صلاح مخلوف: الدبلوماسية الرقمية الشعبية وصناعة الرواية الفلسطينية، واقع وتحديات

صلاح مخلوف 5-10-2025: الدبلوماسية الرقمية الشعبية وصناعة الرواية الفلسطينية، واقع وتحديات
التطور التكنولوجي نقل الرواية الفلسطينية نقلة نوعية، فلم تعد تعتمد على الباحثين والمختصين من أجل الاستماع إلى شهادات الناس عن حادث هنا وهناك، بل أصبح المواطن الفلسطيني من تلقاء نفسه ينقل روايته ومشاهداته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال هاتفه النقال الذي أصبح متوفراً في أيدي الجميع على اختلاف مستوياتهم الثقافية. وهكذا نقل معاناة شعبه تحت الاحتلال وممارساته الهمجية المنافية لكافة حقوق الإنسان والقوانين الدولية؛ فوثّق عبر كاميرا هاتفه النقال حوادث الإعدامات الميدانية، وهدم البيوت، ومصادرة الأراضي، وحرق المحاصيل الزراعية، وإجرام المستوطنين ضد المواطنين، والاعتداءات على القدس والأماكن المقدسة وغيرها من الانتهاكات والممارسات العنصرية لدولة الاحتلال. لقد نقل الفلسطيني هذه المشاهد من هاتفه الخاص إلى العالم الرقمي الواسع، سواء بالتسجيل أو البث المباشر عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، مخاطباً شعوب العالم، فخلق حالة نادرة من التفاعل والتأييد الواسع، معارضاً الرواية الفلسطينية الحقيقية في مواجهة رواية الاحتلال المضللة الموجهة للشعوب الغربية.
وتجلت الرواية الفلسطينية بدبلوماسيتها الرقمية الشعبية في نشاط رقمي غير مسبوق، أيقظ الشارع العربي والغربي، وقلب الرأي العام الذي طالما كان مؤيداً لدولة الاحتلال، خصوصاً خلال أحداث حي الشيخ جراح عام 2021، ثم أحداث السابع من أكتوبر 2023. وبفضل هذا النشاط الرقمي الفلسطيني نجح النشطاء في إعادة مفهوم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى مفرداته الأولى، وحركوا ركود الضمير العالمي الذي غيّب نظره عن مأساة الشعب الفلسطيني لسنوات طويلة لانشغاله بقضاياه المختلفة. لقد كانت هبّة حي الشيخ جراح، بما حملته من صور ومشاهد، اختراقاً للوعي العالمي والعربي الذي سعت دولة الاحتلال الإسرائيلي على مدار سنوات طويلة إلى تزويره وتجميل صورتها وانتزاع صفة الاحتلال عنها.
الرواية الفلسطينية في أحداث حي الشيخ جراح 2021
ومشهد المستوطن “يعكوف” الذي اعترف على الملأ بأنه يريد سرقة بيت آل الكرد، شكّل صدمة وصحوة في الرأي العام الغربي، وغير نظرته نحو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فقد تجمّع عدد من المتظاهرين أمام منزله في نيويورك، ورفعوا شعارات تطالب بالحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني، واعتبروا أن “الصهيونية إرهاب”. وقد زاد ذلك من حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني، إلى جانب ما نقلته حرب غزة من مشاهد مروعة من قتل للنساء والأطفال، وهدم للبيوت. ونجح هذا النشاط من إدخال بعض المصطلحات التي كانت محرمة في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الغربية، مثل: “الأرض المسروقة”، و”الأبارتايد”، و”التطهير العرقي”، و”جرائم حرب”، بل استخدمها بعض النواب في الكونغرس الأميركي مثل النائبة ألكسندريا أوكازيو كورتيز، التي دعمت الشعب الفلسطيني، ووصفت دولة الاحتلال بأنها دولة أبارتايد. كما طالب العديد من نواب الحزب الديمقراطي، الذي كان داعماً تقليدياً لدولة الاحتلال، بوقف الدعم العسكري لإسرائيل، مثل السيناتور التقدمي بيرني ساندرز الذي قدّم مسودة قرار تقضي بعدم الموافقة على صفقة بقيمة 735 مليون دولار لبيع نظام أسلحة دقيقة التوجيه من طراز “بوينغ” لإسرائيل.
وطالب نواب آخرون في الكونغرس، وعلى رأسهم النائب مارك بوكان، والإعلامية رشيدة طليب ذات الأصول الفلسطينية، وإلهان عمر ذات الأصول الصومالية، وآيانا بريسلي، بوقف الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين. وهنا تبرز أهمية الدبلوماسية الرقمية الشعبية الفلسطينية في نقل الرواية المصورة عبر الفيديو ونشرها على الفضاء الرقمي، وما تحدثه من تأثير على الرأي العام العالمي.
ولم تتوقف ردود الأفعال عند الولايات المتحدة فقط، بل انتقلت إلى دول أوروبية أخرى مثل بريطانيا، حيث وجّه زعيم حزب العمال الأسبق جيرمي كوربن انتقاداً لإسرائيل على استخدام العنف ضد الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، كما انتقد اجتياح مخيم جنين عام 2023 وأشاد بصمود أهالي المخيم. كذلك طالب وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية جيمس كليفرلي بوقف عمليات الإخلاء في الشيخ جراح، فيما وجهت الوزيرة الأولى في الحكومة الاسكتلندية نيكولا ستيرجن انتقادها لاقتحامات جيش الاحتلال للحي في شهر رمضان. أما البروفيسورة الألمانية هيلغا غارتنا فقد ظهرت في مقطع مصور على اليوتيوب دعت فيه إلى وقف الاعتداءات على المسجد الأقصى ووقف طرد الفلسطينيين من بيوتهم، كما وصفت الاحتلال بأنه “مشؤوم”.
ومن مظاهر التضامن مع القضية الفلسطينية أنها شملت عدداً من الفنانين والرياضيين والإعلاميين الذين يتابعهم الملايين عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ومن هؤلاء المغني البريطاني روجر ووترز الذي طالب الرئيس الأميركي جو بايدن بوقف الدعم لدولة الاحتلال التي وصفها بأنها ترتكب حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني. كما عبّر عدد من نجوم هوليوود عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل لينا هيدي، فيولا ديفيس، وناتالي بورتمان (الفرنسية)، حيث عرضوا صور معاناة سكان حي الشيخ جراح جراء محاولات تهجيرهم من منازلهم. كما أظهرت عارضة الأزياء الأميركية من أصول فلسطينية بيلا حديد تضامنها، وشاركت في مظاهرات في نيويورك وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية، ونشرت صورها عبر حسابها على “إنستغرام”.
وتأثر الإعلاميون الغربيون بما شاهدوه من جرائم الاحتلال الإسرائيلي، أمثال الإعلامي البريطاني جون أوليفر في برنامجه الشهير “Last Week Tonight” الذي يتابعه الملايين، وقد وُصف بأنه تجاوز الخطوط الحمراء في إحدى حلقاته عندما وصف دولة الاحتلال بالدولة العنصرية، وتحدث عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في الضفة وغزة.
وكذلك الإعلامي تريفور نواه خرج بتسجيل على صفحة برنامجه على “إنستغرام” “The Daily Show” المعروف، يقارن فيه بين عدد شهداء الفلسطينيين وبين قتلى الإسرائيليين نتيجة هجوم قوات الاحتلال على القدس، وكان عدد الإصابات 600 وبعض الجنود، وقال: “شخصياً، لا يمكنني مشاهدة هذه الصور وقراءة تلك الأعداد، وأعتبر في الوقت نفسه أن هذا قتال عادل.”
يتضح مما سبق دور الدبلوماسية الرقمية الشعبية في تغيير الرأي العام الدولي؛ حيث إن نشر الصور ومقاطع الفيديو ساعد في لفت انتباه العالم إلى القضايا الفلسطينية، وأدى إلى تغيير المواقف في بعض الأوساط الغربية، مما ولّد حالة من التعاطف والتأييد المتزايد، وكذلك ضغوط من بعض الشخصيات والسياسيين البارزين في العالم على حكوماتهم الغربية للتنديد بالانتهاكات الإسرائيلية، ومطالبتهم بوقف الدعم العسكري لدولة الاحتلال.
كما أثرت الدبلوماسية الرقمية الشعبية على المجتمع الثقافي والفني والإعلامي، الذين دعوا إلى دعم القضية الفلسطينية، مما أدى إلى تعزيز التعاطف مع الشعب الفلسطيني ونشر الوعي حول قضاياه.
الرواية الفلسطينية مع بداية أحداث السابع من أكتوبر 2023
لم تكن التغطية الإعلامية الغربية، خاصة في الأيام الأولى من عملية “طوفان الأقصى”، محايدة، بل كانت تميل إلى الرواية الإسرائيلية؛ حيث لم تُفعل قواعد التحقق الإخباري، مما أدى إلى انتشار الأكاذيب والأخبار المزيفة التي يروّج لها المسؤولون الإسرائيليون، مثل الادعاء بأن المقاومين الفلسطينيين قطعوا رؤوس 40 طفلاً فلسطينياً. كما أن هناك جهوداً تُبذل لتجميل الصورة الإسرائيلية عبر المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، ومع تصاعد القصف الإسرائيلي وارتفاع عدد الضحايا في غزة منذ بداية “طوفان الأقصى”، قام سكان غزة والصحافيون بتوثيق الوضع الإنساني، ونشر صور الانتهاكات والمجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد المدنيين، بالإضافة إلى حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية والمنازل، والمستشفيات والمدارس.
وقد ساهمت هذه المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي في تغيير الموازين، وكشف زيف السرد الغربي حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومع دخول فئات جديدة من المشاهير وأصحاب الحسابات المعروفة في مجالات غير سياسية مثل الألعاب والفن والرياضة والترفيه، إلى ميدان التوعية بما يحدث في فلسطين، أصبح للقضية تأثير أكبر على المجتمعات العربية والإسلامية والعالمية، مما جعلها تحظى باهتمام أوسع مقارنة بالفترات السابقة. كما ساهمت هذه الصفحات في مواجهة السيطرة الإسرائيلية على الإعلام الغربي، الذي يوجه وفقاً لأهدافها.
إن مشاهد مجزرة مستشفى المعمداني، التي وقعت يوم السابع عشر من أكتوبر 2023، وأدت إلى مقتل عدد من الأطفال والمدنيين، أثارت الرأي العام الغربي والعربي. وقد خرجت مظاهرات كبيرة منددة بهذه المجزرة، في حين حاولت دولة الاحتلال تضليل الرأي العام الغربي بتقديم رواية مضللة تزعم فيها أن صواريخ الفصائل الفلسطينية هي التي أصابت المستشفى بالخطأ.
وتستمر مشاهد المجازر بحق المدنيين، كمجزرة جباليا، ومخيم الشاطئ وغيرها، واستهداف الصحفيين وعائلاتهم كما حدث مع الصحفي وائل الدحدوح، سعيد رضوان الطويل، محمد رزق صبح، هشام النواجحة وغيرهم، وكذلك اقتحام المستشفيات كما حدث في مستشفى الشفاء تحت روايات مضللة بحجة البحث عن أنفاق المقاومة. كما أن بعض المشاهد التي أثارت الرأي العام وتناقلتها وسائل الإعلام وصفحات النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، كان أبرزها استشهاد الطفلة “ريم” (روح الروح)، حيث انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر جدها “خالد النبهان” يحمل بين ذراعيه جثمان حفيدته ريم، يودعها بأسلوب مختلف، بعد أن انطفأت حياتها بالقصف الإسرائيلي برفقة شقيقها الطفل طارق. وقد لقي هذا المشهد تعاطفاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، على المستوى العربي والغربي.
هذه المشاهد وغيرها تركت ردود أفعال؛ حيث تفاعل عدد من المشاهير والرياضيين والسياسيين، المطالبين بوقف العدوان الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة. حيث نشرت الممثلة والمغنية ومصممة الأزياء الأميركية “روبين رِيانا فينتي” صورة لطفلة فلسطينية باكية على حسابها في موقع “إنستغرام”، وعلقت قائلة: “أنا أصلي من أجل السلام وإنهاء العنف وسلامة الجميع”. بينما نشر المغني ومؤلف الأغاني الكندي “جاستن بيبر” صورة لامرأة وطفل فلسطينيين ملقيين على الأرض، على “تويتر”، وكتب قائلاً: “إنه لأمر فظيع وعلينا أن نوقف هذا الأمر”. وقامت عارضة الأزياء البريطانية الشهيرة “نعومي كامبل” بنشر صورة لأطفال فلسطينيين يلعبون كرة القدم على حسابها في “إنستغرام”، وعلقت قائلة: “الأطفال لا يجب أن يعانوا”. ولم تتأخر المغنية الأميركية “ليدي غاغا” في التعبير عن تضامنها، حيث نشرت صورة للاجئين فلسطينيين وكتبت: “علينا أن نفعل المزيد لمساعدة هؤلاء الناس”.
وكما رفع أكثر من 100 من أعضاء الكونغرس رسالة إلى الرئيس الأميركي “جو بايدن” طالبوا فيها بتحرك أميركي فوري، لمنع وقوع مزيد من الضحايا المدنيين الأبرياء في قطاع غزة. كما استقال المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية “جوش بول”، بسبب تعامل إدارة الرئيس “جو بايدن” مع الحرب في قطاع غزة، وأعلن أنه لا يمكنه دعم المزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل، واصفاً رد الإدارة الأميركية بأنه “رد فعل متهور” يقوم على “الإفلاس الفكري”.
وعلى الصعيد الشعبي سارت مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين بعدة مدن في العالم بينها لندن وباريس وواشنطن وإسطنبول، للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة. ففي لندن، أظهرت لقطات تلفزيونية تجمعات حاشدة من المحتجين الذين أغلقوا أجزاء من وسط المدينة، قبل أن يتوجهوا إلى ميدان الطرف الأغر، حيث هتفوا بشعارات مثل “أوقفوا إطلاق النار الآن”، و”بالآلاف وبالملايين، كلنا فلسطينيون”. وأعلنت شرطة العاصمة لندن أنها اعتقلت 29 شخصاً، بتهم تتعلق بالتحريض على الكراهية والعنصرية والإخلال بالنظام العام، بينما تؤكد بريطانيا على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وبعد أكتوبر/تشرين الأول، لم تصل حكومة رئيس الوزراء “ريشي سوناك” إلى حد الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة، بل دعت بدلاً من ذلك إلى فترات من الهدنة الإنسانية لتسهيل وصول المساعدات إلى المحتاجين.
وفي واشنطن، سار آلاف المحتجين في الشوارع حاملين العلم الفلسطيني، ورفع البعض هتافات مثل “بايدن، بايدن لا يمكنك الاختباء، لقد اشتركت في الإبادة الجماعية”، قبل أن يتجمعوا في ساحة الحرية القريبة من البيت الأبيض، حيث ندد المتحدثون بدعم الرئيس “جو بايدن” لإسرائيل، مؤكدين أن “يداك ملطخة بالدماء”، وتعهد البعض بعدم دعم مساعي “بايدن” للترشح لفترة رئاسية ثانية العام المقبل، وكذلك حملات ديمقراطيين آخرين، واصفين إياهم بـ “الليبراليين ذوي الوجهين”. كما انتقد آخرون قادة الحقوق المدنية لعدم تنديدهم بمقتل النساء والأطفال نتيجة القصف الإسرائيلي.
في باريس، تجمع آلاف المحتجين للمطالبة بوقف إطلاق النار، حاملين لافتات كتب عليها “أوقفوا دائرة العنف” و”عدم فعل شيء، وعدم قول شيء، يعني التواطؤ”. وكان هذا من بين التجمعات الكبيرة الأولى، التي سمحت السلطات بتنظيمها بشكل قانوني لدعم الفلسطينيين منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023، بعد أن حظرت السلطات الفرنسية بعض التجمعات السابقة بسبب مخاوف من الفوضى. وتواصلت المظاهرات المناصرة للشعب الفلسطيني في إسطنبول وأنقرة، حيث تجمع مئات المحتجين قبل يوم من زيارة وزير الخارجية الأميركي “أنتوني بلينكن” إلى تركيا لإجراء محادثات حول غزة
وفي حديقة “ساراتشاني” بإسطنبول، رفع المحتجون لافتات كتبوا عليها “بليّنكن يا شريك المذبحة ارحل عن تركيا”، مع صورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعليها علامة “إكس” باللون الأحمر، كما أظهرت لقطات من أنقرة محتجين يتجمعون بالقرب من السفارة الأمريكية، وهم يرددون هتافات ويحملون لافتات كتبوا عليها “إسرائيل تقصف المستشفيات، وبايدن يدفع ثمن ذلك”. وكان التأثير الأبرز في الرأي العام، في 29 كانون الأول / ديسمبر 2023، رفعت جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل، أمام محكمة العدل على خلفية تورطها في “أعمال إبادة جماعية” ضد المواطنين في قطاع غزة. وقدمت جنوب أفريقيا إلى المحكمة ملفًا من 84 صفحة، جمعت فيه أدلة على قتل إسرائيل لآلاف المواطنين في قطاع غزة، وخلق ظروف “مهيئة لإلحاق التدمير الجسدي بهم”، ما يعتبر جريمة “إبادة جماعية” ضدهم. وكان التأثير الآخر الأبرز في الرأي العام الغربي مع بداية سلسلة من الاعتصامات، والاحتجاجات الطلابية في جامعة كولومبيا بتاريخ 17 أبريل / نيسان 2024، حيث دعا الطلاب إلى إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، ووقف تعاون إدارات الجامعات مع الجامعات الإسرائيلية، وسحب الاستثمارات من الشركات التي تدعم الاحتلال، بالإضافة إلى المطالبة بحرية التعبير، ومع تدخل قوات الشرطة واعتقال العشرات من الطلاب، توسعت المظاهرات لتشمل أكثر من 70 جامعة أمريكية، بما في ذلك “هارفارد وييل” ومعهد “ماساتشوستس للتكنولوجيا”، كما امتدت الاحتجاجات إلى خارج الولايات المتحدة لتصل إلى جامعات في فرنسا وبريطانيا وألمانيا. كما خرج عشرات الآلاف في عدة دول عربية كالأردن، واليمن، والعراق، ومصر، ولبنان وغيرها، في مظاهرات احتجاجية، ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مطالبين بوقف العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية، كما أعربوا عن استنكارهم للتواطؤ الأمريكي مع إسرائيل. ما زالت الأحداث والمشاهد المأساوية في غزة كبيرة ومستمرّة، ومن الصعب حصرها بسبب كثرة الأحداث وتسارعها، وخروج عدد كبير من الناشطين من غزة، وتعمد دولة الاحتلال بمحاربة المحتوى الفلسطيني على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن حصدت هذه المشاهد وغيرها على تعاطف عالمي كبير مع الرواية الفلسطينية.
بعد مرور عامين على حرب الإبادة، شهدت القضية الفلسطينية تحولًا نوعيًا في الرأي العام الغربي، مدفوعًا بتضافر عدة عوامل. ساهمت الدبلوماسية الرقمية، بما في ذلك التوثيق الرقمي للانتهاكات الإسرائيلية، في زيادة الوعي العالمي، خاصة بين الشباب الغربي، الذين نظموا حملات ضغط عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما أثر بشكل كبير على السياسات الجامعية والشعبية في مختلف الدول. كما أدت الإضرابات العمالية والمبادرات البحرية، مثل أساطيل كسر الحصار، إلى تعزيز التضامن الدولي مع فلسطين.
على الصعيد القانوني، رفعت جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إياها بارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. تضمنت الدعوى ملفًا من 84 صفحة يثبت ممارسات إسرائيلية تهدف إلى تدمير الفلسطينيين جسديًا، مما دفع المجتمع الدولي إلى إعادة تقييم مواقفه.
في المجال الدبلوماسي، انعقد مؤتمر “حل الدولتين” في نيويورك تحت رئاسة مشتركة من السعودية وفرنسا، بمشاركة واسعة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. خلال المؤتمر، أعلنت دول مثل بريطانيا وكندا وأستراليا وفرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وسان مارينو اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، ليصل عدد الدول المعترفة إلى 159 من أصل 193 عضوًا في الأمم المتحدة. كما دعا المؤتمر إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقف الاستيطان، وتوفير الدعم لإعادة إعمار قطاع غزة.
تجسد هذه التحولات في تراجع مكانة إسرائيل على الصعيد الدولي، حيث أصبحت تُواجه ضغوطًا متزايدة من المجتمع الدولي، بما في ذلك من دول كانت تُعتبر حليفة تقليدية. هذا التغيير في المواقف يُعتبر نقطة تحول هامة في مسار القضية الفلسطينية، ويُعزز من فرص تحقيق حل الدولتين كخيار واقعي للسلام العادل والدائم.
إن ما ميز أحداث القدس وحي الشيخ جراح 2021، وأحداث السابع من أكتوبر 2023، ليس فقط التفاعل الجماهيري في الميدان من أجل مواجهة الاحتلال وسياساته؛ بل هذه المرة كان الوضع مختلفًا، فقد حقق النشطاء الفلسطينيين نجاحًا كبيرًا من خلال ارتفاع درجة وصولهم، وزيادة مناصريهم، وتواجدهم على منصات التواصل الاجتماعي، لقدر أدى ذلك إلى إنشاء سردية فلسطينية انتشرت بشكل كبير، بعد أن كانت السردية الصهيونية التي تعبر عن وجهة نظر دولة الاحتلال في الصراع المتمثلة على أنها الضحية، والمظلومة، وتتعرض للهجوم من قبل إرهابيين، ومن حقها الدفاع عن النفس بكل الوسائل، لكن السردية الفلسطينية جعلتها تتأكل، وتتراجع عن المكانة التي كانت تسود بها سواء بالإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي الغربي.
فالنشطاء الفلسطينيين، نشروا روايتهم بعيدًا عن القنوات الإعلامية، التي تصيغ الخبر حسب توجهاتها، فأصبحت اهتمام الشعوب الغربية في مشاهدات مواقع التواصل الاجتماعي، للاطلاع على الأوضاع في القدس، والضفة وغزة، والتي تمثل نوعية في اختراق الرواية الفلسطينية للغرب، الذي لم يعد يثق بوسائل إعلامه المنحازة لصالح الرواية الإسرائيلية. لقد نجح النشطاء بإجبار مؤسسات وقنوات إعلامية غربية، كانت منحازة لرواية الاحتلال على استضافة ناشطين فلسطينيين، ومنهم الناشط “محمد الكرد” الذي تحدث باللغة الإنجليزية، واستخدم المصطلحات القانونية التي تناسب الصراع، حيث كان يصف الاحتلال عبر هذه القنوات بالاستعمار والإحلال الكولونيالي، ويجبر المذيعين على الإشارة إلى الأحداث كما هي دون تضليل وتحَيُّز.
لقد تصدت الرواية الفلسطينية وبدبلوماسيتها الرقمية الشعبية للرواية الإسرائيلية، التي جملت صورة الاحتلال لعقد من السنوات في ذهن الرأي العام العربي والدولي، وذلك بتوجيه الرأي العام الغربي نحو قضيتهم، وكانت العرقلة الكبرى لرواية الاحتلال في المنطقة العربية، التي سعت لأن تجد قبول رسمي وشعبي لها، من خلال التطبيع مع الدول الخليجية واختراق ثقافي لشباب العربي، ولكن ما شهدناه في مونديال قطر 2022 نصرة كبيرة للرواية الفلسطينية؛ فقد تصدر مظاهر الصراع العربي الإسرائيلي الصحف الغربية بسبب موجة الدعم التي اكتسبتها القضية الفلسطينية داخل الملاعب وخارجها، حيث أوصل الجمهور العربي رسالته للإعلام الغربي بأن القضية الفلسطينية وروايتها لم تمت رغم كل اتفاقيات التطبيع.
لم يقف جهد النشطاء في نقل الدمار والقتل، بل كان هناك فيديوهات متخصصة في تعريف الشعوب عن أصل الصراع، وقصة حي الشيخ جراح واحتلال القدس الشرقية، ووعد بلفور والعصابات الصهيونية واحتلال فلسطين، ومع قلة وندرة وسائل الإعلام في المدينة بسبب ملاحقة سلطات الاحتلال للصحفيين، ووسائل الإعلام والتضييق عليها، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي للشباب المقدسيين، مصدرًا للخبر لقنوات إعلامية غربية، ولعبت دورًا مهمًا في تثقيف وتوجيه المجتمع الفلسطيني والعربي، ورفع معنوياته من خلال: تقنية البث المباشر، وإيصال المعلومات، وتبادل الصور والفيديوهات عن الأحداث وتحميلها على الفضاء الرقمي؛ مما مكن من مشاهدتها، والتفاعل بشكل كبير على المستوى العالمي، وخاصة عندما تفاعل ونقل مشاهير العالم من فنانين، ورياضيين، ومثقفين، ومسؤولين غربيين المحتوى الفلسطيني عبر صفحاتهم الخاصة التي يتابعها الملايين، وهذا شكل مصدرًا معرفيًا وثقافيًا للقضية الفلسطينية؛ وهذا ما ينعكس على الشارع العربي والغربي، بخروج المظاهرات والاحتجاجات مناصرة للقضية الفلسطينية.
هذا الوعي بالقضية الفلسطينية على الساحة الدولية، لم يأت من فراغ، بل كان نتاج نشاط رقمي قاده الشعب الفلسطيني كأحد وسائل المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي، لإدراكه بالأهمية السياسية للرأي العام في الدول الغربية والديمقراطية بشكل خاص، لدوره في تغير السياسات والتوجهات، وتحويل آرائه إلى سياسات على أرض الواقع، فلا يمكن لصانع القرار في الغرب تجاهلها في نظرته للقضايا الداخلية والخارجية من أجل ذلك كرست الدبلوماسية الرسمية الشعبية الفلسطينية كل جهودها لمخاطبة الرأي العام الغربي.
فمثلا يدعم الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية دولة الاحتلال الإسرائيلي، بمساعدات مالية وعسكرية وغيرها، وتقدر بالمليارات، فهذا الأموال مصدرها المواطن الأوروبي والأمريكي من الضرائب المفروضة عليه من قبل حكوماتهم، فإذا ازداد الوعي بين الشعوب الغربية حول القضية الفلسطينية، لتساءلت شعوب هذه الدول عن وجهة كل هذه الأموال، وينتقل هذا التساؤل إلى نقاش في البرلمان، ومن ثم إلى سياسات خارجية، لأجل ذلك تبقى دولة الاحتلال دائمًا متيقظة لصحوة الرأي العام الغربي تجاه القضية الفلسطينية، من خلال ضغوطها عبر اللوبي الداعم لدولة الاحتلال، فلا يبدو ذلك مستحيلاً فأول الوعي كما أشير بدا في المظاهرات التي جابت شوارع أوروبا وأمريكا، وإضراب عمال ميناء “ليفورنو” في إيطاليا عندما امتنعوا عن تحميل أسلحة على متن سفينة متوجهة إلى إسرائيل، صحيح أن غالبية المتظاهرين في هذه البلدان كانوا إمّا عربًا أو مسلمين، ولكن وعلى غير العادة شهدت المظاهرات هذه المرة مشاركة فاعلة لقطاع واسع من الأوروبيين، والكنديين، والأمريكيين، والغربيين على العموم.
هذا الواقع للرواية الفلسطينية تحدث عنه عدد من المختصين والباحثين، مثلما أوضح الكاتب الصحفي والمتخصص في الشؤون الأمريكية، الدكتور محمد المنشاوي، لعربي21، أن “ما يجري يعد بمكانة انتصار فلسطيني في معركة الرأي العام الأمريكي والغربي”، والتي كانت خارج حسابات الطرفين قبل ذلك؛ بسبب السيطرة الإسرائيلية، والنفوذ اليهودي الطاغي على قضية صراع الشرق الأوسط في الدوائر الشعبية والرسمية الأمريكية.
وكذلك الباحثة الفلسطينية والمختصة في الدبلوماسية الرسمية، ليندا شلش في مقالة لها على موقع العربي الجديد حيث قالت: “أن الفلسطينيين نجحوا في التأثير سلبًا بجهود الدبلوماسية الإسرائيلية ورواياتها التضليلية للرأي العام خلال العقد الماضي؛ إذ لم تترك إسرائيل جهدًا إلا كرسته في السنوات الأخيرة لتحسين صورتها عربيًا وعالميًا، بعد أن تعرضت لانتقادات دولية كثيرة، خصوصًا على خلفية حروبها العسكرية ضد قطاع غزة، فاستثمرت لذلك في الدبلوماسية الرسمية، حتى تسلقت أولى درجاتها على مستوى العالم”.
أشار رئيس تحرير صحيفة “موند وايز” الأمريكية “فيليب وايز”، إن الرواية الفلسطينية أحدثت تغييرًا في المجتمع الفلسطيني بسبب استخدام الشباب مواقع التواصل الاجتماعي بشكل جيد، وخاصة إلى أن الرواية الفلسطينية، بدأت انتشارًا بين الشباب الذين بدأوا باكتشاف أن الفلسطيني مظلوم ومضطهد، وتعرض للاحتلال، ونكبة، أوضح الصحفي الأمريكي “دان كوهين”، أن الرواية الفلسطينية أظهرت بشكل واضح إشكالية الخطاب الإعلامي الأمريكي، في تناوله للأحداث في الأراضي الفلسطينية.
وكما أشارت صحيفة “ميدل إيست مونيتور” البريطانية، عن أحداث السابع من أكتوبر إن الأكاذيب الإسرائيلية، لم تعد قادرة على تحمل توثيق الفظائع، وضغط الحقيقة القادمة من غزة؛ وذلك على الرغم من جهود إسرائيل في تجنيد صحفيين ومؤثرين، لتصوير الفلسطينيين على أنهم “حيوانات بشرية”، وفقًا للصحيفة وأشارت الصحيفة إلى أن دقة الرواية الفلسطينية أجبرت المسؤولين الأميركيين، الذين كانوا في البداية يشككون في أعداد الضحايا في القطاع، على الاعتراف أخيرًا بأن الفلسطينيين كانوا يقولون الحقيقة.
ولم يغيب هذا النجاح عن نقاشات العديد من المسؤولين الإسرائيليين، ومتحدثين باسم جيش الاحتلال، والحكومة، وإعلاميين، بتفوق الرواية الفلسطينية وسيطرتها على وسائل التواصل الاجتماعي في الساحة الدولية، وأشادوا بالجهود الفلسطينية بدعم روايتهم، من أمثال المتحدث السابق لجيش الاحتلال “رونين مانيليس” الذي وصف النشاط الرقمي الفلسطيني، أنه شكل هزيمة لدولة الاحتلال على منصات التواصل الاجتماعي على المستوى العالمي، كما انتقد الكاتب الصحفي الإسرائيلي “عومر بن يعقوب”، ضعف الجهد الإسرائيلي مقابل الفعل الفلسطيني، والمناصر للرواية الفلسطينية، وانتقد “يائير ابن بنيامين نتنياهو” والمتحدث باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية بالغة العربية، “أوفير جندلمان” على نشرهم فيديوهات غير صحيحة ومفبركة عن الأحداث.
قد تكونت اللقاءات التي أجرتها بعض وسائل الإعلام الغربية، مع سفير فلسطين في لندن حسام زملط، والإعلامي المصري باسم يوسف، والملكة رانيا، زوجة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وقد ساهمت في تسليط الضوء على جوانب جديدة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فقد قدمت الدعاية الإسرائيلية صورة مشوهة ومجزأة عن الحرب في غزة، مما أدى إلى زيادة محاولات الفهم والتحليل في العديد من الدول.
على الرغم من هذا النجاح، ألا أن الرواية الفلسطينية بدبلوماسيتها الرقمية الشعبية، تواجه تحديات عديدة، تقف حاجزاً تعيق وصولها لرأي العام العالمي، مما يؤثر على قدرتها لاختراق المؤثرين وخاصة في الغرب، علاوة على تبني الرواية الإسرائيلية عن الحدث الفلسطيني، وهو ما أشعل نقاش الباحثين والمختصين عن قصور الرواية الفلسطينية في الغرب والتي يمكن إجمالها بما يلي:
الخطاب الإعلامي: : 1
أن الرواية الفلسطينية، من أهم وسائل انتقالها في عصرنا الحالي هو الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة التي من خلالها يتم مخاطبة العالم، وإقناعهم بروايتنا الحقيقية عن الأحداث، وكشف رواية التضليل والكذب التي تنشرها الرواية الصهيونية، ويلعب الإعلام دوراً مهماً في مخاطبة الشعوب والتأثير على الرأي العام.
يرجع ذلك حسب مراقبون ومختصون في الإعلام، إلى أن طبيعة الخطاب الإعلامي الفلسطيني لا ينسجم مع الثقافة الغربية، إلى جانب الأخطاء التي ترتكب حيث يقوم الاحتلال باستغلالها لتسويق روايته ضد الرواية الفلسطينية، هذا جعل المواقع الإلكترونية الفلسطينية والنشطاء غير قادرين على فضح ممارسات الاحتلال، والترويج للرواية الفلسطينية على الرغم بأننا أصحاب حق وقضيتنا عادلة، ويؤكد الصحافي “سامي أبو سالم” الذي يعمل مع وسائل إعلام غربية منذ سنوات، التفوت الثقافي بين الراوي والمستمع، بالإضافة إلى الأخطاء في التصريحات، والصور وحتى مقاطع الفيديو التي يستغلها الاحتلال لصالحه.
أكد “عمار جمهور” الباحث في الدبلوماسية الرقمية، أن الرواية الفلسطينية تعتمد في مخاطبة الرأي العام الغربي بلغة عاطفية، والتحددث بلغة نفهمها نحن الفلسطينيين، ولا نهتم إذا فهمها العالم أم لا، ويرى أن نبتعد عن ترسيخ صورة القتل، التي تخلق نوعاً من البلادة في الذهنية الغربية بدل إحياء أدميّة الفلسطيني، لذلك علينا نقول صورة معاناة الفلسطينيين وحياتهم قبل استشهادهم.
ويؤكد ذلك الأكاديمي والكاتب د.” زياد حسن مدوخ”، الطريقة في معالجتنا للأحداث هي سرد للخبر وللحدث بشكل سريع، دون الحديث عن الرواية الفلسطينية والتعمق فيها، فمثلاً عند استشهاد شاب فلسطيني نلاحظ هناك تسابق في نقل الخبر، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وصفحات الناشطين كسبق صحفي، ونشر صورته دون الانتظار قليلاً لجمع المعلومات الكافية للحديث عن الشهيد بشكل كامل، والتركيز على الجانب الإنساني في حياته مثل: كيف قضى أيامه مع عائلته، أصدقائه، قريته أو مدينته، دراسته أو عمله، ظروف استشهاده، ظروف حياته، طموحاته، وأحلامه، وإنجازاته. مثل ما يفعله الجانب الإسرائيلي عند مقتل أو إصابة أحد جنوده أو مستوطنيه، وهذا أيضاً ما يحدث عندما تتعرض غزة إلى القصف من قبل الطائرات الإسرائيلية؛ بحيث يُتم التسابق في نشر الخبر دون انتظار تفاصيل القصف من حيث المكان والخسائر، وهكذا أصبح خطابنا موجه إلى أنفسنا بدل أن نخاطب العالم الذي كما نعتقد يشاهد ما يدور في فلسطين بشكل مستمر، ولكن تجاهلنا كيف يجب أن نخاطب العالم بطريقة يمكن أن يفهمها وتؤثر فيه تماماً كما يفعل الجانب الإسرائيلي، الذي سخّر كل إمكاناته المادية والبشرية وأنشأ آلاف المواقع والصفحات الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي، وبجميع لغات العالم من أجل الترويج لروايته والتي ينفق عليها ملايين الدولارات، ونحن للأسف غير قادرين على أنشء موقع واحد بأكثر من لغة، للحديث عن فلسطين وروايتها، وشعبها القاطن تحت الاحتلال وممارساته الإرهابية، وإن وجدت مواقع فإنها تركز على الخبر، والسرد، وليس الرواية والتحليل.
بشكل عام لا تعطي وسائل الإعلام الغربية القسط نفسه من التغطية، واللقاءات للفلسطينيين أو لمناصريهم، كما هو الحال للطرف الإسرائيلي أو مقربين له، ففي كثير من الأحيان للحديث عن التطورات في الأراضي الفلسطينية تتم استضافة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أو حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى عدم واقعية وموضوعية المصطلحات المستعملة في الإعلام الغربي، مثل سجناء فلسطينيون ملطخة أيديهم بالدماء، تنظيمات فلسطينية متطرفة، دفاع الجنود الإسرائيليون عن أنفسهم، بالمقابل لا تتطرق لممارسات الاحتلال الإسرائيلي المخافة للقانون الدولي، وعدم ذكر كلمة احتلال أو استيطان.
أن الإعلاميين الفلسطينيين، والعرب في حالة صراع بين الالتزام بالمعايير المهنية، وسياسات النشر المستقلة من ناحية، والخوف على فقدان الوظيفة، وهذا ما يستدعي منهم أن يكونوا حذرين، وليسوا شهود زور في نقل الحدث الفلسطيني.
يتضح أن هناك إشكاليات في توحيد الرسالة الفلسطينية، ومواءمتها مع المنصات الإعلامية الغربية، حيث تفتقر الجهود الفلسطينية إلى التنسيق الكافي وتقديم تحليل متعمق يتناسب مع المعايير الإعلامية العالمية.
2- الانقسام الفلسطيني:
تواجه الرواية الفلسطينية تحدياً كبيراً في تعزيز نفسها على الساحة الدولية؛ نتيجة الانقسام الفلسطيني بين شطري الوطن، فقد تم بعثرة الجهد الرقمي الفلسطيني ليكون موجهاً ضد أنفسنا للمزودات، والترشق الإعلامي لصالح الأحزاب على حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية، لقد ولد الانقسام خطابين وبرنامجيْن مختلفيْن سياسياً على الساحة الفلسطينية، مما جعل الفضاء الرقمي يحمل روايتين متنافرتين تحمل وجهة نظر لنظامين في الساحة الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة. مما أدخل السياسة الخارجية الفلسطينية مساراً ثنائياً أضر بعمل السفارات في الخارج، وبالتالي جعل الرواية الفلسطينية غير مستقرة على المستوى العربي والدولي فلا يمكن لنا أن نقنع العالم بروايتنا عن أجرام الاحتلال بحق شعبنا، ونحن نكوّن صورة سلبية شوهت تاريخ ونضال الشعب الفلسطيني وتضحياته.
3- الأزمات العالمية:
يفسر العديد من المحللين، أن تراجع التضامن الدولي أو الاهتمام بما يجري على الساحة الفلسطينية، يعود إلى الأحداث الدولية المتلاحقة في السنوات القليلة الماضية، وكان أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الصحية (كورونا)، وما أثر ذلك على الاقتصاد العالمي، والمجتمعات، وكان للحرب الروسية الأوكرانية الأثر الكبير في الكشف عن حقيقة المجتمع الدولي، وأعلامه في التعامل بمعيارين في تغطية الأحداث وتحَيّزه للجانب الأوكراني، وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، متجاهلاً انتهاكات حقوق الإنسان اليومية في الأراضي الفلسطينية، دون ردة أي فعل من قبل المجتمع الدولي وأعلامه، على الرغم من أهمية الإعلام الغربي في التأثير على الرأي العام وفاعليته في التأثير على الجمهور، أن انشغال العالم بهذه الأزمات ساعد الاحتلال على تسويق سياساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، وعدم الحديث عن معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، أو تبني الرواية الإسرائيلية كاملة، دون الأخذ بعين الاعتبار الموقف الفلسطيني، ومع استمرار هذه الحرب زاد من تهميش القضية الفلسطينية، مما استغلته دولة الاحتلال إلى تخفيف الضغط عليها، وتجاهل إجراءات الاحتلال وانتهاكاته ضد الفلسطينيين.
4- تحديات تتعلق بالكفاءة والخبرة:
تبيّن هذه الدراسة أن هناك نقصاً في خبرة المهتمين بالرواية الفلسطينية ودبلوماسيتها الرقمية الشعبية ووسائل انتقالها بشكل منظم، سواء عبر الإعلام وخطابه الموجه أو غياب المؤسسات والمراكز التي تعزز الرواية الفلسطينية بشكل فعّال ومستمر على الساحة الدولية. ومن الطبيعي أن يكون هناك كادر دبلوماسي رقمي مؤهل جيداً ليتمكن من مخاطبة الشعوب وإقناعهم بالرواية الفلسطينية باستخدام التقنيات الحديثة التي تتجلى في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. ولهذا الإعداد أهمية كبيرة، خاصة وأننا نواجه دبلوماسية رقمية إسرائيلية عالية الكفاءة والإمكانيات.
من الواضح أن الطاقم الدبلوماسي الفلسطيني أغلبه من الجيل القديم والكبير في العمر، وغير قادر على التكيف مع التقنيات الرقمية الحديثة، فغياب الكادر الشبابي ذو الكفاءة العالية جعل العمل الدبلوماسي الرقمي ضعيفاً، إضافة إلى ضعف الإمكانيات والخبرات، مما أضعف المحتوى الرقمي المعروض، وغياب وسائل جذب الجمهور وضعف صياغة الأخبار، وقلة الإحصائيات والفيديوهات وطريقة عرضها للأحداث والمعلومات، مع غياب الوصف الوظيفي الذي يحدد طبيعة عمل هذه الكوادر.
ويقول الخبير في الشأن الدعائي حيدر المصدر: “إن الانتقادات الموجهة لضعف الرواية الفلسطينية في الإعلام الغربي مرتبطة بمعايير منها: غياب المختصين في مسألة اللغة، وعدم القدرة على صياغة خطاب إعلامي يتناسب مع المجتمع الغربي، وأن غياب فهم ثقافة الآخر وعدم القدرة على بناء خطاب إعلامي متناسق مع الغرب، هي إحدى العقبات التي تعترض الرواية الفلسطينية، إلى جانب عدم تزويد المتضامنين الأجانب بالمعلومات اللازمة التي تساعدهم في مواجهة الرواية الإسرائيلية.”
ومما لا شك فيه أن الفلسطينيين يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية، إذ نشاهد اهتمام الإسرائيلي بتعزيز روايته من خلال إنشاء وزارة تُسمى وزارة الشؤون الاستراتيجية والمعلومات، بهدف تنشيط مجال صناعة الصورة وتكوينها عن دولة الاحتلال، وهو ما لم يقابله خطوات فلسطينية مقابلة.
5- تعزيز مؤقت:
لوحظ برز جيل من الشباب فرض استراتيجية جديدة على الإعلام الغربي من خلال نشاطه الرقمي في تحميل الصور والفيديوهات التي تجرّم الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته ضد حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية. وقد نجح الشباب الفلسطيني في تعزيز الرواية الفلسطينية في الساحة الدولية عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن هذا التعزيز مؤقت، حيث يرتبط ببدء الحدث وينتهي بانتهائه، ويتلاشى الجهد ويترجع إلى أن يبدأ حدث جديد وقد لا يكون بنفس المستوى، ويعود ذلك إلى غياب المؤسسات والمراكز المتخصصة بالدبلوماسية الرقمية الشعبية التي تضمن استمرارية التفاعل والتضامن مع الشعب الفلسطيني.
6- دور محدود للجاليات الفلسطينية في الغرب:
تلعب الجاليات الفلسطينية دوراً مهماً في فضح ممارسات الاحتلال وتعريته أمام الرأي العام الغربي، ولها حضور إعلامي، حتى وإن كان محدوداً. وتتشكّل الجاليات من طبقة مثقفة مؤثرة ولها علاقاتها مع المجتمع الغربي، إلا أن عملها يواجه تحديات تتمثل في تشتت الجاليات بسبب البعد الجغرافي، وتأثرها بالانقسام الفلسطيني والبعد الديني، وضعف التمويل السياسي، وقوة وتأثير اللوبي الصهيوني الذي يعيق الحديث عن القضية الفلسطينية بسبب ضغوطه على الدول الغربية، وكذلك غياب المشاركة والتمثيل في البلديات والبرلمانات، وغياب دور الشباب وغيرها من التحديات التي يجب تجاوزها لتفعيل دور الجاليات واستغلال وجودهم في المجتمعات الغربية والمشاركة في الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية لتعزيز الرواية.
7- الاحتلال والاضطهاد الإلكتروني ضد الرواية الفلسطينية:
توضح الأستاذة صفية نوبل في كتابها “اضطهاد الخوارزميات” أن الممارسات القمعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تُمارس ضد نشطاء الشعوب المضطهدة سياسياً واقتصادياً، هي ممارسات منهجية ومدروسة، وهذا ينطبق على الحالة الفلسطينية، إذ فرضت دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ إطلاق مواقع التواصل الاجتماعي الرقابة الإلكترونية على الفضاء الرقمي الفلسطيني لمنع وصول الرواية إلى العالم. ولم تكتف بالرقابة والتضليل، بل شكلت وحدة 8200 المتخصصة بالتجسس، وجمعت المعلومات عن الفلسطينيين على الشبكة، وقمعت المحتوى الفلسطيني في الفضاء الرقمي بوسائل مختلفة تشمل تهديد الناشطين وحتى التهديد بالقتل، كما تتعاون شركات التواصل الاجتماعي مع دولة الاحتلال في قمع المحتوى الفلسطيني، مما أثر على نشاط الفلسطينيين على تلك المواقع، مثل تراجع عدد المشاهدات والتفاعل مع المنشورات الداعمة للقضية الفلسطينية.
7- غياب التنسيق بين الدبلوماسية الرقمية الشعبية والرسمية:
تكمّل الدبلوماسية الرقمية الرسمية والشعبية بعضهما البعض، وتتجهان نحو هدف واحد وهو تعزيز الرواية الفلسطينية وكسب التأييد العالمي. فالخطاب الموحد والمتناغم بينهما يسرّع من وصول المحتوى الرقمي ونشره لأكبر عدد من شعوب العالم. وتتطلب الرواية الفلسطينية لتكون مقنعة دلائل وحقائق، وهذا يستلزم مزيداً من العمل المشترك بين المستويين الشعبي والرسمي، والاهتمام بالمستوى الرسمي بالدبلوماسية الرقمية ومواكبة التطورات التكنولوجية والمعرفية، وتزويد المستوى الشعبي بها، باعتبار الدبلوماسية الرقمية الشعبية إحدى أدوات النضال الفلسطيني ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي.
8- غياب التخطيط:
اتسمت الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية بالموسمية، وذلك لغياب التخطيط، فوجود خطة استراتيجية يتيح الانتهاء من عدد من الخطط الفرعية التي تسهّل العمل وتضع مجموعة من الاقتراحات التي تُساهم في تنظيم النشاط الرقمي بكفاءة أكبر. فقد توصلت دراسة إلى عدم وجود استراتيجية واضحة ومحددة لدى الدبلوماسية الفلسطينية لعمل الدبلوماسية الرقمية، وخاصة أن الدبلوماسية الرقمية بحاجة إلى استراتيجية واضحة، وتنظيم كامل، وفريق متخصص في إعداد المحتوى والترجمة، وإتقان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واستثمارها في نشر الرواية الفلسطينية.
9- ضعف المحتوى وإهمال التوثيق:
يعاني المحتوى الرقمي الفلسطيني ضعفاً في صياغة الأخبار، وقلة الفيديوهات والإحصائيات، وأن كثيراً من محتواه لا يتناسب مع الوسيلة وفق المواصفات الفنية والبرمجية المطلوبة، ومعظم المحتوى غير منظم لا يخضع لخطة أو سياسة واضحة. فغياب التخطيط يفقده التركيز والتفاعل الذي هو أهم سمات الأدوات الرقمية. كما أن اللغة المستخدمة غالباً هي العربية، ونادراً ما تُستخدم الإنجليزية، ما يجعل مخاطبة الرأي العام العالمي والشعوب المختلفة ضعيفة، إضافة إلى قلة التفاعل على هذه الأدوات، فالمنشورات التي تُنشر يومياً محدودة، مع التركيز على التكرار وإعادة النشر، وتسليط الضوء على موضوع معين دون تجديد أو أدنى تشويق. كما أن غياب التوثيق، وهو من أهم العمليات التي يجب الحرص عليها، يسهل الوصول للمعلومات والمواقع الرسمية الفلسطينية ويضمن الحماية من التحريف أو التزيين.
10- تحديات تتعلق بالرؤية الوطنية الفلسطينية:
من الواضح أن استراتيجية المقاومة السلمية الشعبية التي تتبناها القيادة الفلسطينية في الوقت الحالي وتصادمها مع الرؤية الوطنية الأخرى للفصائل الفلسطينية المعارضة جعل الرؤية أو الاستراتيجية الوطنية في حالة من عدم الوضوح والانسجام، نتيجة عدم وجود نهج وبرنامج واضح. وتُعد الخطابات في الساحة الفلسطينية الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية أداة نضالية من أدوات المقاومة الشعبية السلمية، إلا أننا لم نجد هذه الأداة فاعلة على الصفحات الرسمية.
11- غياب مركز متخصص للدبلوماسية الرقمية الشعبية الفلسطينية:
يعتبر الباحث أن عدم توفر مركز للدبلوماسية الرقمية الشعبية يمثل أحد أهم التحديات التي تواجه هذه الدبلوماسية، ويتوقف عليها استمرار تفعيل الرأي العام العالمي لمناصرة القضية الفلسطينية، وأن تبقى حاضرة في كل الأوقات، وليس فقط عند ظهور حدث معين ثم تختفي.
ويستلزم ذلك توفير كادر شبابي قادر على التواصل مع الشعوب الأخرى، ومطلع على قضاياهم ضمن استراتيجية وطنية يكون جوهرها تعزيز الرواية الفلسطينية ومواجهة الرواية الصهيونية. بوجود مثل هذه المراكز المتخصصة، تصبح لدينا قدرة عالية على التوثيق وتجنب الأخطاء في صياغة الأخبار، ويصبح العمل أكثر تنظيمًا، وتمكّننا من متابعة تطورات الدبلوماسية الرقمية وتقديم إحصاءات دقيقة وعالية الجودة.
ولا يمتلك الشعب الفلسطيني جهة منظمة تتولى مسؤولية إدارة الفضاء الرقمي الفلسطيني، كما أن غياب اللوائح والأنظمة التي توضح آليات التعامل مع هذا الفضاء يزيد من أهمية وجود مركز متخصص لمتابعة قضايا الفضاء الرقمي الفلسطيني، وبناء الكادر المتخصص، ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية وما ينشر منها من رواية مضللة على المستوى العالمي.
لقد مرّت تجربتنا في أحداث حي الشيخ جراح 2021 بإنجازات سجلها النشطاء الفلسطينيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، انعكس ذلك على تعزيز الرواية الفلسطينية، حيث فرضوا الرواية الفلسطينية على الرأي العام الغربي وحيدوا الرواية الإسرائيلية من خلال نشر صور وفيديوهات لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني وكشفوا زيف الرواية الإسرائيلية، لكن للأسف لم يتم متابعة هذا النشاط الرقمي من قبل المختصين والمؤسسات الرسمية الفلسطينية لاستخلاص العبر، والوقوف على الإنجازات والتحديات، حتى يتم وضع خطة وطنية لتعزيز هذا الجهد، وجعل الدبلوماسية الرقمية الشعبية جزءًا من نضال وكفاح الشعب الفلسطيني.
لقد اهتمت النخبة الفلسطينية بالرواية الفلسطينية الشفوية، وأحياها بالتوثيق والكتابة، واعتبرتها سلاحًا ثمينًا لمواجهة زيف الرواية الصهيونية والدفاع عن الحقيقة. تطورت أساليب الرواية الفلسطينية وأدواتها من الشفاهة إلى الكتابة، ثم إلى الإعلام وصولًا إلى الإعلام الرقمي، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي إحدى تجليات هذا التطور، فتم نقل الرواية بسرعة وتفاعل كبير إلى العالم.
وتمكّن الشباب الفلسطيني من نقل الرواية الفلسطينية إلى العالم، وفضح ممارسات الاحتلال وانتهاكاته بحق الفلسطينيين، وخلق مناصرة وتأييد للقضية الفلسطينية من خلال البث المباشر والصور، التي تُظهر جرائم الاحتلال، وقد تمكن هذا الجيل من مخاطبة العالم بلغاته وخلق تفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، ما زاد من تثقيف ووعي الشعوب بأصل القضية وجذورها التاريخية، وأصبح ملمًا بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
على الرغم من ذلك، فإن هذا النشاط الرقمي، وما ترتكز عليه الرواية الفلسطينية من حقائق وأدلة، لم يصل إلى المستوى المطلوب، ولم يترسخ في وعي الشعوب الغربية لأسباب متعددة، منها الخطاب الإعلامي، وغياب المختصين، والتعزيز المؤقت، وغياب المراكز والمؤسسات الفلسطينية القادرة على تعزيز الرواية الفلسطينية وتحويلها من دائرة مؤقتة مرتبطة باشتعال حدث هنا أو هناك، إلى دائرة مفتوحة ذات تفاعل مستمر.
المراجع
ثائر هستنجس، “التاريخ الشفوي الفلسطيني كأداة لمقاومة النزوح والتهجير”، الشبكة، 16 أيلول 2016 (تاريخ الدخول: 5 آب 2023)، https://al-shabaka.org/commentaries
ليندا شلش، “أحداث فلسطين تسقط القناع عن دبلوماسية إسرائيل الرقمية”، TRT عربي، 26 مايو 2021 (تاريخ الدخول: 2 آب 2023)، https://www.trtarabi.com/opinion/-5562197
وكالة الأنباء الفلسطينية وفا، “تضامنون في نيويورك يحتجون أمام منزل مستوطن احتل منزل عائلة الكرد في الشيخ جراح”، 27 تموز 2021 (تاريخ الدخول: 17 آب 2023)، https://www.wafa.ps/pages/details/28331
أحمد مريسي، “كسب الفلسطينيون الرهان خلال الحرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي”، عربي 21، 22 أيار 2021 (تاريخ الدخول: 6 آب 2023)، https://arabi21.com/story
علي حرب، “المشرعون الأمريكيون ينتقدون إسرائيل في رسالتين نادرتين”، نون بوست، 15 مارس 2021 (تاريخ الدخول: 2 حزيران 2023)، https://www.wafa.ps/Pages/Details/23107
الميادين نت، “جيرمي كوربن يدين الهجوم الإسرائيلي على مخيم جنين”، 3 تموز 2023 (تاريخ الدخول: 20 آب 2023)، https://www.almayadeen.net/news/politics
وكالة الأنباء الفلسطينية وفا، “بريطانيا تطالب إسرائيل بالتراجع عن التهجير القسري في الشيخ جراح”، 8 أيار 2021 (تاريخ الدخول: 20 آب 2023)، https://www.wafa.ps/Pages/Details/23107
“بروفيسورة ألمانية تدافع عن الشعب الفلسطيني وتنتقد الاحتلال”، الجزيرة نت، (تاريخ الدخول: 22 تموز 2023)، https://www.youtube.com/watch?v=s4Qb3v7XTmw
“واقع التواصل الاجتماعي”، عربي 21، 22 أيار 2021 (تاريخ الدخول: 6 آب 2023)، https://arabi21.com/story
شريف سيد، “برنامج أمريكي شهير يهاجم الاحتلال الإسرائيلي”، صدى البلد، 18 أيار 2021 (تاريخ الدخول: 26 حزيران 2023)، https://www.elbalad.news/4817342
الجزيرة، “100 عضو بالكونغرس يطالبون بايدن بالضغط لوقف إطلاق النار في غزة”، 22 أكتوبر 2023 (تاريخ الدخول: 10 شباط 2024)، https://www.aljazeera.net/news/2023/10
france24، “مظاهرات حاشدة في عدة مدن كبرى”، 5 نوفمبر 2023 (تاريخ الدخول: 20 يناير 2024)، https://www.france24.com/ar
الجزيرة، “الحراك الطلابي بأميركا لمساندة غزة”، 3 أيار 2024 (تاريخ الدخول: 20 أيار 2024)، https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2024/5/3
أحمد مريسي، “كسب الفلسطينيون الرهان خلال الحرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي”، عربي 21، 22 أيار 2021 (تاريخ الدخول: 6 آب 2023)، https://arabi21.com/story