب الأفكار التي تحمل عنوان “صفقة القرن” فإن ما ورد فيها وآليات تطبيقها وفق النصوص لا تكتسب صفة الصفقة.
الأسلوب الأوامري الذي يسيطر على ما ورد في الوثيقة يشير الى انها أفكار مفروضة من قبل الولايات المتحدة، يترتب على الجميع قبولها او رفضها، حتى لو أتيحت الفرصة لأي طرف بان يدخل عليها بعض التعديلات التي يفترض ان تكون مقبولة من الإدارة الاميركية.
ما يقال عنه صفقة هو عملية إملاء لقرارات وسياسات تتبناها الإدارة الأميركية مشفوعة بتهديدات صريحة لكل من يقف في طريق تعطيلها.
حتى الحديث عن الممولين ونسب التمويل تمت صياغتها بطريقة فوقية مع بعض الإشارات الى ان البعض خصوصا العرب قد أعطى موافقته الأولية على الدور الذي يترتب عليه.
السلطة ستتعرض لعقوبات بوقف التمويل من قبل الولايات المتحدة مع ان التمويل متوقف تماماً، ولكن التهديد يتواصل نحو استخدام أميركيا لنفوذها لوقف تمويل السلطة من قبل الدول التي تواصل تقديم مساعداتها.
“حماس” إما ان توافق وتوقع، وإما انها ستتعرض لهجوم إسرائيلي مدمر، بتغطية ودعم، وربما مشاركة من قبل الولايات المتحدة.
لا وجود لشيء او آلية اسمها مفاوضات ووساطات بين أطراف “الصفقة” التي تقدمها الولايات المتحدة، فإسرائيل ستحتفظ بالكتل الاستيطانية، التي ستشمل البؤر الاستيطانية المعزولة وستحافظ على سيطرتها على الغور الأردن كما هو الوضع القائم.
الدولة الفلسطينية او فلسطين الجديدة ينبغي ان لا تكون مسلحة، بل يترتب على “حماس” التخلص حتى من السلاح الفردي لدى مرافقي القيادات، وعليها ان تدفع ثمن الحماية الأمنية الإسرائيلية.
مسخرة حقيقية، ان يقال بان فلسطين الجديدة يمكن ان تتعرض لتهديدات أمنية او عسكرية، من غير إسرائيل التي تشكل التهديد والعدوان الأساسي والوحيد على الفلسطينيين.
في هذه الحالة فان إسرائيل هي التي عليها ان تدفع ثمن الحماية للفلسطينيين.
الملاحظة الأساسية هي ان الولايات المتحدة أسقطت سلفاً موضوع القدس، وحق العودة، فالقدس تظل تحت السيادة الإسرائيلية، وإذا كان يحق للفلسطينيين ان يفرضوا مناهجهم التعليمية، فان عليهم ان يدفعوا ضريبة الأرنونا لإسرائيل.
الوثيقة المسربة لا تتضمن حرفاً واحداً حول الأونروا، وحول حق الفلسطينيين في العودة، ودولة فلسطين الجديدة ينبغي ان تكتفي جغرافياً بقطاع غزة، وأجزاء قليلة من الضفة الغربية، أي المدن كثيفة السكان. من دولة فلسطينية مستقلة الى دولة تحت الاحتلال الى دويلة تحت رحمة الاحتلال.
هذا يعني أن على الفلسطينيين أن يكتفوا بإجراءات ذات أبعاد اجتماعية إنسانية، وبسيادة شكلانية تساوي حكماً “ذاتيا” لا اكثر ولا اقل.
لا داعي لتسجيل المزيد من الملاحظات على النصوص التي تضمنتها الوثائق المسربة وما ورد فيها مفهوم سلفاً بالتحليل، اذ لا يعتقد عاقل بأن ما ورد حتى الآن من سياسات ومواقف وممارسات من قبل الإدارة الأميركية يبقي للفلسطينيين اكثر او اقل مما تبقى وتنص عليه الوثيقة.
والآن هل بقي لدى إدارة ترامب أي وقت او دافعية لطرح الوثيقة او الصفقة المشؤومة؟ يتعرض ترامب لتحقيقات صعبة من قبل الكونغرس، وربما يتم توجيه لائحة اتهام بحقه، ولذلك فان همومه لا تسمح له بالقفز عن هذا الواقع. بالإضافة لذلك فان طرح الوثيقة للتداول يحتاج الى وجود حكومة إسرائيلية قادرة على اتخاذ قرار من هذا المستوى.
ومثل هذه الحكومة من غير المرجح ان تظهر الى النور قبل شهر أيار العام القادم، وحينها ستكون الانتخابات الأميركية على اشدها، يبقى أن نشير الى ضرورة إعلان السلطة وحماس وبقية الفصائل موقفا واضحا ازاء ما طرح، كمقدمة لتجنيد الوضع العربي الذي عليه ان يرد على استهتار الإدارة الأميركية باستقلالية وكرامة الدول العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى