أقلام وأراء

صادق الشافعي يكتب – عن اتفاق «فتح» و«حماس» وما بعده

صادق الشافعي – 3/10/2020

في معظم ما نُشر عن وحول اتفاق «فتح» و»حماس» الأخير كان الشك والتخوف حاضرين في أذهان غالبية الناس بدرجات متفاوتة ومتدرجة في القوة.

لهذا الام، سبب مباشر وسريع عنوانه فشل حوالى عشرة اتفاقات سابقة شبيهة بالاتفاق الأخير المذكور، بل وربما أفضل منه تبويبا وتفصيلا ورعاية ومباركة من أنظمة عربية.

كل الاتفاقات المذكورة كانت بنت ظروف لا تقل عدوانية وخطرا عن الظروف الحالية.

وكلها استقبلت من الناس في حينها بالترحاب المقترن بالأمل.

ولكن، كلها فشلت، ولم تصمد ولم تصل الى بر الوحدة وإنهاء الخلافات المستشرية ولم تمنع اتساع الخلافات وتعمقها. ولا فرق بين حصول الفشل في بدايات الانقسام القاتل، أو بعد تعمقه ورسوخه.

وكل فشل راكم شكه وتخوفه الخاص حتى انزرع الشك والتخوف عميقين صدور ونفوس الناس، وباتوا يستقبلون بهما أي اتفاق جديد حتى تثبت مصداقيته.

ولهذا الامر الآن، أسباب غير مباشرة تراكمت عميقة في نفوس الناس ووجدانهم سواء جاء ذلك بشكل عفوي او واع ومدروس.

أساس هذه الأسباب هو وعي الناس واستيعابها لحجم الخلافات القائمة وعمقها الذي وصل الجذور، ولاتساعها وامتدادها لتشمل كل العناوين الحاكمة للنضال الوطني الفلسطيني التي تشكل ضرورات لازمة لكي يصل الى بر الانتصار.

يندمج مع هذه الأسباب في وعي الناس حجم وعمق المصالح والمكتسبات الذاتية التنظيمية (وربما الذاتية الشخصية أيضا) التي تكرست وتعمقت في مناخ الخلاف والانقسام، متوافقة ومنسجمة مع القناعات العقائدية والنظرية، ومع الطموحات السياسية والسلطوية.

هذه المصالح لا يبدو الخروج او التحلل منها سهلا ابداً، بل ربما لا يبدو ممكناً، والخوف الأكبر الا يكون وارداً أصلاً في أذهان وخلفيات أصحابها.

زاد من ثقل هذه الأسباب المباشرة وغير المباشرة ان كل ما صدر عن لقاءات «فتح» و»حماس» واتفاقهما لم يتعرض لها او يلامسها بأي درجة. ولم يقدم أي تصور للتعامل معها.

لقد اقتصر الاتفاق تقريبا على الدعوة للذهاب الى انتخابات عامة تشريعية تتبعها بوقت قصير رئاسية ثم بعد ذلك انتخاب مجلس وطني، على ان يتم كل ذلك خلال ستة أشهر من تاريخه.

كان، ولا يزال، الأفضل ان يسبق الانتخابات اتفاق يقدم تصوراً واقعياً لكيفية الخروج التام من الواقع الانقسامي بكافة تعبيراته وتجلياته ومستوياته، حتى لو جاء هذا الاتفاق على شكل مبادئ عامة او بالخطوط العريضة ليتم، في لقاءات لاحقة وعامة تضم الكل، تطويرها وتفصيلها.

ووجه اتفاق التنظيمين بالاعتراض واللوم من التنظيمات الأخرى بدرجات وتعبيرات مختلفة بسبب الانفراد ووضع الآخرين امام الامر الواقع والخروج عن تقليد مكرس في العمل الوطني الفلسطيني.

لكن لا يزال من المفروض عقد اجتماع قريب لم يحدد موعده بعد للأمناء العامين برئاسة الرئيس، ويفترض ان يقوم بنقاش تفاصيل وإجراءات مبنية على أرضية اتفاق حركتي «فتح» و»حماس»، على أمل ان يتعاطى مع التفاصيل المذكورة أعلاه وغيرها وليخرج باتفاق وطني جدي وواقعي باسم الكل الوطني، وبرسم التنفيذ.

لجهة الاصل والمبدأ فان العودة بالأمور الى الناس اهل الوطن هو الامر الصحيح والسليم تماماً، خصوصا وان المعبر المطروح أساساً لذلك هو انتخابات عامة تتوفر لها النزاهة والديمقراطية وضمان حق الجميع بالمشاركة والتنافس السلمي، والمراقبة المحايدة، ثم يكون التزام الجميع بنتائجها.

ومع ذلك يبقى عدد من الملاحظات والأسئلة حول الانتخابات لابد من إعطاء أجوبة على بعضها، والتفاعل الإيجابي المسؤول مع البعض الآخر، منها:

السؤال حول دولة الاحتلال وموقفها تجاه مبدأ اجراء الانتخابات وعدم منعها او وضع العقبات امام نجاحها.

وتبرز في هذا المجال الأهمية الخاصة للموقف من إجراء الانتخابات المباشرة في القدس المحتلة، وعن الاستعداد لقبول اللجوء الى إجراءات واقعية وحلول تقنية لإجرائها، إذا ما فرضت الظروف القهرية ذلك.

وذلك على قاعدة المبدأ الملزم الذي لا يقبل بانتخابات لا تشارك فيها القدس وأهلها.

والسؤال الثاني، لجهة المبدأ أيضا، فان اعتماد مبدأ التمثيل النسبي الكامل لتقوم عليه الانتخابات هو الخيار الأفضل، خصوصا وانه لا يمنع تشكيل ائتلافات انتخابية من أكثر من جهة (تنظيمات او هيئات او افراد) في قائمة واحدة.

لكن تخفيض نسبة الحسم (بل خسفها) الى 1.5% لا يمكن تفسيره الا كاسترضاء للتنظيمات الصغيرة ولفتح المجال امامها لتبقى موجودة ومشاركة في المجلس التشريعي المنتخب رغم حقيقة انها لا تمثل نسبة من المؤيدين او الناخبين تؤهلها لذلك (3%على الأقل مثلا)، ورغم امكانيتها تحقيق المشاركة عن طريق الائتلاف مع قائمة اخرى ذات ثقل انتخابي او ائتلاف عدد منها في قائمة واحدة.

لكن يبقى الأهم، في هذا المجال، ان ينصب اهتمام خاص على وسائل ومحفزات في النظام الانتخابي أساسا وفي كل التسهيلات القانونية والاجرائية الممكنة لتشجيع أوسع مشاركة في الترشح والانتخاب لأوسع قطاع جماهيري من كافة المنابت والاختصاصات والخلفيات العلمية والفكرية والاقتصادية والنضالية.

ويا حبذا لو ضمت قوائم التنظيمات شخصيات مجتمعية مستقلة من الاختصاصات والخلفيات المذكورة او غيرها.

ويبقى الأهم ايضا، إجراء الانتخابات فعلياً في أكبر عدد من التجمعات الفلسطينية وضمان تمثيل أهل من يتعذر إجراؤها فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى