أقلام وأراء

سنية الحسيني تكتب – فلسطين ٢٠٢١ … نور في آخر النفق

سنية الحسيني – 14/1/2021

لم يكن العام ٢٠٢٠ عاماً سهلاً على العالم الذي ضرب عن بكرة أبيه بفيروس حصد أرواح حوالي مليوني شخص، وأصاب أكثر من تسعين مليون شخص آخرين، إلا أن فلسطين وأهل فلسطين واجهوا بالإضافة إلى الفيروس القاتل، الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وإجراءاته التي تركت آثاراً لا تقل بشاعة عن الآثار التي تركها ذلك الفيروس.

كان العام ٢٠٢٠ العام الأخير في حقبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي تلقت القضية الفلسطينية خلال عهده ضربات صعبة. لم يكن عهد ترامب وحده الفترة العصيبة الوحيدة التي مرت بالفلسطينيين، فالعقدان الأخيران أيضاً كانا محملين بأحداث تركت آثاراً سلبية على القضية الفلسطينية وساهمت باختلال عدد من معطياتها، لم يكن الاحتلال وحده مسؤولا عنه، فلعب العامل المحلي والإقليمي دوراً مهماً في ذلك الاختلال.

هل يمكن أن يحمل العام ٢٠٢١ للفلسطينيين بمعطياته الجديدة والتي بدأت في التبلور بالفعل نورا في آخر النفق؟  

حمل العقدان الأخيران من عمر القضية الفلسطينية العديد من الأحداث التي أضرت بمعطياتها، وأحدثت اختلالاً في موازينها. وقد يكون فشل محادثات كامب ديفيد العام 2000، أول تلك الأحداث ومن بين أهمها، بعد أن كشف أن اتفاقيات أوسلو لم تكن بداية لحل القضية الفلسطينية، وإنما بداية لمرحلة جديدة من مراحل الصراع مع الاحتلال. كان الانقسام الفلسطيني العام ٢٠٠٧ الحدث الثاني والأكثر أهمية وضرراً على القضية الفلسطينية، بعد أن كشف عن مدى هشاشة الواقع الفلسطيني في ظل صراع أقطابه، في فترة كان يفترض أن توجه للحشد والتماسك لمواجهة مرحلة الصراع الجديدة مع الاحتلال. وجاء انفجار ما سمي الثورات العربية في مطلع العقد الماضي ليضيف عاملاً سلبياً جديداً على معطيات القضية الفلسطينية، فلم تتسبب تلك الثورات بإضعاف شعوبها وانهاك قوى دولها فقط، والتي يشكل تماسكها عاملاً من عوامل القوة  للفلسطينيين، بل انشغلت تلك الدول والشعوب بهمومها، ونسيت معاناة الفلسطينيين، بل ركز العالم على تطور تلك الثورات على حساب اهتمامه بالقضية الفلسطينية التي انتقلت إلى ذيل بنود أجنداته.

قد يكون ترامب أكثر من ترك بصماته السلبية على القضية الفلسطينية مقارنة بغيره من الرؤساء الأميركيين الذين لم يتجرأ أي منهم على التنكر لتاريخ الفلسطينيين وللقوانين الدولية من أجل إسرائيل. بشراكته مع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، نجح ترامب في خلق معطيات جديدة في إطار القضية الفلسطينية، جاء أولها من خلال قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعتبار القدس العاصمة الموحدة لإسرائيل. ليس لهذا القرار أي تبعات أو أثر قانوني، لكن نتجت عنه آثار سياسية، إذ إنه حفز دول أخرى أو تحت وطأة ضغوط عليها قامت بتقليدها، ومن غير المتوقع أن تتراجع الولايات المتحدة عن هذا القرار في عهد الرئيس الجديد جو بايدن. نجح ترامب من خلال خطته للسلام والتي عرفت بصفقة القرن بفرض معطيات جديدة على القضية الفلسطينية. وعلى رغم من عدم أهميتها كخطة وانعدام لأي تأثير قانوني لها، إلا أنها وضعت فكرة ضم مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة على الطاولة رسمياً. صحيح أن ترامب سيغادر بعد أيام وستغادر معه خطته، لكن فكرة الضم نفسها لم تغادر بعد، فخطة الضم لم تعد تتبناها حكومة نتنياهو وحزبه فقط، بل أيضاً معظم الأحزاب اليمينية الإسرائيلية الأخرى. ولا ينفصل موقف حكومة إسرائيل، اليوم، من الضم عن مواقفها وسياساتها الفعلية والتي راعت الاحتفاظ بثلثي أراضي الضفة الغربية تحت سيطرتها الفعلية الكاملة وفق اتفاقيات أوسلو، وتركزت سياساتها على بناء المستوطنات وتوسيعها وربطها بالمدن الإسرائيلية ونقل المستوطنين إليها، فجاءت خطة ترامب لتكشف فقط عن الوجه الحقيقي للاحتلال ونواياه بشكل صريح.

“شرعت” إدارة ترامب المستوطنات في الضفة الغربية، معتبرة أن تلك المستوطنات لا تشكل مخالفة للقانون الدولي. وليس لقرار الولايات المتحدة أي أثر أو أهمية قانونية وحتى سياسية، إلا أن نتنياهو استغل السنوات الأربع من عمر هذه الإدارة في ترسيخ الاستيطان، فكانت خلالها نسبة تمدده الأكبر في تاريخ عمليات الاستيطان في الأراضي المحتلة. ضغط ترامب وإدارته على أربع دول عربية بالترهيب والترغيب لضمان توقيع إسرائيل على اتفاقيات تطبيع معها. ولهذه الاتفاقيات أثر سياسي سلبي على الفلسطينيين، الذين طالما تحصنوا بالدعم والسند العربي لهم ولقضيتهم. وتعتبر ورقة الدعم العربي ورقة مهمة في يد الفلسطينيين لتقوية موقفهم التفاوضي مع دولة الاحتلال. لم تنجح إسرائيل تماماً في سلب هذه الورقة المهمة من يد الفلسطينيين، فالواقع العربي يفصح عن حقيقة مخالفة. لا تزال جميع الشعوب العربية دون استثناء تؤمن بحق الفلسطينيين المطلق في أرضهم، وأثبتت تجربة التطبيع مع مصر والأردن عدم نجاحها في تحقيق الاختراق المطلوب رغم كل هذه السنوات من التطبيع، تماماً كما أثبت رفض الشعبين السوداني والمغربي لقرار حكومتيه الخاص بالتطبيع.

اليوم، وفي مطلع هذا العام، يقف الفلسطينيون على أعتاب مرحلة جديدة بدأت بالتوافق لإجراء الانتخابات وتحقيق المصالحة، تنهي سنوات طويلة عجافا وترتب البيت الفلسطيني، لتبث بذلك أول تباشير الأمل. في الولايات المتحدة، انتخب الشعب الأميركي رئيساً ديمقراطياً ومجلسي نواب وشيوخ ديمقراطيين. ويدعم أعضاء الحزب الديمقراطي عملية السلام وحل الدولتين عموماً، ويعارضون بشكل عام سياسة الاستيطان. وتدعم دول الاتحاد الأوروبي عموماً عملية السلام وحل الدولتين، رغم تباين مستوى دعم تلك الدول للقضية الفلسطينية. وشكل خروج بريطانيا من الاتحاد، وهي أحدى الدول المتشددة في مواقفها ضد الفلسطينيين، إلى تزايد قوة تلك المجموعة الأكثر دعماً للفلسطينيين. وهدد الاتحاد الأوروبي إسرائيل، لأول مرة في تاريخه، بفرض عقوبات عليها إن أقدمت على تنفيذ مخطط الضم. كما ألغت محكمة العدل الأوروبية الابتدائية في لوكسمبورغ العام ٢٠١٩ قرار إدراج حركة حماس وجناحها العسكري في قوائم الإرهاب.

لا يزال في يد الفلسطينيين العديد من أوراق القوة، على رأسها الإيمان العربي والإقرار الدولي بحقهم العادل في وطنهم. ومنحت دول العالم فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة العام ٢٠١٢، وهي صفة قانونية مهمة تقر بحق الفلسطينيين القانوني فوق أرضهم ضمن حدود العام ١٩٦٧، وتعطيهم قدرة التحرك القانوني كدولة تحت الاحتلال في المحافل الدولية المختلفة. ويحتاج الفلسطينيون في هذه المرحلة لاستكمال مسيرتهم السياسية والدبلوماسية بشكل أكثر منهجية وتنظيم، وبالتعاون مع الدول العربية المختلفة، خصوصاً دول الخليج العربي، فالفلسطينيون وحدهم لن يستطيعوا الالتفاف على ما حققته إسرائيل من اختراقات دبلوماسية وتجارية مع دول العالم خلال السنوات الماضية. ومن المرجح أن تسعى الولايات المتحدة لإحياء عملية سلمية وتفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلا أن الوساطة الأميركية لم تعد مقبولة بشكل عام للفلسطينيين، فالرؤساء الأميركيون وحتى الديمقراطيون منهم، لم يساعدوا في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي واكتفوا بإدارته، تلك الفترة من إدارة الصراع مكنت إسرائيل من تغيير الكثير على الأرض.  

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى