أقلام وأراء

سنية الحسيني تكتب – مفاجآت نتنياهو قبل الانتخابات

بقلم سنية الحسيني – 25/2/2021

في الثالث والعشرين من آذار المقبل، تخوض إسرائيل غمار انتخابات مبكرة هي الرابعة خلال عامين، إن فشلت في حسم المشهد السياسي قد تنزلق البلاد إلى انتخابات خامسة. وتأتي هذه الانتخابات كاستفتاء على شخص بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الأطول عمراً على رأس السلطة في إسرائيل، اذ ليس هناك من منافس فعلي له فيها لكن هناك من لا يريده أن يبقى لولاية جديدة. وتعكس نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة المتأرجحة حالة من عدم القدرة على التنبؤ بنتائجها لم تشهدها انتخابات إسرائيلية سابقة. وجاء إعلان المحكمة المركزية الإسرائيلية يوم الإثنين الماضي عن استئناف محاكمة نتنياهو بقضايا فساد بعد أسبوعين فقط من اجراء تلك الانتخابات لتزيدها تعقيدا، وترفع من درجة حساسيتها كقضية مصيرية بالنسبة لنتنياهو.
ويعتبر نتنياهو أول رئيس وزراء إسرائيلي توجه اليه اتهامات رسمية وهو في منصبه بقبول هدايا ومنح تسهيلات لجهات إعلامية مقابل الترويج له. وتعكس العديد من المواقف والسياسات التي أقدم عليها نتنياهو خلال الأيام الأخيرة مساعيه لضمان بقائه في السلطة لحشد مزيد من الأصوات لصالحه. هل ستشهد الأيام القليلة القادمة مزيداً من المفاجآت من قبل نتنياهو؟
تحسم هذه الانتخابات بشكل أساسي بعدد المقاعد التي سيحصدها نتنياهو من خلال حزب الليكود الذي يقوده، ثم بعدد المقاعد الذي سيجنيها حلفاؤه، اذ يحتاج نتنياهو ليتمكن من تشكيل الحكومة المقبلة إلى ٦١ مقعداً في الكنيست. ورغم تفوق حزب الليكود شعبياً دون منازع، إلا أنه يحتاج للفوز بثلاثين مقعداً على الأقل كي يستطيع تشكيل الحكومة القادمة. وكانت جميع الاستطلاعات السابقة قد أكدت على استمرار تفوق نتنياهو وحزبه على منافسيه، لكن دون قدرته على تشكيل الحكومة.
ويضم حلف الليكود في الأساس كلا من الحزبين المتدينين (الحريديين) شاس ويهدوت هتوراة بالإضافة إلى الاتحاد الوطني، حيث يصل ما قد يحصلوا عليه من مقاعد مجتمعين حوالي العشرين. ومن المرجع أن ينضم حزب يمينا بقيادة نفتالي بينيت إلى الليكود في حال حصوله على الأصوات التي تؤهل رئيسه لتشكيل الائتلاف الحكومي، ويصل عدد مقاعده المحتملة ما بين ١١ و١٢ مقعدا. كما يتطلع نتنياهو لامكانية أن يتجاوز حزب أزرق أبيض بقيادة بيني غانتس وزير الجيش وشريكَه في الحكومة الحالية نسبة الحسم، ويحصل على أربعة أو خمسة مقاعد ليضمه إلى إئتلافه في حال فوزه.
وساهم نتنياهو في تشكيل الاتحاد الوطني بزعامة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وذلك من خلال اندماج الحزب الجديد «العظمة اليهودية» وحزب «نوام» المناهض للمثلية الجنسية. وتلتزم حركة شاس برئاسة ارييه درعي بشكل كبير بتحالفها مع نتنياهو، في حين يعاني يهودوت هتوراة رغم تحالفه مع نتنياهو من انقسامات داخلية بين أغودات يسرائيل وديغل هتوراة، بما قيد يؤثر في لحظة ما على هذا التحالف. ويرتبط حاييم كنيبسكي زعيم حزب ديغل هتوراة بعلاقة ودية مع جدعون ساعر الذي انفصل مؤخراً عن الليكود وشكل حزباً منفصلاً، الأمر الذي قد يعني إمكانية تحالفه في النهاية مع من يفوز منهم في الانتخابات. وتكمن صعوبة المعادلة في أن الأحزاب الرئيسية التي تنافس الليكود على عدد الأصوات تتنافس في إطار نفس الشريحة الانتخابية اليمينية في إسرائيل. وينافس الليكود على نفس الأصوات كل من حزب «أمل جديد» برئاسة ساعر، وحزب «هناك مستقبل» برئاسة يائير لبيد، وحزب يمينا برئاسة نفتالي بينيت.
وفي حين يؤكد ساعر عدم نيته الانضمام إلى تحالف بقيادة نتنياهو، ويعد لبيد من أشد خصوم نتنياهو، يميل بينيت إلى الارتباط بنتنياهو لأنه يطمح لقيادة المعسكر اليميني من بعده. ورغم ذلك ليس هناك في السياسة ثوابت ويمكن لأعداء اليوم أن يصبحوا حلفاء الغد من أجل مصالحهم، خصوصاً وأن ساعر ولبيد وبينيت لم يتفقوا فيما بينهم حتى الآن على شخصية رئيس وزراء البديل لنتنياهو في حال عدم قدرته على تشكيل الحكومة. وكرر افيغدور ليبرمان زعيم الحزب اليمني «يسرائيل بيتنا»، منذ انتخابات شهر نيسان عام 2019، رفضه الانضمام لتحالف بقيادة نتنياهو. وحتى الآن لا يستطيع تحالف بقيادة لبيد، الذي يرجح حصول حزبه على ١٨ مقعداً تقريباً، تشكيل حكومة ائتلافية مع ساعر ذي الـ ١٤ مقعداً متوقعة، وليبرمان ذي السبعة مقاعد متوقعة، بالإضافة إلى المتأرجحين بينيت وغانتس، إن اجتاز الأخير نسبة الحسم. ومن غير المتوقع انضمام حزب العمل إلى ذلك التحالف، كما يستبعد انضمام كل من حزب ميرتس والقائمة المشتركة والقائمة العربية الموحدة، في حال تجاوزت الأخيرة نسبة الحسم.
يستخدم نتنياهو جميع الأوراق الممكنة التي تضمن حشد أصوات الناخبين لصالحه بما يضمن بقاء تربعه على سده الحكم. في الخامس عشر من الشهر الجاري، ظهر نتنياهو في مقابلة متلفزة مع القناة الثانية عشرة الإسرائيلية، في أكثر البرامج الإخبارية متابعة، حيث ركز خلالها على برنامج التطعيم الذي تبنته حكومته مبكراً، والذي أعطى لإسرائيل فرصة لعبور الجائحة بشكل أسرع مقارنة بغيرها من الدول. وينوي نتنياهو استضافة رئيس شركة فايزر في إسرائيل قبل أسبوعين من الانتخابات للإعلان في جو احتفالي عن هذا النجاح. وفي الأسبوع التالي لمقابلة نتنياهو المتلفزة، بحثت الحكومة المرحلة المقبلة من التسهيلات ورفع القيود للخروج من الإغلاق الذي فرضته للحد من انتشار فيروس كورونا، في ظل التراجع في معدلات الإصابة، والتي يبدو أنها ستكون أيضاً قبل أيام معدودة من يوم الانتخابات، لتجد صداها في صناديق الاقتراع.
في التاسع عشر من الشهر الجاري، نجح نتنياهو في انجاز صفقة تبادل مع النظام السوري بوساطة روسية، أعادت خلالها إسرائيل راعيي أغنام سوريين، كما أفرجت عن الأسيرة نهال المقت، في حين رفض الأسير ذياب قهموز الإبعاد إلى دمشق. وسارع الإعلام الإسرائيلي للكشف عن وجود أثمان أخرى لم يعلن عنها وراء تلك الصفقة. وبالفعل أعلن مسؤول إسرائيلي عن تمويل إسرائيل شراء لقاحات «سبوتنيك» الروسية لصالح سورية، في إطار تلك الصفقة. كما باشرت القوات الروسية البحث عن رفات جنود إسرائيليين في مخيم اليرموك، حيث أكدت صحيفة معاريف عثور تلك القوات على رفات الجاسوس الاسرائيلي ايلي كوهين، وقد تأتي الموافقة على نقلها إلى إسرائيل قريباً، الأمر الذي سيشكل نصراً لنتنياهو في ظل حملته الانتخابية الآنية. كما قد تفتح تلك الصفقة الطريق أمام مزيد من التواصل بين سورية إسرائيل عبر الوساطة الروسية. وهذه ليست صفقة التبادل الأولى بين إسرائيل وروسيا بوساطة روسية.
في العشرين من الشهر الجاري، طلبت إسرائيل من مصر التدخل لإنجاز صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، التي اشترطت اجراء تسهيلات في ملفي الصيد والميناء والإفراج عن أسرى فلسطينيين. في العام الماضي فشلت مبادرة مشابهة جاءت بايعاز من يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في قطاع غزة، حيث أصرت الحركة على ضرورة اطلاق سراح قيادات رئيسة في الأسر، بينما رفضت إسرائيل تحرير من قتلوا منهم إسرائيليين، وعرضت تحرير أسرى وزيادة المساعدات الطبية الإسرائيلية إلى قطاع غزة، لمواجهة وباء كورونا، ووافقت على بناء مشاريع اقتصادية في القطاع أيضاً. وكان الطرفان قد توصلا إلى اتفاق مشابه بوساطة مصرية عام ٢٠١١، تم بموجبه إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت مقابل تحرير ١٠٢٧ أسيراً فلسطينياً من سجون الاحتلال. وقد تكون الفرصة الآن مواتية أكثر من أي وقت سابق لانجاز مثل هذا الاتفاق الذي قد يمنح نتنياهو ورقة إضافية في الانتخابات المقبلة، كما قد يمنح حركة حماس ذات الورقة في الانتخابات الفلسطينية القادمة، إن اكتملت.
سعى نتنياهو مؤخراً إلى التقرب من المجتمع الفلسطيني في إسرائيل لدواع انتخابية، في ظل التصدع في القائمة العربية المشتركة وتبعثر أصوات مؤيديها، ومن الممكن أن ينضم إلى حلفه حزبي يمينا وأزرق أبيض، رغم خلافات نتنياهو مع قائدي الحزبين. وأظهر أحدث استطلاع للرأي في إسرائيل، والذي أجرته قناة «كان» العبرية، ونشر يوم الاثنين الماضي، حصول المعسكر المؤيد لنتنياهو على ٦٢ مقعدا بالكنيست، في الانتخابات المقبلة، ما يؤهله لتشكيل الحكومة، فهل تشهد الأيام القادمة مزيداً من التحركات لنتنياهو والتي يمكن أن تترجم في صناديق الاقتراع؟ وفي جميع الحالات ينتظر الفلسطينيون حكومة بقيادة يمينية لن تغير كثيراً في شروط اللعبة مع الفلسطينيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى