أقلام وأراء

طلال عوكل: بقاء حكومة بينيت الأولوية الوحيدة

طلال عوكل 2022-05-26

تتكرّر مظاهر التصعيد الإسرائيلي في الضفة، وتتخذ أشكالاً ومضامين ذات أبعاد احتلالية وعنصرية، وبموازاة ذلك، يتكرر التساؤل بشأن احتمالات انفجار الأوضاع على نحوٍ واسع، يوم الأحد القادم، بما يشمل دخول فصائل المقاومة في قطاع غزة على الخط.
الاعتداءات والاقتحامات النارية الاحتلالية لا تتوقف، ولا تتوقف اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، وقبر يوسف، والحرم الإبراهيمي، والمحصلة المزيد من الشهداء والجرحى، وأعداد كبيرة من المعتقلين.
في مقابل ذلك باتت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، على قناعة بأن مقاومة الشعب الفلسطيني تزداد قوة، وتتجاوز الحسابات السياسية، الرسمية والفصائلية، وتشكل عقبة حقيقية أمام المخططات الاحتلالية.
لا تتجاهل السياسة الإسرائيلية، والفلسطينيون أيضاً، أن مسلسل العمليات الفردية الموجعة لقوات الاحتلال، يعطي مؤشّرات خطيرة ومهمة، من حيث أنها تعكس شمولية المواجهة، التي لا تتوقف شموليتها على انخراط المقاومة في غزة، في الصراع عبر ما تمتلكه من إمكانيات عسكرية.
وثمة، أيضاً، ما ينطوي على مؤشرات خطيرة، خارج حسابات السياسة الرسمية أو الفصائلية، وهو تصاعد المقاومة، في أراضي العام 1948، على خلفية السياسة العنصرية والتهميش، ما يصيب الجبهة الداخلية الإسرائيلية في مقتل.
واضح أن الحكومة الإسرائيلية الهشّة، تفقد السيطرة، وتفقد القدرة على اتخاذ خيارات تناسب طبيعتها العنصرية المتطرفة من دون أن تهدد استقرار الحكومة واستمرارها.
بينيت وحكومته غير مقتنع بل ويرفض خيار المفاوضات والتسوية السياسية ولكنه في الوقت ذاته غير قادر على مواجهة المطالبات الدولية المتزايدة بفتح المسار السياسي على أساس رؤية الدولتين.
قد لا يصل ضغط المجتمع الدولي إلى المستوى الذي يضع حكومة بينيت أمام امتحان الرفض أو القبول، لكن هذه المطالبات المستمرة، تضاف إلى الإدانات والاحتجاجات والانتقادات التي تتعرض لها السياسة الإسرائيلية، بما يؤدي إلى عزلة إسرائيلية، ويوفر المزيد من الذخيرة الفاعلة لدى المؤسسات المجتمعية والحقوقية الدولية، التي تلعب دوراً في التأثير سلبياً على الرأي العام العالمي، ضد السياسات والممارسات الاحتلالية والعنصرية.
وبينيت وحكومته، لا يستطيع، وغير مقتنع بمغادرة سياسة الاستيطان ومصادرة الأراضي، وممارسة سياسة التطهير العرقي، وإطلاق يد المستوطنين والمتطرفين، تجاه المسجد الأقصى، وتهويد القدس، ولكنه، أيضاً، يضطر لكبح جماح هذه السياسات والممارسات بما لا يسمح بتصعيد خطير وشامل.
الجيش الإسرائيلي الذي يستطيع وفق بينيت أن يهزم الجيوش المعادية لإسرائيل في المحيط الإقليمي، يتحول إلى شرطة و”حرس حدود”، ولا ينجح، أيضاً، في كبح جماح مقاومة الشعب الفلسطيني.
بات من الواضح أن حكومة بينيت تتجنب السماح للمتطرفين والمتدينين اليهود، لأن يقوموا بأعمال استفزازية بالمستوى الذي يمكن أن يحرك كل طاقة الشعب الفلسطيني وقواه السياسية.
بعد أن أعطت محكمة الصلح الإذن للمستوطنين بإقامة الشعائر الدينية في المسجد الأقصى، خلال مسيرة الأعلام، التي ستنطلق يوم الأحد القادم لتمر في مسار عبر باب العامود، والحي الإسلامي والقدس القديمة، اعترضت الحكومة الإسرائيلية على ذلك، خوفاً من اتساع دائرة الصراع.
سنلاحظ أن الشرطة الإسرائيلية ستواكب المسيرة، ولكن ليس في إطار المسار الذي أراده بن غفير وجماعته، وأنها ستكبح جماح التطرف خلال تلك المسيرة، ليس لأن الحكومة من طينة مختلفة، وإنما لأن هذه الحكومة تتجنب توفير عوامل يمكن أن تؤدي إلى سقوطها وانهيارها.
ولكن بالإضافة إلى مخاوف حكومة بينيت من إمكانية انفجار الأوضاع، وإزاء التحذيرات والتهديدات التي تصدر عن الأطراف الفلسطينية، فإن ثمة عوامل أخرى تدخل على الخط في اتجاه ضبط سياسة الحكومة ودفعها نحو ضبط سلوك الجماعات اليمينية الإرهابية.
أولاً، تشكل استقالة تان غان تسفي رئيس ديوان رئيس وزراء الاحتلال، واستقالة المستشار الدبلوماسي، أيضاً، لفليت شيمريت مئير، مؤشراً على أزمة تعاني منها الحكومة، خصوصاً وأنهما من المعروفين بيمينيتهما، وإخلاصهما لفترة طويلة لرئيس الحكومة.
ثانياً، شكلت استقالة غيداء الزعبي النائب عن “ميرتس” رسالة تهديد مباشر، وجدي، لإمكانية استمرار الائتلاف الحكومي من حيث إنها أفقدت الحكومة النصاب القانوني، الذي يؤهلها لصد هجمات نتنياهو الذي لا يتوقف عن العمل لإسقاطها.
صحيح أن الزعبي عادت عن استقالتها ولكن ليس دون ثمن ووعود تلقتها من وزير الخارجية يائير لابيد، بعد لقاء بينهما، وكان من بين أسباب استقالتها الأحداث في الأقصى والشيخ جرّاح وتشريع الاستيطان وتدمير المنازل، ومصادرة الأراضي في التجمعات العربية في النقب وتمرير قانون المواطنة.
بالتأكيد لم تحصل الزعبي على وعد بتلبية كل ما سجلت الاحتجاج عليه، ولكنها بالتأكيد حصلت على بعض تلك الوعود ومن بينها كبح جماح المتطرفين إزاء المسجد الأقصى.
ثالثاً، تحاول الحكومة الإسرائيلية، تجنب اتخاذ بعض الإجراءات التوتيرية، قبل وصول الرئيس الأميركي، وحتى لا تقدم المزيد من المبررات التي قد تؤدي إلى التراجع عن القيام بتلك الزيارة.
إسرائيل ليست بحاجة إلى المزيد من الأزمات بينها وبين الإدارة الأميركية، فوق ما يتوفر منها، خاصة فيما يتعلق بملف التحقيق بجريمة اغتيال شيرين، وملف الاستيطان وملف هدم البيوت، والشيخ جرّاح، وسياسة التطهير العرقي، بالإضافة إلى رفضها المطلق لفتح المسار السياسي التفاوضي.
أسباب عديدة خلاصتها أن يوم الأحد القادم، من غير المرجّح أن يكون يوماً للانفجار الشامل، ما حرّك حكومة بينيت لتنشيط تدخل الوسطاء، لطمأنة الجانب الفلسطيني.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى