أقلام وأراء

سميح صعب: هل غيّرت قمّة طهران خطط أردوغان؟

سميح صعب 22-07-2022

لم يعطِ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال قمة طهران التي جمعته مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أي تعهد بصرف النظر عن العملية العسكرية التي يستعد لها في مدينتي منبج وتل رفعت في ريف حلب.

ربما المرة الأولى التي تكون فيها كل من الولايات المتحدة وروسيا في حاجة ماسة إلى استقطاب تركيا إلى صفها، في المواجهة الشاملة التي تخوضها القوتان النوويتان بهذه الشراسة للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة.

يطالب أردوغان بثمن كبير من أميركا لعدم شن عمليته العسكرية الجديدة في سوريا. كما أنه يريد ثمناً مماثلاً من روسيا كي يعزف عن خططه العسكرية التي من شأنها خلط الأوراق على الساحة السورية، في وقت تنشغل روسيا بكليتها بالحرب في أوكرانيا.

وعد بايدن أردوغان بتسهيل حصول تركيا على صفقة مقاتلات “إف-16″، وعلى عودة العلاقات الأميركية – التركية إلى ما كانت عليه في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي كان معجباً بأردوغان، على عكس بايدن الذي لم يتوان قبيل دخوله البيت الأبيض عن وصف أردوغان بـ”المستبد”، ودعا إلى مساعدة المعارضة التركية على مواجهته.

لقد أرغمت الحرب الروسية – الأوكرانية بايدن على طي هذه الصفحة مقابل رفع الفيتو التركي عن انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي تعتبره واشنطن مكسباً جيوسياسياً للغرب في مواجهة روسيا.

أما بوتين فقد عهد إلى أردوغان بدور الوسيط في أزمة الحبوب التي تطرق أبواب العالم وتهدد الملايين بالموت جوعاً، بعيداً من خطوط الجبهة في أوكرانيا. ومنح أنقرة دور الوسيط في مسألة دولية بهذه الحيوية للأمن الغذائي العالمي، يتوخى منه بوتين أن يلغي أردوغان عمليته العسكرية في سوريا، التي من شأنها أن تضعف دمشق في وقت روسيا غير قادرة على تقديم الدعم العسكري الذي كانت تقدمه في السنوات الماضية للحكومة السورية.

وللمرة الأولى تتدخل إيران علناً لدى تركيا وتطلب منها عدم شن عملية عسكرية في سوريا، من شأنها زعزعة الاستقرار في المنطقة، على حد ما قال مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي خلال استقباله الرئيس التركي.

ورغم المعارضة العلنية التي تبديها الولايات المتحدة وروسيا وإيران لتوغل تركي جديد في الشمال السوري، فإن لأردوغان حساباته الداخلية الملحة قبل أقل من عام على موعد الانتخابات الرئاسية. إن إعادة مليون لاجئ سوري من تركيا من شأنه أن يحسّن من صورة أردوغان في الداخل، في وقت يتراجع فيه الاقتصاد وتهوي الليرة التركية إلى مستويات غير مسبوقة في مقابل الدولار.

الحسابات الرئاسية لدى أردوغان قد تطغى على ما عداها من حسابات، وتجعله يتجاوز اعتراضات روسيا وأميركا وإيران، ويمضي في إنشاء “منطقة آمنة” بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية. وهذه “المنطقة الآمنة” سيعاد توطين مليون لاجئ سوري فيها.

وقد يكون الرئيس التركي على اقتناع بأن لا روسيا ولا أميركا ولا إيران قادرة على الذهاب بعيداً في مناوأة تركيا، حتى ولو شنت عمليتها العسكرية، وذلك انطلاقاً من حاجة القوى الثلاث إلى أنقرة في هذه الظروف الجيوسياسية المتقلبة.

وهذا هو الرهان الذي يبني أردوغان سياساته عليه، بما يجعله في موقع لا يلزمه قطع تعهد لأي من القوى الثلاث بعدم التوغل مجدداً في الشمال السوري.

وفي مثل هذه البيئة السياسية المثالية بالنسبة إلى تركيا، لن يستعجل أردوغان إلغاء العملية العسكرية، التي بدأت تعود عليه بالمكاسب حتى قبل أن تبدأ.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى