أقلام وأراء

سميح صعب: ماذا يخفي التّصعيد الأميركي الرّوسي؟

سميح صعب 25-2-2023: ماذا يخفي التّصعيد الأميركي الرّوسي؟

أتى قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعليق مشاركة بلاده في معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية، وكأنه وسيلة من وسائل الضغط على الولايات المتحدة، رداً على تكثيف مساعداتها العسكرية والمالية لكييف لمنع روسيا من تحقيق الانتصار في أوكرانيا.

وهذا بالضبط ما قاله الرئيس الأميركي جو بايدن في وارسو الثلثاء، بعد ساعات من قرار بوتين: “أوكرانيا لن تكون انتصاراً لروسيا”. وللتدليل على الأهمية القصوى التي توليها أميركا في سبيل هذه الغاية، اختار بايدن زيارة كييف قبل أن يزور بولندا في ذكرى مرور سنة على الغزو الروسي.

وحملت زيارة بايدن الكثير من المعاني والدلالات من حيث التوقيت والرمزية. الرسالة “الحازمة” التي حملها معه بايدن، هي أن الولايات المتحدة معنية اليوم أكثر من أي يوم مضى في إفشال الهجوم الروسي وجعل بوتين يدفع الثمن.

ويوماً بعد يوم يزداد انخراط أميركا في الحرب التي على نتيجتها يتوقف شكل النظام العالمي الجديد. الانتصار الروسي معناه أن يتغير الهيكل الأمني في القارة الأوروبية، ذلك الهيكل الذي قام منذ انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين وتوسع حلف شمال الأطلسي نحو الحدود الروسية.

وحرمان روسيا من أوكرانيا وضمها إلى الهياكل الأمنية والاقتصادية الغربية، وهذا ما تسعى إليه أميركا بكل قوة من دون أن تعلنه، سيعني تحول روسيا إلى دولة منكفئة إلى داخل حدودها ومجردة من أي نفوذ إقليمي أو دولي. ذلك أن الولايات المتحدة بعد الانتهاء من أوكرانيا لن تترك لروسيا نفوذاً لا في القوقاز ولا في آسيا الوسطى ولا في الشرق الأوسط ولا في أفريقيا.

قال بوتين في خطابه إلى الأمة الثلثاء إن “النخب الغربية لا تخفي هدفها: إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، أي القضاء علينا مرة واحدة وإلى الأبد”.

هذا هو لب الصراع على أوكرانيا. من يفوز بأوكرانيا ستكون له اليد العليا في تقرير وجهة النظام الدولي الجديد. ولئن كانت أميركا ترى أن الطرف الوحيد الذي يمكن أن يعكر على الغرب عملية إفشال المغامرة الروسية في أوكرانيا هو الصين، نقل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى نظيره الصيني وانغ يي في لقائهما المتوتر في ميونيخ على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن السبت، تحذيراً من مغبة تزويد روسيا بالأسلحة لاستخدامها في أوكرانيا. وطغت هذه المسألة على الحدث المتعلق بتحليق المنطاد الصيني في الأجواء الأميركية في وقت سابق من هذا الشهر، والذي كان سبباً لإضافة تعقيد آخر إلى التعقيدات التي تنخر في العلاقات الأميركية – الصينية.

إدارة بايدن التي خصصت أكثر من مئة مليار دولار لدعم أوكرانيا على مدى عام، وقادت نظاماً غير مسبوق من العقوبات على روسيا، تشعر بأنها تقترب من تحقيق الهدف بهزيمة موسكو في الحرب، ولا تريد أن يهبّ الرئيس الصيني شي جينبينغ لنجدة بوتين في هذه اللحظات الحاسمة التي تمر بها الحرب. وبالطبع لن تنظر أميركا بارتياح إلى تقارير أوردتها الصحافة الأميركية عن اعتزام الرئيس الصيني زيارة موسكو في الأشهر المقبلة.

بعد سنة على الحرب، لا تشعر روسيا بأنها حققت أهدافها، فيما أميركا وجدت أن بوتين قد وقع في الفخ الأوكراني، وأن عدم تحقيقه نصراً لا بد أن يرتد عليه في الداخل. وتعمل إدارة بايدن على استراتيجية قوامها عاملان: تكبيد الجيش الروسي أكبر قدر من الخسائر وإضعاف الاقتصاد الروسي من طريق العقوبات المتراكمة.

روسيا بدورها تراهن على أن الزمن يعمل لمصلحتها وتراهن على أن الغرب سيتعب لا محالة في نهاية المطاف، وأنه لا بد من ظهور تشققات في جدار الوحدة الغربية ضده في لحظة ما.

ولن تكون معاهدة نيوستارت وحدها ضحية أخطر صراع يدور على الأراضي الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية. والأيام حبلى بالمفاجآت. ولا بد من أن تعليق موسكو للمعاهدة يخفي كثيراً من الأمور التي ستتكشف تباعاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى