صلاح مخلوف: الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين: مواجهة إسرائيل وتحديات التوازن بين الضغط الدولي والدعم التاريخي

صلاح مخلوف 29-9-2025: الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين: مواجهة إسرائيل وتحديات التوازن بين الضغط الدولي والدعم التاريخي
لطالما سياسة أوروبا مثلت خط الدفاع الأول عن الكيان الإسرائيلي، فهو وليد الدول الاستعمارية الغربية الذي زرعته في خاصرة العالم العربي، فمحاسنه وإيجابياته ومردوداته السياسية والعسكرية والاقتصادية كانت ذو نفع كبير على النظام الاستعماري، في المقابل كان الدعم الذي يتلقاه الكيان الإسرائيلي كبيرًا من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية من الدول الأوروبية والغربية لتحسين أدائه الوظيفي في المنطقة، حتى أصبح قوة اقتصادية وعسكرية ودولة على أرض فلسطين التاريخية تعترف به دول العالم، حيث جعل الكيان الإسرائيلي نفسه جزءًا من أوروبا والغرب وامتدادًا لحضارتها وتقدمها وعلمها في وسط عربي مظلم ومتخلف كما صوره قادة الكيان الإسرائيلي لقادة الغرب، فبقي الكيان الإسرائيلي تحت عباءة الغرب وحمايته في حقه في الوجود والدفاع عنه من المخاطر التي تهدده.
وقد تجلى ذلك في الموقف الأوروبي من أحداث السابع من أكتوبر، حيث اتسم في مجمله بالانحياز الواضح لإسرائيل، حيث سارعت كبرى العواصم الأوروبية ــ مثل برلين وباريس ولندن وروما ومدريد وأمستردام وأثينا وبراغ وفيينا ــ إلى إدانة العملية التي قادتها حماس، ووصفها بـ”الهجمات المروعة” و”الأعمال العدوانية”، مع التأكيد المتكرر على “الحق المطلق” لإسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأظهرت التصريحات الرسمية، سواء من قادة الحكومات أو وزراء الخارجية، تضامنًا كاملاً مع تل أبيب، واعتبرت ما جرى تهديدًا لأمنها ولشعبها، وفي حين تبنت معظم المواقف نبرة الإدانة والدعم المباشر لإسرائيل، عبرت بعض الدول مثل سويسرا وبلجيكا عن مواقف أكثر حذرًا، بدعوتها إلى وقف فوري للعنف وحماية المدنيين ومراقبة الوضع عن كثب.
ورغم الدعم المطلق الذي قدمته الدول الغربية لحكومة نتنياهو في حربها على قطاع غزة، فإن الصور التي تحمل مشاهد مروعة من حرب الإبادة الجماعية والتي خرجت بشكل يومي عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وضعت تلك الحكومات أمام ضغط شعبي هائل وحرج داخلي متنامٍ، ومع مرور الوقت، تحول هذا الحرج إلى ما يشبه الإهانة السياسية، بعدما أظهر نتنياهو – المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – استخفافًا صارخًا بالقوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية، مفضلًا أهدافه الشخصية وتحالفه مع التيار الصهيوني الأصولي المتمثل في جناحي سموتريتش وبن غفير، على حساب آراء حلفائه ونظرائه الأوروبيين، هذا السلوك أسهم في تعميق الفجوة بين إسرائيل وبعض العواصم الأوروبية، التي باتت ترى أن استمرار الارتباط الأعمى بتل أبيب يضر بمصداقيتها الدولية ويضعها في مواجهة مباشرة مع شعوبها.
فجاء سيل من الاعترافات الدولية من قبل دول وازنة في المجتمع الدولي على رأسها بريطانيا وفرنسا، وكل من كندا وأستراليا والبرتغال وغيرها، وهو ما مثل تحولًا في مواقف بعض من أقرب حلفاء إسرائيل التي ساهمت تاريخيًا في خلق الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين التاريخية، وخاصة بريطانيا وفرنسا، هذه الاعترافات لم تروق للكيان الإسرائيلي واعتبرها مكافئة للإرهاب، مؤكدًا أنها لم تسمح بإقامة دولة فلسطينية، وهدد بإعلان ضم الضفة الغربية الذي صادق عليه الكنيست الإسرائيلي سابقًا، وسحق السلطة الفلسطينية كرد فعل على هذه الاعترافات، وقد بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر باتخاذ إجراءات قاسية على الفلسطينيين في الضفة الغربية، من زيادة في عدد الحواجز والبوابات العسكرية، ومصادرة الأراضي، وزيادة وتيرة الاستيطان، بالإضافة لهجمات المستوطنين على القرى الفلسطينية تحت أعين وحماية الجيش الإسرائيلي، وكذلك البدء في تنفيذ خطة “أي 1” الاستيطانية، والتي تهدف إلى تمزيق وحدة الضفة الغربية ومنع إقامة دولة فلسطينية.
في سياق هذه الاعترافات، رصدت ردود أفعال إسرائيل على المستوى الرسمي والشعبي، حيث وصف نتنياهو هذه الاعترافات بأنها “خضوع مخزٍ للإرهاب”، معتبرًا أن العنف الفلسطيني يُكافأ بهذه الخطوة، فيما هددت الحكومة الإسرائيلية بإجراءات انتقامية من ضمنها إغلاق القنصلية الفرنسية وضم أجزاء من الضفة الغربية، ووقف التعاون الأمني مع الدول المعترفة.
أما ردود الفعل الأوروبية، فقد جاءت حازمة في مواجهة تهديدات إسرائيل، إذ أكدت الدول المعترفة أن أي خطوة أحادية لضم الضفة الغربية ستقابل بعواقب وخيمة، وشددت على ضرورة احترام حقوق الفلسطينيين ورفض أي محاولات لتغيير الوضع بالقوة، مؤكدين أن الاعتراف بدولة فلسطين جزء من جهود متوازنة لدعم حل الدولتين، يضمن حقوق إسرائيل والفلسطينيين معًا.
هذه التطورات تضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع الاتحاد الأوروبي، وتكشف عن تحول في السياسة الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية، حيث بدأت الدول الأوروبية الرئيسية تشارك بشكل عملي في دعم الاعتراف بدولة فلسطين، مما يشكل ضغطًا دوليًا متزايدًا على إسرائيل للالتزام بالمعايير الدولية، ويزيد من تعقيد العلاقات بين تل أبيب وأوروبا في المستقبل القريب.
يُظهر هذا التحول في المواقف الأوروبية أن الاعتراف بدولة فلسطين لم يعد مجرد بيان رمزي، بل أصبح أداة ضغط سياسية فعلية على إسرائيل، تُجبر تل أبيب على إعادة تقييم سياساتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن المتوقع أن تزيد هذه الاعترافات من الاحتكاك بين إسرائيل والدول الأوروبية، خصوصًا فرنسا وبريطانيا، اللتين أظهرتا استعدادًا لاتخاذ خطوات ملموسة تجاه الفلسطينيين، ما يضع إسرائيل في موقف دفاعي أمام المجتمع الدولي، كما أن استمرار تهديدات إسرائيل بضم الأراضي ووقف التعاون مع الدول المعترفة يُظهر حجم التوتر المستقبلي، ويؤكد أن الخلاف الأوروبي-الإسرائيلي سيظل سمة أساسية في المرحلة القادمة ما لم تُتخذ آليات ضغط دولية فعّالة تضمن احترام القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين، بهذا المعنى، تصبح الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين نقطة تحول استراتيجية، قد تعمّق الخلافات بين إسرائيل وشركائها التقليديين في أوروبا، وتعيد رسم أولويات السياسة الإسرائيلية في المنطقة.