أقلام وأراء

طلال عوكل يكتب – ثلاثية التزوير والتبرير والتحريض

طلال عوكل – 12/10/2020

في الخامس من هذا الشهر، الذي يقع بعد شهر من الإعلان الإماراتي عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقبل شهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية، خرج الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السابق وسفير المملكة العربية السعودية في أميركا السابق، بثلاثية ألخّصها بأنها ثلاثية التزوير والتبرير والتحريض.

يقوم بندر، والذي يخالف الموقف الرسمي السعودي بشأن القضية الفلسطينية، ويبرر الرواية الصهيونية حتى طالب أحد الكتّاب الإسرائيليين بتدريس ثلاثية بن سلطان في المدارس الإسرائيلية.

يحصل أن تخرج بعض الأصوات النشاز من كتّاب أو إعلاميين، أو حتى بعض السياسيين، لكي يتهموا الفلسطينيين بأنهم أصحاب الفرص الضائعة. يحصل ذلك لأسباب تعود إلى الجهل، أو الثأر والغضب، أو لمصلحة ما، لكن هذه الأصوات لا تشكل سوى حصى صغيرة في نهر العروبة الهادر.

في هذه المرحلة اتسعت دائرة الناشزين، حتى أصبحوا حجارة كبيرة في طريق النهر العربي، وبات البعض يتغزّل في دولة الاحتلال، ويراها النموذج، في التطور، وصاحبة الحق والحقيقة. يحصل هذا جهاراً نهاراً دون رادع. يمكن لهؤلاء أن يقولوا ما يشاؤون في دولة الاحتلال، ولكن هل يكون شرطاً لتحقيق التأثير، أن يمزقوا الرواية الفلسطينية العربية التاريخية، وأن يتمنوا لأهلها جهنم؟

مقولة الفرص الضائعة، هي مقولة إسرائيلية أميركية في الأساس، تلك التي يرددها بعض الناشزين من العرب، وكان ذلك دائماً لإلقاء اللوم على القيادة والسياسة الفلسطينية التي ترفض السلام وفق المقاييس الإسرائيلية الأميركية التي لا ترى للفلسطينيين حقوقاً سوى أن «كلوا واشربوا واخدموا الاحتلال دون أي حقوق سياسية».

يأخذ بندر هذه المقولة كما فعل البعض قبله فيبدأ من الحاج أمين الحسيني، والرفض الفلسطيني لقرار التقسيم العام 1947. إذا كانت المواقف والسياسات تؤخذ في ظروفها، فإن الفلسطينيين ما كان عليهم أن يوافقوا على التقسيم، بما يعني التسليم بالمخطط الصهيوني الاستعماري مبكراً، بينما كانوا يراهنون على أن دخول سبعة جيوش عربية في المعركة كان سيحسم الأمر لصالح أهل البلاد. برأيي أنه كان قراراً واعياً وصائباً، فالأرض كلها إما للفلسطينيين أو لليهود. لنأخذ مقياساً، حاضراً وقد خضع بدوره للنقد والتزوير في ثلاثية بن سلطان.

لقد وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على أن تختزل الحقوق الفلسطينية في 22% فقط من أرض فلسطين التاريخية، وهي نصف المساحة التي قدمها لهم قرار التقسيم. ما هي النتيجة التي تؤكدها الوقائع، فهل وافقت إسرائيل ومن يقف خلفها على هذه التضحية الكبيرة من قبل الفلسطينيين أم ان سياستها لا تعرف سلاماً ولا حقوقاً للفلسطينيين على أرضهم؟

في الواقع فإن الفلسطينيين هم أكثر من ينتقدون سياسات قياداتهم وجزء كبير منهم يرفض اتفاقيات أوسلو، ويرفض استمرار سياسة المراهنة على سلام تصنعه إسرائيل والولايات المتحدة، لكن انتقاد الفلسطيني لسياسة قيادته وفصائله، يستهدف التصحيح، وليس الهدم، ولا يمكن أن يصل إلى مستوى الترويج للرواية الإسرائيلية الاستعمارية. إن تاريخ مواقف منظمة التحرير إزاء مبادرات السلام العربية وغير العربية، منذ أن طرحت النقاط العشر العام 1974، معلوم لدى كل الفلسطينيين ومن يتابع ولو باهتمام محدود السياسة الفلسطينية، لأنه كان محل خلافات فلسطينية معلنة ومكشوفة للجميع.

كان على الأمير بندر أن يقدم بتفاصيل ماذا كانت تتضمن المبادرات التي رفضها الفلسطينيون حتى يكون ذلك في ميزان حسنات القيادة الفلسطينية.

الثلاثية طرحت في زمن معروفة عناوينه، ومعروف مساره، واتجاهاته، فهو يأتي في ظل انهيار السياسة العربية الرسمية أمام الضغوط الأميركية الإسرائيلية الاستعمارية، ونحو الاحتماء بالذئب، ولكن لست ممن يعتبرون ما طرح على أنه تحضير لتغيير الموقف السعودي، نحو التطبيع، وانقلاب الموقف الرسمي من الملتزم بالحقوق الفلسطينية إلى المعادي لها، فالسعودية دولة كبيرة، قوية وغنية، ولا نظن أنها ستخجل أو انها ستخاف من أن تعلن تغيير أشرعة سفينتها بعيدا عن البوصلة التقليدية.

ماذا عن المستقبل هذا شيء آخر، فلعلّ الكل ينتظر نتائج الانتخابات الأميركية، حتى يعرف إلى أين يتجه، ولذلك فإننا نعالج الواقع ولا نعالج التوقعات. بعد هذه المطالعة التي تفنّد التزوير والتبرير، في ثلاثية الأمير، فإن هذه الثلاثية تمارس عملياً وظيفة التحريض على القضية والقيادة الفلسطينية الراهنة بسبب مواقفها الرافضة والمقاومة لـ»صفقة القرن».

لا شك أن السياسة الفلسطينية يعتريها عوار كبير، لم نتوقف ولم يتوقف الفلسطينيون عن الإشارة إليه، ولكن حديث الأمير ليس موجهاً للفلسطينيين حتى يقوموا بتغيير قيادتهم، وإنما يعكس على ما يبدو قراراً أميركياً إسرائيلياً إقليمياً بضرورة التخلص بطريقة أو أخرى من هذه القيادة.

تماماً ولكن على نحو مختلف، كما حصل مع الشهيد والزعيم الراحل ياسر عرفات، الذي تم اغتياله، بأيدٍ إسرائيلية وبقرار إسرائيلي أميركي.

يستطيعون أن يفعلوا ذلك بالإرهاب والقتل والاغتيال، ولكنهم لا يستطيعون أن يفرضوا على الشعب الفلسطيني قياداته، وحتى إن بدا المشهد مظلماً قليلاً أو كثيراً، فإن الحديث الذي لا ينبغي لأحدٍ أن ينساه أو يتجاهله هو أن الأمر يتعلق بشعب الجبارين الذي يستطيع قلب كل المعادلات بين ليلةٍ وضحاها.

الشعب الفلسطيني ليس جاحداً ولا هو قليل الوفاء لكل من مد له يد العون، والأصل أنه يستحق كل دعم من الأمة العربية لأنه يقف في مقدمة الصفوف ويقدم أغلى الأثمان دفاعاً عن حقوق ومصالح وأمن واستقرار العرب جميعاً.

أيها السادة لو أنكم تخصصوا جزءاً من أوقاتكم الثمينة للاطلاع على التعليقات الإسرائيلية السخيفة التي تستهزئ بالعرب، المتغزّلين بإسرائيل، وكيف ينظر اليهود للعرب الذين يوصفون على أنهم إرهابيون منذ أن يولدوا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى