أقلام وأراء

صلاح مخلوف: خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة بين الخطاب السياسي وتوظيف الرواية الإسرائيلية في الغرب

صلاح مخلوف 30-9-2025: خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة بين الخطاب السياسي وتوظيف الرواية الإسرائيلية في الغرب

جاء خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين ليؤكد على ثوابت الرواية الإسرائيلية التي صاغتها الدبلوماسية الإسرائيلية وسخّرتها على مدار عقود في الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة الأميركية، فقد استهل نتنياهو خطابه بالحديث عن التهديد الإيراني، وهو من أبرز الركائز التي بنت إسرائيل من خلالها صورة نفسها في العقل الغربي باعتبارها “الخط الأمامي” لمواجهة ما تسميه الإرهاب والتهديد النووي، وهذا ما ينسجم مع تصوير إسرائيل لنفسها دائمًا على أنها الحليف الطبيعي للغرب في معركة مشتركة ضد الأعداء، في تكرار للرواية القديمة التي ربطت بين قيام إسرائيل والمصالح الغربية في الشرق الأوسط.

كما حرص نتنياهو على التأكيد أن “لو كانت أميركا في مكاننا لفعلت ما نفعل في غزة”، وهو تصريح يُظهر مدى التماهي بين السلوك الإسرائيلي والسياسات الأميركية، ويستند إلى قاعدة تاريخية متجذّرة في التحالف الاستراتيجي بين الطرفين، فإسرائيل، وفق هذا الخطاب، لا تمثل نفسها فقط، بل تؤدي “المهمة القذرة” نيابة عن الغرب، ما يعزز من مركزيتها في المنظومة الغربية كجزء من الحضارة الغربية في مواجهة ما تصفه بالبرابرة والإرهاب.

وتكررت في خطاب نتنياهو أدوات الرواية الإسرائيلية التقليدية، ويمكن إجمالها في النقاط الآتية:

أولًا: إبراز العلاقة مع الغرب وأميركا من خلال استدعاء الدعم الأميركي والألماني والتأكيد أن إسرائيل تقوم بما لا يريد الغرب القيام به علنًا، وهنا تتجلى الأسطورة الدينية–السياسية التي غذّت العقل الغربي بفكرة ضرورة قيام “الدولة اليهودية” في فلسطين كجزء من مشروع ديني وحضاري مشترك.

ثانيًا:  إظهار إسرائيل باعتبارها “الديمقراطية الوحيدة”، من خلال نفي التهم بالإبادة الجماعية والتأكيد أن الجيش الإسرائيلي “الأكثر أخلاقية”، مستعرضًا صورًا عن منشورات ورسائل ونداءات للإخلاء، في محاولة لتسويق إسرائيل كـ”نموذج حضاري” مقابل محيط عربي “متخلف”، وهو خطاب استُخدم مرارًا في الإعلام الغربي لتثبيت صورة إسرائيل ككيان متفوق أخلاقيًا.

ثالثًا:  تضخيم أسطورة الهولوكوست ومعاداة السامية حين ربط نتنياهو منح الفلسطينيين دولة بعد 7 أكتوبر بمنح القاعدة دولة بعد 11 سبتمبر، فأعاد إنتاج المعادلة التي تقوم على شيطنة الفلسطيني وتصويره كامتداد لعداء اليهود التاريخي، وهنا تتجلى البُنية العاطفية التي سعت إسرائيل إلى تكريسها في الغرب عبر توظيف الهولوكوست في سردياتها السياسية.

رابعًا:  شيطنة الفلسطيني عبر وصفه بالإرهابي والدروع البشرية، متجاهلًا حقه الطبيعي في الدفاع عن نفسه ضد الاحتلال، وهي رواية تجد صداها في الإعلام الغربي الذي يُسهم في إعادة إنتاج صورة الفلسطيني باعتباره مصدر التهديد لا الضحية.

لقد مثّل خطاب نتنياهو امتدادًا مباشرًا لهذه السرديات التي نُسجت بدقة عبر أدوات الإعلام والدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية في الغرب، فبينما غادرت بعض الوفود القاعة احتجاجًا، بقي الخطاب مُوجَّهًا أساسًا إلى الجمهور الغربي والأميركي، لتثبيت صورة إسرائيل كحليف لا غنى عنه، ودولة حضارية تواجه “الإرهاب” نيابة عن العالم، متجاهلةً واقع الاحتلال وسياساته الاستيطانية والعنصرية بحق الشعب الفلسطيني.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى