أقلام وأراء

سنية الحسيني تكتب تطورات مجريات الانتخابات الرئاسية الإيرانية وتأثيراتها المحتملة

سنية الحسيني – 10/6/2021

تكمن أهمية الانتخابات الرئاسية الإيرانية الثالثة عشرة، والمزمع عقدها في الثامن عشر من الشهر الجاري، في أنها قد تساهم في تحديد المرشد الأعلى في البلاد، وبالتالي التوجهات السياسية المركزية لإيران خلال عقود قادمة.

كما تأتي هذه الانتخابات في إطار معترك تفاوضي معقد بين إيران والولايات المتحدة، قد يساهم أيضاً في تحديد مستقبل التنافس بين البلدين في منطقة الشرق الأوسط، انطلاقاً من موقعهما ومكانتهما المهمة فيها.

وعلى الرغم من أن الرئيس في النظام السياسي الإيراني لا يمتلك صلاحيات صنع القرار المركزي في البلاد، إلا أنه يعكس توجهات النظام خصوصاً في سياسته الخارجية.

ومن المعروف أن المرشد الأعلى في إيران يميل نحو التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة، يزيح عن كاهل البلاد عبء العقوبات الاقتصادية، والتي جاءت بقيادة وتوجيه من الولايات المتحدة، منذ نجاح الثورة الإسلامية وصعودها إلى صدارة النظام السياسي الإيراني العام ١٩٧٩، وتفاقمها بشكل كبير مطلع الألفية الجديدة بحجة تطورات الملف النووي الإيراني.

ويبدو أن قيادة النظام السياسي في إيران تتجه بشكل جلي نحو تثبيت التوجه المتشدد على حساب المعتدل للتحكم في مفاصل البلاد المختلفة التنفيذية والتشريعية والقضائية، خصوصاً بعد فشل المعتدلين في إحداث اختراق حقيقي في ملف العقوبات المفروضة على إيران خلال ولايتي الرئيس المعتدل حسن روحاني.

نحج مجلس صيانة الدستور في قراره الأخير بحصر التنافس في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد ثمانية أيام، بين سبعة مرشحين فقط من بين ٥٩٢ مرشحاً، خمسة منهم محافظون، في إبراز توجه قيادة النظام لاختيار إبراهيم رئيسي رئيساً قادماً لإيران.

واستبعد المجلس بذلك غالبية المرشحين المعتدلين، خصوصاً الأكثرهم شعبية مثل علي لارجاني، كما استبعد أيضاً محافظين يمكن أن يشكلوا منافساً لرئيسي بسبب شعبيتهم أيضاً مثل الرئيس السابق أحمدي نجاد.

وإذا نجح رئيسي ذو الـ ٦٠ عاماً ورئيس السلطة القضائية الحالي، في الوصول إلى كرسي الرئاسة، يكون قد أمن لنفسه ظروفاً شبيهة بتلك التي أوصلت خامئني المرشد الحالي الأعلى للبلاد لمنصبه العام ١٩٨٩، ومدعوماً من المؤسسة العسكرية، تماماً كما تدعم هذه المؤسسة رئيسي اليوم، بالإضافة إلى دعم خامئني له.

وعلى الرغم من دعوات خامئني للشعب الإيراني في عيد النيروز لمشاركة شعبية واسعة في الانتخابات الرئاسية، معتبراً أنها انتخابات مصيرية، إلا أن توقعات استطلاعات الرأي تشير إلى انخفاض نسبة المشاركة الشعبية فيها إلى أدنى مستوياتها.

ذلك الانخفاض المتوقع في مستوى المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة يذكرنا بنسبة المشاركة الشعبية الفعلية المتدنية للغاية والتي جاءت في الانتخابات البرلمانية لمجلس الشورى الإيراني مطلع العام الماضي، والتي أنتجت مجلساً تشريعياً جل أعضائه من المحافظين.

وجاء انخفاض نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية العام الماضي في أعقاب قرار مجلس صيانة الدستور بإقصاء مشاركة مئات المرشحين معظمهم من المعتدلين.

نجح مجلس الشوري الحالي في إجراء تعديل دستوري مهم يسمح للرؤساء السابقين والوزراء ونوابهم وأعضاء مجلس الشورى وأعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام وأعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي والقادة العسكريين السابقين والحاليين بخوض الانتخابات الرئاسية، ملزماً العسكريين فقط بالاستقالة من مناصبهم قبل ستة أشهر من خوضها. إن ذلك من شأنه فتح المجال واسعا أمام السماح بوصول العسكريين إلى منصب الرئيس، وهو توجه غير مألوف من قبل إيران.

ويبدو أن القيادة الإيرانية لا تنوي التوصل إلى إتفاق مع الولايات المتحدة حول استعادة الاتفاق النووي قبل وصول الرئيس الجديد إلى منصبه.

إن ذلك يعد مؤشراً على أن المرحلة القادمة من محادثات فيينا التي بدأت في الأسبوع الأول من شهر نيسان الماضي، بين إيران ومجموعة ٤+١ (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) وبشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة، بهدف إحياء الاتفاق النووي، لن تكون سهلة.

وفي الحقيقة لم تسفر هذه المحادثات، رغم مرور خمس جولات تفاوضية عن نتائج ملموسة، باستثناء نجاحها حتى الآن بإحراز نتيجتين إيجابيتين.

تتمثل النتيجة الأولى في التوصل إلى اتفاق مؤقت بين إيران ووكالة الطاقة النووية، مدته ثلاثة شهور، يسمح لمفتشي الأمم المتحدة بمواصلة عملهم الميداني، بعد أن علقت إيران التطبيق الطوعي لبروتوكول معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

ويسمح الاتفاق المؤقت للوكالة الدولية بمراقبة المنشآت النووية الإيرانية بالكاميرات، لكن دون أن يتم تسليم أي من التسجيلات إلى الوكالة لحين بعد التوصل لاتفاق مع واشنطن.

وتم تجديد ذلك الاتفاق لشهر إضافي، إذ ينتهي العمل به في ٢٤ من الشهر الجاري.

وكما هو واضح أن هذه النتيجة محكومة بالتوصل إلى اتفاق بين إيران وواشنطن، وإلا تعتبر كأنها لم تكن.

تأتي النتيجة الإيجابية الثانية في التوصل إلى مسودة اتفاق حصرت القضايا الخلافية ووضعت بدائل لحلول حولها.

وقد يكون من أهم المشاكل التي ركزت عليها المسودة إصرار إيران على ضرورة رفع جميع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب بعد ٢٠١٨ بما فيها تلك التي لا تتعلق بالملف النووي، وهو الأمر الذي وعدت الولايات المتحدة بالنظر فيه، رغم أنها لم تقبل رفع جميع تلك العقوبات الجديدة، وتشترط بأن تبدأ إيران بالتراجع أولاً.

كما يعتبر إصرار واشنطن على تدمير أجهزة الطرد المركزي الحديثة، بدلاً من تخزينها كما جرى في أعقاب توقيع الاتفاق مع إدارة أوباما، مشكلة لم يتفق حولها الطرفان بعد.

كما تصر واشنطن على دمج قضايا تتعلق بردع قدرة إيران في إطار الصواريخ البالستية وتدخلاتها في منطقة الشرق الأوسط في إطار الاتفاق، وإجرائها بالتوازي مع المحادثات النووية، وهو ما ترفضه إيران.

كما طرحت إيران نوعا جديدا من البنود بهدف ضمان عدم انسحاب واشنطن مستقبلياً من الاتفاق كما فعل ترامب.

يبدو أن المشهد يزداد تعقيداً في ظل عدد من الحقائق أولها إصرار الولايات المتحدة على عدم رفع أي من العقوبات عن إيران، إلا بعد التأكد من امتثالها أولاً لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، بما في ذلك فيما يتعلق بمستوى وحجم أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، وضرورة موافقة خامنئي على التدمير الكامل للتقدم العلمي النووي بدلاً من إيقافه مؤقتاً كما جرى سابقاً.

ونشير هنا إلى تأكيدات رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي قال إن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة، وصفها بالمتطورة والقريبة من المستوى المطلوب لصنع أسلحة.

وكانت إيران قد صرحت مؤخراً بأنها رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ٦٠ %.

وأفاد التقرير ربع السنوي للوكالة الدولية بأن مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب بات يتجاوز ١٦ مرة الحد المسموح به بموجب الاتفاق الدولي الذي تم توقيعه العام ٢٠١٥.

كما أشارت التقارير التي رفعها غروسي إلى وجود آثار ليورانيوم مخصب في ثلاثة مواقع نووية إيرانية، ولم تقدم إيران تفسيراً لذلك.

ليس خفياً أن الولايات المتحدة وإيران بحاجة إلى التوصل إلى اتفاق يضمن للأولى كبح جماح إيران النووي والعسكري والتدخلي، بينما يضمن للثانية التخلص من عبء العقوبات والمقاطعة الأميركية والغربية.

وفيما يبدو أن السياسة التي اتبعتها إيران خلال فترة الشهور القلقة الماضية اعتمدت على سياسة المماطلة من أجل فرض أمر واقع جديد، لكن دون أن تخسر الغرب، بما يمهد الطريق لحكومة أكثر صلابة لتمسك بدفة المفاوضات ضمن معطيات جديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى