#شوؤن عربية

صلاح خليل: تقدير موقف أحداث النيل الأزرق والأزمة في السودان: تراجع الدولة وعودة القبلية

صلاح خليل * 21-7-2022م

شهدت منطقة جنوب النيل الأزرق، في منتصف يوليو 2022، اشتباكات قبلية بين قبيلتي الهوسا والبرتي في مناطق (الروصيرص – قيسان -ود الماحي) في ولاية النيل الأزرق. واندلعت الاشتباكات نتيجة مقتل مزارع فى منطقة قيسان، ولكن سرعان ما اتسعت عمليات العنف لتشمل العديد من المناطق الريفية في الولاية كلها. كما اندلعت اشتباكات قبلية أخرى في ثلاث مناطق بولاية النيل الأزرق بين قبائل (الانقسنا –الهوسا) مخلفة نحو 65 قتيلا على الأقل، و192 جريح، بالإضافة إلى إحراق أعداد كبيرة من المنازل والمتاجر، استخدمت فيه القبائل الأسلحة النارية والأسلحة البيضاء، والجدير بالذكر تم تهجير أكثر من 200ألف شخص من قراهم بسبب العنف الطائفي والقبلي في ولاية النيل الأزرق منذ أن بدأ النزاع حول مليكة الأرض.

أسباب الصراع

اندلع النزاع القبلي بين قبيلتى البرتي والهوسا بسبب الخلاف على إنشاء إدارة محلية لقبيلة الهوسا، حيث تطالب قبيلة الهوسا بتلك المنطقة حق ملكية لهم، فيما تتمسك قبيلة البرتي بأحقية تلك الأراضي ويرفضون منح قبيلة الهوسا إدارة أهلية باعتبارهم وافدين وليسوا من أصحاب الأرض. وبينما اشتعل النزاع بين القبيلتين ارتفعت أصوات قبلية أخرى منادية بترحيلهم من المناطق التي يعيشون فيها، ونفذت بعض القبائل هجمات على الهوية في عديد من المناطق ضد المنتمين للهوسا كحملات انتقامية في المناطق التي يسكنونها.

موقف القوى السياسية

بدلا من أن تعمل القوى السياسية على مواجهة الممارسات الخاطئة منذ خمسينيات القرن المنصرف، كالاستقواء بالقبلية، واتباع نهج وأسلوب الترضيات السياسية للمشايخ ونظار القبائل والانتماءات الأولية الضيقة، لجأت إلى إدانة المؤسسة العسكرية على تقصيرها في مواجهة عمليات الانفلات الأمنية المنتشرة في مختلف مناطق السودان. فضلا عن اتهامها تيار الإسلام السياسي بتأجيج أحداث النيل الأزرق من خلال فرض سياسات الانحراف عن تحقيق التغييرات السياسية التي تجري في بنية الدولة السودانية منذ سقوط البشير. كمقايضة الاستقرار مقابل التخلي عن التحول في المشهد السياسي السوداني المرتبك منذ أكثر من ثلاثة سنوات. 

الموقف الرسمي

تدخلت الحكومة لفض الاشتباكات بين قبيلتي البرتي والهوسا، كما فرضت السلطات السودانية حظر التجوال، ومنع التجمعات وضبط النفس والامتناع عن الانتقام حتى لا يتعرضوا للمساءلة القانونية. كما توعدت السلطات السودانية، برد حازم وقوى تجاه مثيري العنف القبلي بإقليم النيل الأزرق. كما دعت السلطات القوات الأمنية في التعامل بقوة مع كل الحالات التي تمثل انفلات واعتداءات على الأفراد والممتلكات العامة والخاصة.  فيما أصدر النائب العام قرارا بتكوين لجنة تقصي حقائق مكونة من النيابة العامة والأجهزة النظامية، من أجل الوقوف على مرتكبي تلك الإحداث القبلية في النيل الأزرق. وقررت اللجنة فرض حظر تجوال في مدينتي الدمازين والروصيرص ابتداء من الساعة السادسة مساء. حتى الساعة 6 صباحا. فيما أعلنت اللجنة الفنية لمجلس الأمن والدفاع بتعزيز القوات الأمنية والعسكرية، للمحافظة على تحقيق الأمن والاستقرار.

فيما شهدت منطقة (مايو) جنوب الخرطوم تعزيزات أمنية قبل ساعات من إعلان قبيلة الهوسا مليونية الإضراب عن العمل حتى يوم الأربعاء 20 من يوليو نصرة للهوسا في النيل الأزرق- بحسب قولهم. فيما شهدت ولاية كسلا شرق السودان احتجاجات خلفت عدة حرائق بمؤسسات حكومية، مثل مباني الإدارة التعليمية، وإدارة البترول، مقر أمانة الحكومة ومحطة مياه. وأغلقوا كوبري القاش احتجاجا على مقتل العشرات من قبيلة الهوسا في ولاية النيل الأزرق.  إلا أن القوات الشرطية تمكنت من فتح كوبري القاش وألقت الشرطة القبض على العديد من مثير الشغب والفتنة الطائفية في ولاية كسلا. 

خلاصة القول، إن مستقبل السودان بات مهددا كدولة ومجتمع في ظل حالة الارتباك الراهن وفي ظال حالة التأزم الداخلي على خلفية الصراع على السلطة بين مكوناتها المدنية والعسكرية، إذ في ظل هذه الأوضاع تغيب الدولة وتتجه نحو الفشل في تأدية أبسط مهامها وهي بسط سلطة القانون، ومن ثم صعود النزاعات المحلية والقبلية، وبدلا عن المأمول في أن تنقل الثورة السودان نحو بناء دولة مدنية وطنية حديثة على أسس المواطنة وتحقيق العدالة فإنها تعيد المجتمع إلى مرحلة القبلية التي تنذر باتجاه السودان نحو الفوضى ومزيد من الانقسامات، وربما انتشار الجماعات المسلحة العابرة للحدود، وربما الحروب والنزاعات التي قد تكرر مأساة انفصال الجنوب، وهو سيناريو تتمناه بعض القوى المتكالبة على السودان وعلى العالم العربي وشرق أفريقيا.

لهذا على السلطات السودانية، أن تبدأ فورا في عملية نفاذ القانون بنزع ومصادرة السلاح والتراخيص التي منحها نظام البشير لبعض القبائل بهدف حماية أنفسهم. ولا تقتصر الصراعات والنزاعات القبلية على ولاية النيل الأزرق، وولايات دارفور الخمس وولايات شرق السودان الثلاث، حيث يكاد يعم العنف القبلي جميع أنحاء السودان، فما حدث ليس من مسؤولية نظار ومشايخ القبائل، بل تقع المسؤولية على القوى السياسية ونخبها التي تسعي للوصول إلى السلطة دون التفكير في بناء الأوطان. إن ما تقوم به القوى السياسية من استقطاب قبلي وأثني، حتما سيؤدى إلى تآكل علاقات التعايش السلمي بين المجتمعات الريفية. لذلك يجب على السلطات السودانية من وضع تشريع وتسنى قوانين التي تنظم ملكية الأرض بصكوك موثقة حتى لا تكون ذريعة أي حجة لبعض القبائل في أثارة العنف القبلي المرتبط حول مليكة الأرض. وعلى الدولة السودانية الاضطلاع بمسئولياتها الكاملة فيما يهدد النسيج الاجتماعي وبسط هيبة الدولة.  فما يجرى حاليا في مختلف أقاليم السودان، من صراع قبلي وسياسي، يهدف إلى تمرير أجندات إقليمية ودولية مضرة للمصلحة الوطنية السودانية، وليست مجرد نزاعات قبلية أو إثنية، كما تروج له بعض الدوائر الغربية على انها أحداث ذات طابع قبلي.

*صلاح خليل باحث بمركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى