أقلام وأراء

سميح صعب: هل تعمل أوكرانيا على توريط أميركا في الحرب؟

سميح صعب 14-12-2022م: هل تعمل أوكرانيا على توريط أميركا في الحرب؟

مع تكرار الهجمات الأوكرانية على الأراضي الروسية، والتي كان أبرزها الأسبوع الماضي قصف قاعدتين جويتين إحداهما تتمركز فيها قاذفات استراتيجية، بدأ القلق يساور الغرب الذي يدعم كييف عسكرياً، حيال احتمال أن تؤدي هذه الهجمات إلى تصعيد غير محسوب في الحرب الروسية – الأوكرانية وجرّ أطراف أخرى إلى التورط فيها.

وانطلاقاً من هذه الخشية، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً أعلنت فيه صراحة أنها لا تشجع كييف على شن هجمات داخل الأراضي الروسية. وترافق ذلك مع إعلان البنتاغون أن الولايات المتحدة أدخلت تعديلات على راجمات الصواريخ الأميركية من طراز “هيمارس” التي زوّدت أوكرانيا بها في الأشهر الأخيرة، بحيث لا يكون في مقدور هذه الراجمات بلوغ الداخل الروسي.

هذان الموقفان اللذان أعلنتهما واشنطن، أتيا في سياق الرغبة الأميركية بعدم توسع الحرب، وبلوغها مرحلة ترغم حلف شمال الأطلسي على الدخول في صدام مباشر مع روسيا. ولوحظ في الوقت نفسه أن واشنطن وموسكو أنجزتا صفقة لتبادل لاعبة كرة السلة الأميركية بريتني غرينر وتاجر السلاح الروسي فيكتور بوت، في وقت كان ممثلون عن الاستخبارات الأميركية والروسية يجتمعان في اسطنبول لمناقشة مواضيع ذات صلة بالأسلحة النووية مناقشة رئيسية، إلى إمكان استكمال ملف تبادل السجناء.

الاجتماع الاستخباري هو الثاني من نوعه بعد اجتماع عقد في أنقرة بين مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إي” وليم بيرنز ومدير الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين الشهر الماضي. ورغم أن العنوان الرئيسي للاجتماعين هو خفض التوتر النووي وتبادل السجناء، فإنه لا شك في أن الجانبين يناقشان أيضاً، آفاق حل سياسي في أوكرانيا، أو على الأقل البحث في السبل الآيلة إلى تفادي توسع الحرب.

وفي هذا السياق، أتى الموقفان الأميركيان من مسألة الضربات الأوكرانية في العمق الروسي وذاك المتعلق بتعديل مدى النظام الصاروخي “هيمارس”. وعندما تنأى واشنطن بنفسها علناً عن نشاطات أوكرانية، فإن ذلك يحمل رسالة تحذير لكييف من التمادي في خطوات قد تجر إلى توريط الغرب مباشرة في الحرب.

تجدر الإشارة إلى أن الصحافة الأميركية شرعت في المدة الأخيرة في إيراد تقارير تتحدث عن ارتفاع منسوب القلق لدى البنتاغون، من احتمال تهريب الأسلحة الأميركية التي ترسل إلى كييف، إلى خارج أوكرانيا.

وهذه من النقاط المهمة التي تسعى واشنطن بكل قوة للحؤول دونها، لأن وقوع أسلحة أميركية في يد خصوم الولايات المتحدة أو في أيدي ميليشيات في دول معينة، سيشكل خطراً على أميركا في المستقبل. والمشكلة أن عملية مراقبة الأسلحة الغربية، وخصوصاً الأميركية منها، غير متاح في الوقت الحاضر، لأن ذلك يتطلب وجود جنود أميركيين داخل أوكرانيا، وهذا ما تحاول إدارة الرئيس جو بايدن تفاديه حتى الآن.

ورغم هذه الإحاطات الأميركية بتطورات الموقف العسكري في أوكرانيا ومعاودة الاتصالات مع موسكو على المستوى الاستخباري، فإن هذه الخطوات على أهميتها لا تشكل صمام أمان أو ضماناً لعدم وقوع حوادث بالصدفة أو عرضاً، يمكن أن تفضي إلى مواجهة مباشرة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا.

إن مجرد استمرار النزاع سيبقي على احتمالات توسعه قائمة. وما لم تبدأ موسكو وكييف مفاوضات مباشرة على أمل التوصل إلى تسوية سياسية، فإن سيناريوات التصعيد تبقى قائمة. ولا يخفي القادة الأوكرانيون عزمهم على مواصلة الهجمات المعاكسة وصولاً إلى القرم والدونباس. وفي المقابل، يعلن القادة الروس الزج بمئة وخمسين ألف جندي إضافي في الحرب واستخدام أسلحة جديدة، في وقت تحتدم حرب الطاقة بين روسيا والغرب مع فرض الغرب سقف الـ60 دولاراً لبرميل النفط الروسي المحمول على متن السفن، ابتداءً من 5 كانون الأول (ديسمبر) الجاري.

هذه كلها مؤشرات غير مطمئنة، وتشي بالذهاب نحو تصعيد أوسع ما إن يبدأ ذوبان ثلوج الشتاء المقبل.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى