ترجمات عبرية

صحيفة هآرتس – نمو اقتصادي يساوي صحوة وطنية ..!

هآرتس – بقلم  لي – أون هدار – 12/10/2021

” فرضية “السلام الاقتصادي” التي يطرحها بينيت هي فرضية خاطئة. فالارتفاع في مستوى المعيشة يمكن أن يشجع عملية فلسطنة وأسلمة “.

لا توجد حاجة الى اجراء بحث اقتصادي شامل من اجل التوصل الى استنتاج بأن كتالونيا واسكتلندا هما قصتا نجاح لعهد العولمة وتطور الاتحاد الاوروبي. من قام بزيارة برشلونة يعرف بأنها تحولت الى مركز تجاري دولي ينافس باريس كبؤرة للسياحة وينافس كاليفورنيا كقاعدة للمشاريع الرائدة، ويوجد فيها سكان شباب ومثقفين ومنظومة تعليم ممتازة. ايضا اسكتلندا تتمتع الآن بنهضة اقتصادية وتكنولوجية.

هذا يورطنا مع التناقض المعرفي التالي: احدى الحقائق المقبولة التي رافقتنا في السنوات الاخيرة عند صعود اليمين الشعبوي هي أن التراجع الاقتصادي والانخفاض في مستوى معيشة الطبقة الوسطى تخلق توتر اجتماعي يؤدي الى تطرف سياسي، بما في ذلك احياء الهويات القومية، والى تعزيز الحركات القومية المتطرفة. ولكن في كتالونيا واسكتلندا فان الضغط من اجل تقرير المصير القومي ومن اجل الحكم الذاتي والاستقلال، تعزز بالتحديد في الفترة التي فيها هاتين المنطقتين حظيتا بازدهار اقتصادي وارتفاع باهر في مستوى المعيشة، حيث كان ابناء الطبقة الوسطى من بين المؤيدين المتحمسين للانفصال عن اسبانيا وعن بريطانيا. 

لشديد المفارقة، احد اسباب أن الكتالونيين والاسكتلنديين يضغطون من اجل الاستقلال هو أنهم توصلوا الى استنتاج بأن الاسبان والبريطانيين يستغلونهم اقتصاديا، وأنهم سيتمتعون بافضلية عليهم بعد الانفصال. 

بنظرة الى الوراء يبدو أن المحللين السياسيين على انواعهم مالوا للربط، بالخطأ، بين عملية تعزز الشعبوية الموجهة ضد النخب السياسية والاجتماعية وظاهرة اخرى، بعث الهويات القومية والعرقية، التي حدثت في مناطق وفي دول اقتصادها ارتفع ووصل الى مستويات جديدة في السنوات الاخيرة، في كتالونيا واسكتلندا وتركيا والهند والصين واسرائيل وهنغاريا وبولندا، جميعها دول النخب فيها تبنت بحماسة الروح الوطنية. 

من هنا، فكرة “السلام الاقتصادي” التي يطورها رئيس الحكومة نفتالي بينيت، والتي بحسبها التطور الاقتصادي المتسارع والارتفاع في مستوى المعيشة في الضفة وفي غزة ستشكل نوع من الاجسام المضادة التي ستحيد التطلع الفلسطيني الى الاستقلال السياسي، هذه الفكرة ترتكز على فرضية خاطئة. هذه الفرضية ايضا تعارض القيم التي تواصل توجيه الحركة الصهيونية، التي بحسبها يجب على يهود العالم أن يتركوا “طنجرة اللحم” لدى الغرب والهجرة الى اسرائيل، التي مستوى الحياة فيها غير مرتفع مثلما في امريكا أو اوروبا، لكن هنا يمكنهم تحقيق تطلعاتهم القومية. شقة فاخرة ووظيفة جيدة لا تشكل البديل للحياة في دولة مستقلة.

بينيت لا يجب عليه السفر الى كتالونيا أو اسكتلندا من اجل اعادة اختبار فرضيته. هو يمكنه البقاء في البيت. “لا أحد ينفي حقيقة أنه منذ اقامة الدولة فان المواطنين العرب يتمتعون بتحسين كبير في وضعهم الاقتصادي ومستوى معيشتهم. رغم ذلك، وربما بسبب ذلك، اجتاز عرب اسرائيل عملية تطرف وطني وديني. لقب في الطب أو الهندسة وشروط اقتصادية جيدة يمكنها أن تسير الى جانب عملية فلسطنة وأسلمة. التعليم والامن الاقتصادي بالتحديد يشجعان العودة الى المصادر الثقافية والتاريخية لمجتمعهم. هذا يفسر، ضمن امور اخرى، لماذا ابناء الطبقات المثقفة والثرية تشكل قوة ديناميكية في الحركات القومية المختلفة. في نهاية المطاف المليونير اسامة بن لادن، وليس شخص يمين فقير من ضواحي صنعاء، كان هو مؤسس حركة ارهابية اسلامية. 

كما هو معروف فان التطوير الاقتصادي للضفة وخلق مصادر رزق للسكان الفلسطينيين هي اهداف ايجابية بحد ذاتها. ولكن بينيت يجب عليه الفهم بأن هذا لا يمكن أن يحل محل عملية سياسية ستؤدي الى تقرير مصير قومي. في الوقت الذي لا يوجد فيه لدى الحطابين والسقائين وقت للانشغال بالسياسة فان من سيتمتعون بالاستقلال الاقتصادي سيكون لديهم دافع اكبر للنضال من اجل الاستقلال السياسي. بينيت صرح ايضا بأنه اضافة الى السلام الاقتصادي هو معني بـ “حكم ذاتي شامل” للفلسطينيين. هذا يبدو مثل “الدولة التي في الطريق”، التي احتفل بها الاستيطان العبري في ارض اسرائيل في السنوات الاخيرة للانتداب البريطاني – حكم ذاتي سياسي واقتصادي مكن الحركة الصهيونية من بلورة المؤسسات الوطنية وزيادة الضغط الدولي على بريطانيا لمغادرة فلسطين (ارض اسرائيل).

إن تبني سياسة السلام الاقتصادي والحكم الذاتي الشامل كان سيمكن رئيس حكومة اسرائيلي، الذي هو معني بالتوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين، من دفع حل الدولتين قدما. وهو حتى كان يمكنه القول بأن اسرائيل ستحصل على ميزة اقتصادية مثل كتالونيا واسكتلندا بعد تخفيف عبء سيطرتها على الضفة. المفارقة هي أن رئيس الحكومة الحالي يعارض بشدة فكرة الاستقلال الوطني الفلسطيني، ويعارض انسحاب اسرائيل من الضفة. وهو يجد صعوبة كما يبدو في الفهم بأن حل “نصف الحمل” هو حل غير عملي. واذا كان حقا يستعد لتطبيق برامج الاستقلال الاقتصادي والحكم الذاتي الشامل فان من شأنه أن يتحول الى قابلة قانونية للصيغة الفلسطينية لـ “الدولة التي في الطريق”. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى