المفاوضات

“صــفــقــة الــقــرن” الـــمــهــمــة الــمــســتــحــيــلــة

مركزالروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجيةد. سليم محمد الزعنون – 8/3/2019

مارس2019

فــهـــرس الــمــحــتــويــات

مــلــخــص تــنــفــيــذي.

مــقــدمــة.

أولاً: الــتَّــحــديــات الــمــحــيــطــة بــصــفــقــة الــقــرن.

1. 1 تقويض المفاهيم التقليدية في صناعة السلام.

2. 1 اضطراب النظام الدولي.

3. 1 عدم القدرة العربية لدعم خطّة سياسيّة دون تسوية القضية الفلسطينية.

4. 1 تراجع الرغبة الإسرائيلية في السلام.

ثــانــيــاً: الــتَّــداعــيــات الــســلــبــيــة للـتـطـبـيـق الأحـادي للـصـفـقـة.

 1.1.    إسرائيل.

أ‌. الانزلاق نحو واقع الدولة الواحدة.

ب‌.  هدم فكرة الاحتلال النظيف.

 1.2.    الإقليم.

أ‌. في ميزان الصراع الإقليمي.

ب‌.  في ميزان محاربة الإرهاب.

 1.3.    الفلسطينين.

ثالثاً: نــافــذة الــفـُـرص.

الخاتمة.

ملخص تنفيذي :

تواجه خطة السلام الأمريكية “صفقة القرن”، أربعة تحديات رئيسية تجعل من الصعوبة بمكان، نجاحها في إرساء حالة دائمة من السلام والاستقرار في المنطقة، على الرغم من تطبيقها فعلياً من على أرض الواقع من جانب واحد، الأول تقويض المفاهيم التقليدية في صناعة السلام، والثاني اضطراب النظام الدولي، والثالث تراجع الرغبة الإسرائيلية في السلام، والرابع عدم قدرة الدول العربية لدعم خطّة سياسيّة دون تسوية القضية الفلسطينية .

وفقاً لهذا المنظور لم تتمكّن واشنطن من إيجاد مظلة دولية أو إقليمية تسنّد الصفقة وتقنع الطرف الفلسطيني بالتعاطي معها، إن التطبيق العملي لصفقة القرن على أرض الواقع من جانب واحد، يترك تداعياته السلبية على ثلاث مستويات: أولاً وقبل كل شيئ على المستوى الإسرائيلي، ثانياً على مستوى دول الإقليم، وثالثاً على المستوى الفلسطيني.

بيدّ أن الواقع الحالي يوفر لإسرائيل نافذة لفرص استراتيجيّة نادرة، إدارة إمريكية داعمة ومساندة، ودول عربية على استعداد للمساعدة في ايجاد حل للنزاع، والقضية الفلسطينية في آخر سلم الاهتمامات الدولية والإقليمية، على إسرائيل والمجتمع الدولي استغلال هذه الفرصة للانفصال عن الفلسطينين سياسياً واقتصادياً وديمغرافياً وجفرافياً، وايجاد تسوية شاملة، مثل هذه الخطوة تشكل مصلحة إسرائيليّة بالدرجة الأولى، وإنّ لم يتم استغلال هذه الفرصة في الوقت الراهن فإن الأمور ستبدو أكثر تعقيداً في المستقبل.

مقدمة.

منذ تولي الإدارة الأمريكية الحالية الحكم عام 2016 وهي تتحدث عن خطة غامضة للسلام في الشرق الأوسط، ولم تعلن حتى اللحظة عن تفاصيل خطتها لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، باستثناء تسريبات إعلامية وتصريحات متناثرة، وتم تأجيل الإعلان عن الخطة أكثر من مرة، مؤخراً تم تأجيل الإعلان عنها لما بعد الانتخابات الإسرائيلية في إبريل القادم، وبعد ذلك تكون الانتخابات الأمريكية قد اقتربت، ومن المحتمل أن يتم تأجيلها لبعد الانتخابات الأمريكية في 2020.

من الناحية العملية اتخذت واشنطن مجموعة من الإجراءات تؤشر إلى تطبيق الصفقة على أرض الواقع من جانب واحد، إلا أن فرص نجاحها في تحقيق حالة دائمة من السلام والاستقرار تواجه مجموعة من التَّحديات، كما أنّ تطبيقها بالإكراه يترك تداعيات سلبية على الفاعلين الرئيسين، بيد أن الواقع الراهن يفتح نافذة فرص إذا تم استغلالها، سيؤدي إلى إعادة توجيه المسار.

أولاً: الـتَّـحـديـات الـمُـحـيـطـة بـصـفـقـة الـقَـرن

تواجه خطة السلام الأمريكية “صفقة القرن”، على الرغم من تطبيقها فعلياً على أرض الواقع من جانب واحد، أربعة تحديات رئيسية تجعل من الصعوبة بمكان، نجاحها في إرساء حالة دائمة من السلام والاستقرار في المنطقة: الأول تقويض المفاهيم التقليدية في صناعة السلام، الثاني اضطراب النظام الدولي، الثالث عدم القدرة العربية لدعم خطّة سياسيّة دون تسوية القضية الفلسطينية، الرابع تراجع الرغبة الإسرائيلية في السلام.

1.1.    تقويض المفاهيم التقليدية في صناعة السلام.

تبنت إدارة “ترامب” نهج تفاوضي مخالف للإدارات الأمريكية السابقة، والتي كانت تُشرك الإسرائيليين والفلسطينيين في المفاوضات، وتضع الخطوط العريضة، وتترك لطرفي الصراع أن يقرروا ويتفقوا حول التفاصيل، إن النهج التفاوضي الجديد لإدارة ترامب قائم على ركيزتين أساسيين:

الأول، نهج السلام “من الخارج إلى الداخل”، أي إدارة مفاوضات مع الدول العربية وتطبيع العلاقة مع إسرائيل، تحت بند مواجهة إيران، على أمل أن تمارس الدول العربية نفوذها على الفلسطينيين من أجل دفع السلام في الشرق الأوسط.

الثاني، سياسة الإكراه التام، وإجبار الفلسطينين على القبول، من خلال تشكيل الواقع على الأرض، في موضوع القدس، واللاجئين، والمستوطنات، وإجرءات عقابية كتخفيض المساعدات، واغلاق المكاتب الدبلوماسية، ووفقاً لـ سياسة الإكراه فإن الإدارة الأمريكية لم تَكُن تُراهن على النجاح في تحقيق تسوية، فقد حققت أهدافها بالفعل على أرض الواقع، ولم يعد هناك شيء لعرضه أو التفاوض عليه مع الفلسطينين.

النهج التفاوضي الجديد للإدارة الأمريكية ساهم في تعزيز الطريق المسدود في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، وعمق من حالة الجمود، على خلفية رفض الفلسطينيين إجراء محادثات مع مسؤولي الإدارة، ومن الناحية العملية كان لهذه الخطوات تأثير سلبي على قدرة الولايات المتحدة على قيادة عملية سياسية ناجحة.

1.2.    اضطراب النظام الدولي.

تختلف البيئة الدولية الراهنة عن مثيلتها في تسعينات القرن الماضي، والتي في إطار تم عقد مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاق أوسلو، قبل أكثر من ربع قرن، كانت الولايات المتحدة تهيمن على قمة النظام الدولي، بما أهلها لفرض رؤيتها على القوى الدولية الأخري، بينما النظام الدولي الراهن يشهد حالة من التغيير، منذ ولاية أوباما بدأت الولايات المتحدة بالتراجع عن التزاماتها الدولية، في تحمل أعباء الهيمنة على النظام الدولي، وتبنت سياسة “القيادة من الخلف”، وتعزز هذا الاتجاه مع ولاية ترامب، ليس فقط في تعزيز الاتجاه نحو المصالح الداخلية، والانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط، بل زعزعة بنية العلاقات عبر الأطلسي مع الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الحرب الاقتصادية مع الصين، وتوتر العلاقات مع روسيا، وفي المنظور الأوسع للنظام الدولي صعدت الصين وروسيا كقوى منافسة للولايات المتحدة على قمة النظام، ولم تعد واشنطن قادرة على فرض سياساتها على الساحة الدولية، أو العمل في تحالفات لتنفيذ رؤيتها لحل الأزمات.

الاتحاد الأوروبي، توجد حالة من الخلاف العميقبين بروكسل وواشنطن، وقد أعلن قادة الاتحاد الأوروبي بأن العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة يجب إعادة تقييمها، وبدأ الاتحاد الأوروبي يتبنى مواقف ورؤى مخالفة للرؤية الأمريكية خاصة في الملف الإيراني والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، نظراً لذلك أصدرت دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء في مجلس الأمن بياناً مشتركاً بتاريخ 18 ديسمبر 2018 تؤكد على أن أي خطة سلام تتجاهل “المعايير المتفق عليها دوليا” والقائمة على حل الدولتين على حدود 1967 مع القدس عاصمة مشتركة “ستواجه الفشل”.

روسيا، إرتفعت حدة التوترات خلال الفترة الأخيرة بين واشنطن وموسكو، ووصلت العلاقة بينهما نقطة منخفضة، والاتجاه المحتمل هو تفاقم التوتر، بما في ذلك احتمال زيادة العقوبات المفروضة على روسيا، وعدم قدرتهما على التوصل إلى توافقات، سواء بشأن قضايا في الشرق الأوسط أو قضية أوروبا الشرقية، وتعارض موسكو توجهات واشنطن فيما يتعلق يقضايا الشرق الأوسط، وتبنت توجه مخالف فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث استضافت الفصائل الفلسطينية، ودعت إلى محادثات سلام بين الفلسطينين والإسرائيلين، وتعارض صفقة القرن للتسوية، واشار وزير خارجيتها إلى أن “هذه الصفقة سوف تدمر ما تم تحقيقه حتى الآن” مضيفاً.. “إننا نرى الخطر الأكبر في الموقف الأمريكي الذي يهدف إلى الترويج لنهج أحادي، وكسر الأساس القانوني لحل المشكلة الفلسطينية”.

الصين، اعتبرت وثيقة “استراتيجية الأمن القومي الأمريكي” عام 2017، الصين للمرة الأولى باعتبارها تُشكل تحدي للولايات المتحدة، وبالإضافة إلى النزاع التجاري، فإن التوتر بين البلدين آخذ في الارتفاع، بسبب حصول الصين على الأسلحة من روسيا، والمساعدات الأمريكية لتايوان، والصراع من أجل السيطرة على بحر الصين الجنوبي، وبدأت بكين في منافسة واشنطن بالشرق الأوسط، لتأمين مصالحها الاقتصادية، وتعمل على صياغة سياسة منسقة مع موسكو في قضايا مثل إيران وكوريا الشمالية، وتبنت رؤية لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث طرحت عام 2013 مبادة لتسوية النزاع مكونة من 4 نقاط، وأكد السفير الصيني في يوليو 2018 أن بلاده ستعيد طرح مبادرتها للسلام، ويشكل ذلك بديلاً عن صفقة القرن.

وفقاً لهذا المنظور يوجد الآن حالة من عدم اليقين بشأن وضع الولايات المتحدة في الساحة الدولية، وقدرتها على فرض رؤيتها في العديد من القضايا على المسرح العالمي، وفي هذا الإطار لم تتمكن واشنطن من خلق حالة من الإجماع الدولي على خطة ترامب للسلام “صفقة القرن”، وبدت مواقف القوى الدولية معارضة، بما يدفع واشنطن لتنفيذ الخطة بشكل أحادي دون الحصول على الحد الأدني من الإجماع الدولي.

1.3.    عدم القُدرة العربية لدعم خطّة سياسيّة دون تسوية القضية الفلسطينية.

تعيش الدول العربية منذ بداية العقد الحالي، معركة وجودية في مواجهة سلسلة من التهديدات الإقليمية والداخلية، إيران وتركيا، والحروب الأهلية في بعض الدول العربية، وتعاظم الإرهاب، والإخوان المسلمين، وداخلياً التوترات الاقتصادية، والأيدلوجية، والثقافية.

غيَّرت هذه التهديات خريطة المصالح الإقليمية، ودفعت الدول العربية إلى تغيير سلم أولوياتها تجاه القضية الفلسطينية، وإسرائيل، فوجدت نفسها في اتساق مصالح مع إسرائيل لمواجهة التهديدات المشتركة، في إطارها تحولت إسرائيل وبشكل تدريجي من “مشكلة” إلى جزء رئيسي من الحل للمشاكل التي تعترض المنطقة، وانعكس ذلك في ارتفاع منسوب العلاقات العربية الإسرائيلية، في المقابل تم إقصاء القضية الفلسطينية إلى قاع سلم الأولويات العربية.

وعلى الرغم من ذلك إلا أن القضية الفلسطينية لا تزال تحظى بمكانة فريدة شعبياً، مع وجود عوائق تمنع الدول العربية من الموافقة على صفقة القرن، وتجبرها على الانتظام خلف الفلسطينين، لعدة اعتبارات:

أي حل أو تقارب مع إسرائيل لا يتضمن تسوية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، يتطلب ثمناً داخلياً وإقليمياً، ومن الصعب على الزعماء العرب تعريض أنفسهم للخطر ودفع الثمن السياسي المترتب على أي حل أو تقارب مع إسرائيل دون ايجاد تسوية للقضية الفلسطينية.

أولاً: داخلياً، لا زال الرأي العام العربي يدعم مطالب الفلسطينيّين دعماً تامّاً، ومعارض لأي حل أو علاقة مع إسرائيل قبل تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي ضوء التَّحديات الداخلية للدول العربية كالقوى المعادية والمحرضة، والتراجع الاقتصادي، والتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية السريعة، من الصعب قبول حلول تؤدي إلى تدهور الوضع الداخلي، وزعزعة الإستقرار.

إضافة إلى أن مصر والأردن وهم أكثر ارتباطاً بالقضية الفلسطينية، لن يعبروا عن مرونة على أي خطة تؤثر على مصالحهم القومية، في ضوء خشية مصر من تبعية غزة الاقتصادية لها، بشكل يجعلها مشكلة مصرية لا إسرائيلية، وخشية الأردن من آثار صفقة القرن على تغيير تركيبتها الديمغرافية إذ أن نسبة الأردنيين من أصل فلسطيني ما بين 50-70%.

ثانياً: إقليمياً؛ إن أي حل بدون تسوية القضية الفلسطينية، سيتم استغلاله من قبل إيران وتركيا من أجل المسّاس بشرعية الدول العربية واتهامها بالتخلي عن الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية، نظراً لذلك فإن الدول العربية وخصوصاً السعودية في صراعها مع إيران، ومصر في تنافسها مع تركيا، غير قادرتان على أن تسمح لنفسيهما بتقديم مكاسب لإيران أو تركيا تتيح لهما مراكمة أرباح سياسية إقليمية على حسابهما.

أثراً لذلك لن تدعم الدول العربيّة أيّة خطّة سياسيّة، بما فيها صفقة القرن إذا كانت قريبة من موقف إسرائيل وبعيدة عن موقف الفلسطينيّين، وتؤشر تصريحات الأردن ومصر والسعودية الداعمة للموقف الفلسطيني، ورافضة لصفقة القرن، باعتبارها لم تتسق مع القرارات الدولية، والاتفاقيات السابقة إلى فشل سياسة واشنطن القائمة على جلب “السلام من الخارج إلى الداخل”، وتبدّيد التوقّعات بأن تساعد الدول العربيّة في تليين الموقف الفلسطينيّ، وفي المحصلة لم تتمكن الإدارة الأمريكية من العثور على جهة عربية جدية تتعامل بشكل جدي مع مخرجات “صفقة القرن”، وفشلت في تشّكيل مظلة إقليمية تسنّد المخطط وتقنع الطرف الفلسطيني بالتعاطي مع الصفقة.

1.4.    تراجع الرغبة الإسرائيلية في السلام.

تدرك الحكومة الإسرائيلية أنه لا يمكن التوصل إلى تسوية شاملة مع الفلسطينيين في هذه المرحلة، لأسباب متعددة، منها: غياب قيادة فلسطينية موحدة قادرة على التوصل إلى اتفاقيات وتطبيقها؛ مع استناد الحكومة الإسرائيلية إلى ائتلاف يميني يعارض أية اتفاقية تشترط حل الدولتين.

وانعكس ذلك في تراجع حاد في الرغبة الإسرائيلية للسلام مقارنة بالماضي، سواء على المستوى الشعبي، أو على المستوى السياسي، شعبياً أظهر استطلاع رأي أجرته جامعة تل أبيب في اغسطس الماضي أن 9% فقط من الإسرائيليين يريدون من حكومتهم إعطاء الأولوية للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين في عام 2019، وجاءت تصريحات المستوى السياسي ما بين نتنياهو “خطة ترامب للسلام ليست ضرورة ملحة”، ووزيرة العدل “بأن الخطة مضيعة للوقت”.

نظراً لذلك تتموضع الحكومة الإسرائيلية في الوقت الراهن في الحيّز المريح المسمّى “وضعاً قائماً”، وهو حيّز لا يستوجب اتخاذ قرارات صعبة بل مواصلة إدارة الصراع مع الفلسطينين، باعتباره ساحة ثانوية مقارنة بالتهديد على الجبهة الشمالية.

ثانياً: الــتَّــداعـيـات الـسَّـلـبـيـة للـتـطـبـيـق الأحـادي للـصـفـقـة

عملياً يتم تطبيق صفقة القرن على أرض الواقع؛ من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، ويترك ذلك إنعكاساته السلبية على إسرائيل بالدرجة الأولى، ودول الإقليم في مستوى ثاني، والفلسطينين بدرجة ثالثة.

1.1.    على مستوى إسرائيل.

على عكس ما يعتقد البعض بأن إسرائيل الفائز الأول من تطبيق صفقة القرن، إلا أنها تترك انعكاساتها السلبية عليها في اتجاهين:

أ‌. الانزلاق نحو واقع الدولة الواحدة.

التطبيق العملي للصفقة يُعمق من سيطرة إسرائيل على الضفة والقدس، حيث تم سن قانون تنظيم الاستيطان بأثر رجعي للمستوطنات غير القانونية، ويعتبر تطبيق القانون شكل من أشكال الضم القانوني، وفي إطاره تم طرح مقترحات في “الكنيست الإسرائيلي” لفحص عملية ضم أجزاء من الضفة إلى إسرائيل، ويترتب على ذلك تشكيل واقع معقد جديد في صلبه عدم القدرة على الانفصال عن الفلسطينين، بما يضع إسرائيل أمام خيار الدولة الواحدة، الذي يشمل احتمالين:

الأول، دولة بحقوق متساوية لليهود والفلسطينيين، وهذا يقضي على فكرة الدولة يهودية.

الثاني دولة من دون حقوق متساوية، وهذا يقضي على فكرة إسرائيل دولة ديمقراطية وأخلاقية، والأخطر الانزلاق نحو دولة واحدة بأغلبية عربية، بما يُعرض استمرارية الدولة الإسرائيلية للخطر، لذلك من الأفضل لإسرائيل الانفصال عن الفلسطينيين سياسياً وديمغرافياً وجغرافياً، وفق خيار “دولتين لشعبين”.

ب‌.   هدم فكرة الاحتلال النظيف.

إن عدم تحقيق تسوية سياسية يقبلها الفلسطينيون، سيؤدي إلى زعزة السلطة الفلسطينية باعتبارها سلطة مسئولة، وقادرة على العمل والتعاون مع إسرائيل لحفظ الاستقرار، والقيام بواجباتها المدنية تجاه السكان، بما يرفع من فرص اندلاع العنف في الضفة، واستغلال قوى إقليمية كتركيا وإيران لحركتي حماس والجهاد الإسلامي للتصعيد ضد السّلطة الفلسطينية وإسرائيل، وفي هذه الحالة تضطر إسرائيل إلى التدخل الأمني والعسكري في الضفة، بما يرفع من التكلفة الاقتصادية، والأمنية والعسكرية.

أثراً لذلك فأن تطبيق صفقة القرن على أرض الواقع له تأثير سلبي على إسرائيل، على المدى القصير يهدم فكرة الاحتلال النظيف ويرفع التكلفة، وعلى المدى البعيد يهدد فكرة ديمقراطية ويهودية الدولة، إن ضمان الوجود دولة يهودية وديمقراطية، وفي ذات الوقت تنعم بالأمن والاستقرار يتطلب إيجاد حل يأخذ في الاعتبار وجود الفلسطينيين وحقوقهم.

1.2. على مستوى الإقليم.

التَّداعيات على المستوى الإقليمي تأتي في اتجاهين، الأول في ميزان الصراع الإقليمي، والثاني في ميزان محاربة الإرهاب.

أ‌.  في ميزان الصراع الإقليمي.

بدء تطبيق صفقة القرن على أرض الواقع بدون تسوية القضية الفلسطينية، يعطي فرصة لإيران وتركيا من أجل المساس بشرعية الدول العربية واتهامها بالتخلي عن الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية، ويراكم النقاط في الصراع الإقليمي لصالح إيران وتركيا، في الصراع مع السعودية ومصر على التوالي، وفي هذا الإطار بدء الإعلام التركي وإعلام الإخوان المسلمين في الترويج إلى أن الزعماء العرب باعوا القدس من أجل مواجهة إيران، بما يؤدي الى تحريض الرأي العام العربي، وشحن المعارضة والتنظيمات المتطرفة ضد الأنظمة العربية.

ب‌. في ميزان محاربة الإرهاب.

تؤشر التجربة التاريخية إلى استغلال التنظيمات المتطرفة القضية الفلسطينية كحجة ومسوغ لتبرير أعمالها، فقد شكلت مسألة القدس وفلسطين ركائز أساسية في أدبياتها، ومع البدء في تطبيق صفقة القرن على الأرض، صدرت العديد من البيانات من تنظيمات متطرفة كالقاعدة، وداعش، وحركة الشباب المجاهد، وحركة “حسم” الذراع العسكري للإخوان المسلمين في مصر، وحركة تحرير الشام في سوريا، وجميعها دعت إلى العمل من أجل القدس، وفي هذا السياق سوف تعمل التنظيمات المتطرفة على استغلال الظروف للعمل في ثلاثة اتجاهات:

•الأول، استغلال الظروف لإعادة هيكلة ذاتها والتبلور في إطار القضية الفلسطينية خاصة وأن تنظيم مثل القاعدة يريد العودة والسيطرة على المشهد مرة أخرى، وتنظيم داعش يريد مسوغات جديد لإعادة بناء الذات.

•الثاني، استغلال الوضع من أجل العمل ضد الأنظمة القائم، فحركة حسم ذراع الإخوان المسلمين أكدت في بيانها على أن القدس لن تحرر قبل تحرير القاهرة، وحركة “هيئة تحرير الشام” أكدت أن الطريق إلى القدس يمر عبر المدن السنية في سوريا.

•الثالث، ستعمل التنظيمات المتطرفة على استعلال الموضوع كمسوغ للتجنيد، ثم يتم توجيه المجندين نحو القيام بعمليات في مناطق أخرى وأهداف مختلفة في دول العالم، تحت شعار المساس بالمقدسات الإسلامية.

وفقاً لهذا المنظور فإن تطبيق صفقة القرن من جانب واحد، سيضعف موقف الدول العربية المعتدلة في صراعها الإقليمي مع تركيا وإيران، من جانب آخر يوفر البيئة الخصبة لإعادة تفعيل التنظيمات المتطرفة، باتخاذ موضوع المقدسات ركيزة للعمل العنيف سواء ضد الأنظمة أو على المستوى الأوسع.

1.3. على المستوى الفلسطيني.

بدء تطبيق صفقة القرن، وما ترتب عليها من نقل السفارة الأمريكية للقدس، وتصفية موضوع اللاجئين، والتجفيف المالي للسلطة الفلسطينة، ووقف العمل الدبلومسي، يؤدي إلى زعزعة السلطة واستقرارها، ويفتح المجال أمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي لتنفيذ مخطتهما لتفعيل أعمال العنف في الضفة الغربية، بهدف المسّاس بإسرائيل وبالسّلطة الفلسطينيّة.

ثالثاً: نــافــذة الــفُــرص

يوفر الوضع الراهن لإسرائيل نافذة لفرص استراتيجيّة نادرة: إدارة أمريكية مؤيدة واعمة، ودول عربية رائدة مستعدة للتعاون معها والإسهام في عملية تسوية النزاع مع الفلسطينين، وفقدان القضية الفلسطينية أهميتها في سياسات الشرق الأوسط والمنظومة الدولية، هذه الأوضاع تمكّن إسرائيل من اتّخاذ خطوات فعالة في الموضوع الفلسطيني، وإن لم تتمكن والمجتمع الدولي من استغلال هذه الفرصة لإنجاز اتفاق سياسي قائم على تسوية القضية الفلسطينية، فإن الأمور ستبدو أكثر تعقيداً في المستقبل.

بالارتكاز على الواقع الراهن، يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة ممارسة سياسة مبادرة ونشطة من أجل ايجاد حلول خلاقة، بمشاركة الفلسطينين، بدلاً من سياسة الإكراه، والتي لها تداعياتها الخطيرة على إسرائيل والإقليم، سياسة قائمة على انفصال إسرائيل السياسي والديمُغرافي والجغرافي عن الفلسطينين وفقاً لحل الدوليتين ويُشكل ذلك مصلحة إسرائيلية أولاً لعدة اعتبارات:

أولاً: سيمنع انزلاق إسرائيل نحو واقع الدولة الواحدة، الذي سيقضي على فكرة يهودية وديمقراطية الدولة، أو دولة بتركيبة ديمغرافية لصالح الفلسطينين.

ثانياً: تصميم واقعاً سياسياً أمنياً أكثر استقراراً، يساعدها في تحقيق رؤية دولة يهودية ديمقراطية، آمنة، وترسيم حدودها، ومواجهة التَّحديات الإقليمية، وتحسن من مكانتها الدولية.

ثالثاً: يحسن من قدرتها على استغلال الفرص الكامنة في عقد علاقات رسمية مع الدول العربية، لمواجهة التهديدات المشتركة.

الخاتمة:

من غير الممكن أن تنجح الإدارة الأمريكية في قيادة عملية سياسية ناجحة، تُمكّنها من إرساء حالة دائمة من السلام والاستقرار، نتيجة مجموعة مركبة من التَّحديات، كما أنّ التطبيق الأحادي لصفقة القرن يترك تداعياته السلبية والخطيرة على الفاعلين الرئيسيين، بيدَّ أن الوضع الدولي والإقليمي والفلسطيني الراهن يفتح نافذة فرص إن لم يتم استغلالها فإن الأمور ستبدو أكثر تعقيداً في المستقبل، على إسرائيل والولايات المتحدة ممارسة سياسة مبادرة ونشطة من أجل ايجاد حلول خلاقة، قائمة على انفصال إسرائيل السياسي والاقتصادي والديمُغرافي والجغرافي عن الفلسطينين، وفقاً لحل الدوليتين، ويشكل ذلك مصلحة إسرائيلية أولاً وقبل كل شيئ.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى