أقلام وأراء

سميح صعب: فرصة أردوغان لتعديل حدود سايكس-بيكو

سميح صعب ١-٦-٢٠٢٢م

يحمل إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عزمه على استكمال إنشاء “المنطقة الآمنة” في سوريا بعمق 30 كيلومتراً أكثر من رسالة في هذا التوقيت الذي يرى أن أميركا وروسيا كلتيهما، في حاجة إليه بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، وعليه فإنه لن يواجه معارضة لخططه هذه المرة.    

أولاً، يريد أردوغان جعل “المنطقة الآمنة” مكاناً لإسكان مليون لاجئ سوري من أصل ثلاثة ملايين ونصف لاجئ يقيمون في تركيا منذ بداية الحرب السورية. وتزايدت في السنوات الأخيرة المطالبات في الداخل التركي بضرورة إعادة اللاجئين إلى بلادهم، خصوصاً في ضوء الأزمة الإقتصادية التي تجتاح تركيا. واللاجئون، ورقة رابحة في يد المعارضة التركية قبل سنة من الانتخابات الرئاسية، التي تزيد استطلاعات الرأي حولها، من منسوب القلق لدى الرئيس التركي.   

وعلى هذا الأساس، لم يجد أردوغان مفراً من التعاطي مع هذه المسألة الملحة، لا سيما أنها مصدر تذمر لدى الكثيرين من الأتراك الذين يصبون جام غضبهم على اللاجئين ويعتبرونهم سبباً في الضائقة الإقتصادية، ومزاحماً رئيسياً على فرص العمل، كون اللاجئين يقبلون بأجر أقل من الأجر الذي يطلبه التركي.

بصرف النظر عن الدوافع التي تبث نزعة الاضطهاد لدى الأتراك للاجئين السوريين، فإن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم منذ أكثر من 22 عاماً، لم يتوانَ في السنوات العشر الماضية عن توظيف ورقة اللاجئين في خدمة سياساته. فهو استخدمها عام 2015 في وجه الاتحاد الأوروبي عندما دفع بمئات الآلاف منهم إلى التوجه إلى أوروبا عبر اليونان. ولم يجد الأوروبيون مفراً من مساومة أردوغان والوقوف على مطالبته الاتحاد الأوروبي بدفع مليارات الدولارات لأنقرة في مقابل وقف موجات اللجوء إلى القارة الأوروبية.

واليوم، يستخدم أردوغان أيضاً ورقة اللاجئين السوريين بطريقة معكوسة، من خلال العمل على إعادتهم “طوعاً”، وفق ما يقول، إلى الشمال السوري وإقامة مساكن دائمة لهم في “المنطقة الآمنة”، التي يعتزم توسيعها للتواؤم مع مشروعه، بينما عينه في الأساس على نزع ورقة بالغة الأهمية من يد المعارضة التركية قبل الانتخابات الرئاسية. 

ويراهن أردوغان على أن واشنطن في حاجة إليه كي يرفع الفيتو عن انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي في وقت تعتبر أميركا أن انضمام هاتين الدولتين إلى الحلف بمثابة ورقة ضغط قوية على روسيا التي تواصل هجومها في أوكرانيا.   

كما أن موسكو في حاجة إلى تركيا كي لا تنضم إلى العقوبات الغربية على موسكو، وكي لا تنقلب أنقرة على اتفاق “خفض التصعيد” في إدلب وتوسيع عمليتها العسكرية في اتجاه مناطق سيطرة الحكومة السورية في المحافظة أو في محافظتي حلب واللاذقية.    

وتبعاً للموقع المتميز الذي تحتله تركيا إقليمياً في الوقت الحاضر، يريد أردوغان انتهاز الفرصة كي يوظف كل ذلك في الاستراتيجية التي يعمل عليها من أجل ضمان فوزه بولاية رئاسية أخرى. 

هل الطريق معبدة أمام خطة أردوغان الجديدة؟    

رد الفعل الأميركي الأول، كان التحذير من مغبة الإقدام على الخطوة، لا سيما في اتجاه المناطق الكردية الواقعة تحت سيطرة ما يعرف بـ “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، التي تعتبر الحليف الأقرب للولايات المتحدة في قتال “داعش”.    

بيد أنها ليست المرة الأولى يبرز فيها تناقض في المصالح التركية-الأميركية خلال أكثر من محطة من محطات الحرب السورية.   

اليوم، واشنطن في حاجة قوية إلى ورقة فنلندا والسويد ضد روسيا. وأردوغان يخوض معركته الرئاسية من الشمال السوري، في محاولة لإزاحة عقبة رئيسية من أمامه في الداخل التركي.   

وبالقدر نفسه، تحتاج موسكو إلى أردوغان، ولن تجازف بخسارته في هذا الوقت العصيب الذي تمر به حملتها على أوكرانيا وأوسع مواجهة تخوضها مع الولايات المتحدة منذ إنتهاء الحرب الباردة.    

وعليه، يرى أردوغان أن الوقت مناسب له ليوسع نفوذه الإقليمي بقضم المزيد من الأراضي السورية والعراقية والتخلص من حدود سايكس-بيكو، التي طالما اعتبرها القادة الأتراك أنها رسمت على حساب “الإمبراطورية” في لحظة مرضها.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى