أقلام وأراء

طلال عوكل: إسرائيل قرّرت البداية، فمن يقرّر النهاية؟

طلال عوكل 2022-08-08

هكذا قرّر المتنافسون في إسرائيل على رئاسة الحكومة المقبلة خلال الانتخابات التي ستجرى أوائل تشرين الثاني القادم. ليس سوى الدم الفلسطيني الذي يمكن أن يحمل المتنافسين إلى تحقيق طموحاتهم الشخصية، حتى لو أن إسرائيل ستدفع ثمناً. لابيد، الذي استمرأ، منصبه الجديد الذي لن يتاح له فرصة الاستمرار فيه لأكثر من خمسة أشهر، وهو الشخص الذي يفتقر إلى الخلفية العسكرية والأمنية، يريد أن يركب الموجة، فيقدم نفسه على أنه يملك الكفاءة لإدارة الحروب، وإدارة الدولة.

بيني غانتس يعتقد أنه يمتلك كل المؤهلات، نظراً لخلفيته العسكرية، لإدارة الدولة، خاصة بعد أن شكّل حزبه الجديد مع ساعر.

أفيغدور ليبرمان هو الآخر لديه مثل هذا الطموح، بعد أن نجح نفتالي بينيت في الجلوس على مقعد رئاسة الحكومة، بينما حصل حزبه على سبعة مقاعد فقط.

النظام السياسي الإسرائيلي يعاني من أزمة بنيوية، ما يسمح للصغار، المنافسة على مواقع السلطة، من خلال اللعب، على التناقضات.

هؤلاء أرادوا، أيضاً، الظهور بمكانة القادر على ترميم الردع الإسرائيلي، بعد معركة “سيف القدس”، التي أطاحت بهيبة الجيش والدولة.

لقد قرّروا أن يصعدوا إلى أعلى الشجرة، حتى لم يعد لنتنياهو أن يزايد عليهم، فيكتفي بدعم حملتهم العسكرية والعدوانية على قطاع غزة تحت عنوان وتبرير سخيف، لم يكن ثمة ما يبرّر أو يغطّي العدوان الإسرائيلي الأخير، سوى الحديث عن إبعاد التهديد عن سكان ومستوطني غلاف غزة.

الحملة مدبّرة ومخطّطة بدقة، تبدأ باستفزاز حركة “الجهاد الإسلامي”، ابتداءً من جنين، التي تعرضت لهجمة إسرائيلية، أدت إلى اعتقال القيادي في الجهاد الشيخ بسام السعدي، وإصابة آخرين.

تزامنت الهجمة الإسرائيلية مع حملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من النشطاء وفي ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة والقدس.

لم يكن من المؤكد أن ردّة فعل “الجهاد”، ستصل إلى مستوى المبادرة إلى تصعيد كبير من قطاع غزة، كان يفترض أن تتم دراسته، والتوافق عليه مع فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس.

إسرائيل استغلت إعلان “الجهاد” الاستنفار، وإطلاق التهديدات، وبدأت بالتحضير للعدوان، من خلال حشدٍ عسكري، وفرض حصارٍ على مستوطنات غلاف غزة.

هكذا بادرت إسرائيل إلى شنّ عدوانها على القطاع، بهدفٍ معلن وهو تركيز حملتها على “الجهاد”، لإبعاد التهديد الكاذب عن سكان غلاف غزة، كان يمكن إبعاد هذا التهديد عبر تدخّل الوسطاء، واستعادة الهدوء، لولا أن إسرائيل، لم تكن ترغب أصلاً في التوصل إلى اتفاق إلّا بعد أن تقوم بعدوانها المدبّر والهادف.

راهنت إسرائيل على عزل “الجهاد”، وضمان عدم انخراط “حماس” في التصدي للعدوان، انطلاقاً من حسابات لها علاقة بمسؤولية “حماس” عن قطاع غزة، والضغوط التي تتعرض لها إقليمياً، فضلاً عن الأخذ بعين الاعتبار حسابات الحاضنة الشعبية التي أبدت ارتياحاً للتسهيلات الإسرائيلية الأخيرة.

الوساطات لم تتوقف منذ اللحظة الأولى، ولكن ما كان لإسرائيل أن تستجيب قبل أن تحقق أهدافها، ولكن هذه الوساطة، أيضاً، ليس بإمكانها أن تنجح في التوصل إلى تهدئة، في الوقت الذي تقرره إسرائيل، وبينما ستكون النتيجة أنها ستكون من يرسم المشهد الأخير وبالطريقة التي تشاء.

في الواقع فإن إسرائيل بعد ثلاثة أيام من العدوان، كانت قد رسمت مشهداً انتصارياً، وتعتقد أنها وفرت الظروف المناسبة لإرغام “الجهاد” على الاستجابة للوساطات الداعية للتهدئة.

لا شك بأن “الجهاد” تكبدت خسائر لا يمكن تجاهل أهميتها، خصوصاً ما يتعلق باغتيال بعض كبار قادتها العسكريين، وبعض الكوادر الميدانية، ولكن بعد ثلاثة أيام يبدو أن إسرائيل افتقدت بنك الأهداف الخاصة بـ”الجهاد” فذهبت للضغط من خلال قصف منازل مدنية، وإصابة عددٍ أكبر من الأطفال والنساء، والمدنيين عموماً.

وخلال الأيام الثلاثة الأولى، لا يبدو أن حركة الجهاد الإسلامي، استخدمت ما لديها من وسائل قتالية فعّالة، حيث لم يتجاوز عدد الصواريخ وقذائف الهاون التي أطلقتها الخمسمائة قذيفة.

ربما يشير ذلك، إلى تكتيك لدى “الجهاد”، فحيث تعلن إسرائيل أنها تسعى لاستعادة الهدوء، ووقف العدوان، فإن حركة “الجهاد” تحضر لأن يكون القرار الإسرائيلي، هو بداية رد قوي على العدوان.

الصراع بعد ثلاثة أيام على من يرسم المشهد الأخير، والاعتقاد السائد هو أن حركة “الجهاد” لا يمكن أن تسمح لإسرائيل بأن تكون هي صاحبة القرار الأخير، فإذا كانت هي صاحبة القرار في العدوان، فإنها لن تكون صاحبة القرار باستعادة الهدوء.

في الأثناء لم تبد الحكومة الإسرائيلية أي مرونة، بل صعّدت عدوانها في الضفة، وفي القدس خاصة، حين سمحت للمتطرفين باقتحام المسجد الأقصى في مناسبة “خراب الهيكل”.

الأوضاع إذاً ليست مرشّحة لاستعادة الهدوء، وتوقف العدوان، وقد تتسع دائرة الاشتباك، ما لم تنجح ومن غير المحتمل أن تنجح الوساطات في التوصل إلى اتفاق خلال اليومين المقبلين، بالإضافة إلى أنه لم يعد من المستبعد تماماً أن تنخرط “حماس” في التصدي، في ضوء السلوك الإسرائيلي الذي لا يجد أهدافاً سوى إسقاط أعداد كبيرة من المدنيين.

العالم يراقب، ومن موقع سلبي، فالإدانات والشجب والاستنكار لا يمكن أن تؤدي إلى ردع العدوان الإسرائيلي. يلفت النظر الموقف الأميركي والبريطاني، وهو موقف متكرر، يعطي إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وينكر ذلك على الفلسطينيين ما يشجع إسرائيل على مواصلة عدواناتها واستباحتها للدم الفلسطيني والحقوق الفلسطينية السياسية والإنسانية.

لا تلاحظ الولايات المتحدة، وقرينتها بريطانيا، أن إسرائيل فرضت على قطاع غزة، حصاراً مشدّداً، وقاسياً ولا إنسانياً، في إطار مواصلة سياسة العقاب الجماعي على الفلسطينيين.

لا يهمّ بالنسبة لإسرائيل إذا أضاف عدوانهم على القطاع المزيد من الملفات التي يدينها بارتكاب جرائم حرب، فثمة من يحميها، ويشجعها على المواصلة، والإفلات من العقاب. لم تنتهِ القصة بعد فثمة المزيد من الوقت، والمزيد من المفاجآت والتطورات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى