أقلام وأراء

سميح صعب: فوز أردوغان هل ينتشل تركيا من متاعبها؟

سميح صعب 31-5-2023: فوز أردوغان هل ينتشل تركيا من متاعبها؟

كان الانقسام الأيديولوجي أكبر معين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الحصول على ولاية رئاسية جديدة. الأتراك منقسمون فكرياً إلى حد بعيد، ولكل منهم تصور ورؤية لمستقبل البلاد. محافظون دينيون وقوميون متشددون في جهة وعلمانيون من جهة ثانية.    

نتائج الانتخابات تدل إلى ذلك: 52 في المئة لأردوغان و48 في المئة لمرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو. هذا الانقسام العمودي بين التيارين، أو ربما كان تعبير المعسكرين أكثر دلالة، هو تركيا اليوم.
وإلا كيف خرج أردوغان منتصراً من أزمتين كان من الممكن أن تؤدي أي منهما إلى نهاية حقبته، وهما الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ سنوات، وكارثة الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا في 6 شباط (فبراير) الماضي. 
اقتصادياً، الليرة التركية في حال تدهور مستمر في مقابل الدولار، ونسبة التضخم لا تزال مرتفعة رغم أرقام صدرت أخيراً، تشير إلى تدنٍ في هذه النسبة. وبالنسبة إلى الزلزال تبين أن الكثير من المباني التي تهدمت شاب عمليات البناء فيها الكثير من حالات الفساد. وعدا مقتل أكثر من خمسين ألفاً، هناك ثلاثة ملايين مشرد. وساد سخط شعبي كبير في الأيام الأولى للكارثة حيال الاستجابة البطيئة للحكومة في عمليات الإغاثة.      
والظاهرة اللافتة، أن المناطق التي ضربها الزلزال اقترعت بغالبيتها الساحقة لأردوغان. هذه المناطق كانت في السابق موالية لحزب العدالة والتنمية، ولم تؤثر الكارثة التي حلت بها في تغيير قناعات ناخبيها.   
ومن الحقائق المستقاة من فوز أردوغان، هي أن المعارضة التي كانت أمام فرصة تاريخية لوضع حد للحقبة الأردوغانية، لم تقدم خطاباً متماسكاً مقنعاً لاستمالة ناخبين كانوا يؤيدون أردوغان، من كان يؤيد الرجل بقي على تأييده له. كل كلام المعارضة، عن تراجع الحريات في تركيا، وعن التضارب بين الديموقراطية والصلاحيات الواسعة التي منحها أردوغان لنفسه بعدما نقل البلاد إلى النظام الرئاسي، فيه الكثير من الصحة. لكن لا يبدو أن الخوف على الحريات أو الديموقراطية المنقوصة، قد جعل الأتراك يتخلون عن الحزب الحاكم. 
حقيقة أخرى، يتعين عدم إغفالها، وهي أن انشقاق رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو ونائب رئيس الوزراء السابق علي بابا جان عن حزب العدالة والتنمية وانضمامهما إلى التحالف السداسي، لم يأتِ بالنتيجة المتوخاة. والنسبة المهمة التي حصل عليها كليتشدار أوغلو من الأصوات، عدا أصوات حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه، كانت من حزب الشعوب الديموقراطي الذي لا ينتمي إلى “طاولة الستة”. هناك على الأقل عشرة في المئة من النسبة التي حصل عليها كليتشدار أوغلو متأتية من المناطق ذات الغالبية الكردية. وبقي زعيم حزب الشعوب الديموقراطي المسجون صلاح الدين ديمرتاش يحض مؤيديه حتى الساعة الأخيرة قبل إغلاق صناديق الاقتراع على التوجه للإدلاء بأصواتهم.   
كما أن تحالف حزب الظفر المعادي للمهاجرين واللاجئين، مع كليتشدار أوغلو قبل يومين من الجولة الثانية من الانتخابات، لم يحدث الأثر المطلوب، بينما كان تحالف زعيم حزب “الأجداد” سنان أوغان أكثر منفعة لأردوغان وساهم على ما يبدو في تعزيز نسبة الأصوات التي حصل عليها الرئيس التركي.   
من الآن فصاعداً قد يشعر أردوغان بأنه نال التفويض الذي كان يبحث عنه لإحداث مزيد من التحولات العميقة في تركيا، والانتقال أكثر نحو الاتجاه المحافظ وتقويض ما تبقى من دعائم للعلمانية، في مستهل المئوية الثانية من الجمهورية التركية الحديثة التي أعلنها مصطفى كمال أتاتورك قبل مئة عام. 
هل يمضي أردوغان نحو تأسيس ثانٍ للجمهورية التركية؟ مسيرة العقدين الماضيين تؤشر إلى هذا الإمكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى