أقلام وأراء

شجاع الصفدي: لقد قررت حماس أن تحارب (10): بينغ بونغ سياسي

شجاع الصفدي 9-4-2024: لقد قررت حماس أن تحارب (10): بينغ بونغ سياسي

الشهر السابع للحرب، تتمترس حماس خلف اللا خسارة ، يصر قادتها بمنهجية مدروسة أن غزة صامدة، وأن أهداف الحرب لم تتحقق ، أطنان الركام لا تعني انتصارا، عشرات الآلاف من الجرحى والشهداء ليست انتصارا، هنالك مخزون بشري فائض يمكن حرقه في سبيل تحقيق الغايات. 

شهر تلو الآخر و وفود حماس تتنقل ما بين القاهرة والدوحة في زيارات مكوكية، وتبدأ ماكنة الإعلام ببث التسريبات، حول اقتراب الاتفاق، تارة تفاؤل حذر، تارة تعثر، وصياغات متعددة، وقبل نهاية كل حلقة او جولة يكون الخبر: الوسطاء بانتظار رد حماس، ويأتي الرد بالرفض زعمًا بأن الطرح المقدم لا يلبي مطالب “شعبنا”!.

في خضم ذلك يكسب العدو المزيد من الوقت، يكسب شرعية لدخول وتدمير المدن التي لم يتم دخولها بريا، ويحقق صورة النصر المطلق الذي يروّج له طوال الوقت ، ومن ثم تبقى ورقة الأسرى التفاوضية حلقة ضعيفة تحتاج حماس أن تستغلها لإبرام صفقة تحفظ ماء الوجه، لكن حتى ذلك لن يتحقق إذا استمرت حماس بتلك الطريقة الملتبسة، والصفقة ستخرج مشوهة فاقدة المعالم مثل غزة التي فقدت معالمها دون أن تعتبره حماس أمرا فادحا.

في إسرائيل يجيدون لعبة البنج بونج، في الحرب وفي التفاوض وفي السياسة، وفي هذه اللعبة عندما تواجه خصما محترفا تفعل ما بوسعك لتتسارع الضربات وفي نقاط مختلفة ومركزة لتجهد الخصم قدر المستطاع ليخطيء وتحظى بالنقاط كلما أمكن، لكن ذلك يجهد الطرفين وتبقى الغُلبة لمن يحتفظ بطاقته لنهاية المباراة.

اما في حال كان خصمك مبتدئا ، يشتت الضربات فلا تصيب ولا يكسب نقاطا،

يحاول الطرف الأقوى ألا يخسر النقاط ، يترك الخصم المبتديء ليكسِبه نقاطا مجانية من خلال الضربات خارج الطاولة، ثم يضرب الكرة بقوة ليركض الخصم لاهثا لصدّها ، وكلما تمكن من ذلك ابتعدت الكرة أكثر، وازداد اللهاث والخسارة فداحةً .

في هذه الحرب ، يتحمل نتنياهو ضغط الجمهور ، والضربات المشتتة ، وباحترافية يضرب كرته ليطير خلفها الخصم ،وفي أثناء ذلك يكسب الوقت ، يلهي الجمهور والخصم والحكام ، ولا يتعجل مطلقا، لديه ما يفعله ويتجهز لركلة أبعد .

هذا تشبيه اضطراري لصورة ما يجري منذ أشهر، يصر نتنياهو على استكمال النصر المطلق بدخول رفح ومخيمات الوسط ، لكن الضغط والاتهام بعرقلة الاتفاق ، يجعلانه يتهرب من خلال تشتيت الكرة في ملعب حماس، والتي بدورها تمنحه الوقت المطلوب بسبب صعوبة تناقل التحديثات بين قيادات الداخل والخارج، وكلما تأخرت الردود التقط نتنياهو أنفاسه، وكلما أتى الرد المتوقع بالرفض، تحجمت الضغوط وكسب الدعم ليجهز على مزيد من الأهداف ،ويكسب استمرار الائتلاف المهدد بالتفكك من أعضاء اليمين المتطرف .

إذن ما هي مطالب حماس المعلنة؟ 

إعادة الإعمار، فك الحصار، وهي طلبات ممجوجة ملّتها الدول المانحة على مدار سنوات حكم حماس، خراب وتدمير،ثم على الدول المانحة أن تعيد الإعمار !.

أضف على ذلك طلب عودة النازحين والذي استجد في هذه الحرب، بعد أن اضطر أكثر من ثمانين بالمئة من سكان قطاع غزة للنزوح عن منازلهم التي دمرتها آلة الحرب.

آجلا أم عاجلا سوف تغادر إسرائيل محور نتساريم، ويتمكن الناس من العودة، العودة لملايين الأطنان من الركام، دون بنية تحتية، دون أي مقومات للحياة، بينما تتشدد إسرائيل في ذلك الأمر حاليا فقط لأن حماس أعطته أولوية كبرى ،وكأنه نقطة انتصار بارزة!،بينما الواقع أن هذا الشرط فارغ المحتوى ،وسوف يحدث كتحصيل حاصل، لكن طالما يمكن جباية ثمن بتضخيم أهمية هذا المطلب، فلا مانع من جعله مطلبا استراتيجيا تتحفظ عليه إسرائيل .

وبنظرة عقلانية للأمر، أيهما أخطر، محور نتساريم أم محور ميراج مثلا؟ ، انسحبت قوات الاحتلال من خانيونس ، وحتى قبل انسحابها كان التنقل بين رفح والمنطقة الوسطى متاحا ، والآن أصبح يمكن لأي شخص في رفح من سكان خانيونس أن يعود لمدينته، أو النزوح إليها إن كان من غزة، ويمكن نقل أي شيء وأي شخص ما بين تلك المناطق، فهل يعقل أن إسرائيل لا تدرك ذلك؟، بل تدركه ولكنها تخلط الأوراق، لا شيء يمنع تقدم الدبابات مجددا في أي وقت ،بات ذلك حقا مشروعا بالنسبة لهم ،ولم يعد هنالك أي خشية من التقدم في أي محور لتنفيذ مهام جراحة موضعية، وعلاوة على ذلك تخفيض عدد النازحين في رفح لأقل مستوى متاح، بما يتيح المناورة بعدم تفريغ رفح بالكامل، واتباع السياسة التي استخدمتها في مخيم النصيرات من قبل، بحيث تطلب من مربعات سكنية محددة أن تتجه غربا أو شمالا، وتتقدم في تلك المناطق وتنفذ مهاما تدميرية هائلة ،تجعل رفح تتساوى مع شقيقاتها من مدن القطاع، ويتحقق بذلك مصطلح دخول رفح والنصر المطلق، وقد يتكرر ذلك في الوسط بذات الطريقة، وهذه السيناريوهات فعليا لا تحمل أي منجز عسكري جديد ، لكنها نقاط سياسية هامة بالنسبة لنتنياهو ، ولا يمكنه كسبها دون أن يجبر حماس على منحه الوقت لتحقيقها، وذلك من خلال طروحات تحظى بالرفض المسبق .

أما عند تناول مطالب حماس غير المعلنة، فقد تناولت ذلك في مقالات سابقة، حماس تريد أن تبقى يدها الطولى في أي قرار، ورغم تقويض حكم حماس المؤسساتي ،فإن حماس تطرح الفوضى بديلا حاضرا بقوة كرسالة للعالم أجمع، وهي مقتنعة تماما أن السلطة لن يتاح لها العودة لحكم غزة دون اتفاق مباشر مع حماس، وهكذا تتعامل حماس أنها ليست في عجلة من أمرها، سواء استمر أو اكتمل تدمير القطاع ،ذلك لن يشكل فرقا، طالما سوف يتم إعادة إعماره آجلا أم عاجلا، وطالما هناك مقدرة مستدامة على قلب الطاولة على أي طرف لا يمر من خلالها، فلا يهم كم تستغرق الحرب من وقت ، الخسائر وقعت، وزيادتها ليست كارثة، الخراب فادح فما الذي يضير في المزيد منه طالما سوف يتم إعماره !.

الوقت بنظر حماس يختلف عنه في نظر الشعب، حماس تلعب بالوقت كمكسب، والشعب يخسر الوقت عمرًا و دمًا .

وفي غمار ذلك تجري المفاوضات ويركض الوسطاء وينزعج العالم معتقدا أن حر.با إقليمية قد تندلع، لكن الحقيقة أن ذلك مجرد فزاعة ، و غزة وحدها دفعت الثمن باهظا ، وفي انتظار أن تلقي حماس كرة صائبة يبقى الحال الذي تريده إسرائيل في غزة ، الحرب اللا حرب ، لتبقى كما كانت على مدار سنوات ، الساحة الخلفية لحسم صراعات الساسة الإسرائيليين .

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى