أقلام وأراء

سميح صعب: سريلانكا أسباب محلية أم أوكرانية؟

سميح صعب 13-07-2022 

سارع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى تحميل روسيا المسؤولية عن الاضطرابات التي تشهدها سريلانكا منذ أشهر، ما أدى إلى إفلاس الدولة وعجزها عن استيراد الوقود والمواد الغذائية والتوقف عن سداد ديونها الخارجية وسط موجة تضخم غير مسبوقة، دفعت بالمحتجين إلى اقتحام مقر الرئاسة ومقر رئاسة الوزراء.

وفي المقابل، تحمل روسيا العقوبات الغربية، مسؤولية عدم قدرتها على تصدير الحبوب إلى العالم، بينما الموانئ الأوكرانية التي تصدر الحبوب محاصرة من البحرية الروسية. وبطبيعة الحال، لا تريد روسيا أن تتنازل عن ورقة ضغط تمسك بها، وليس من الوارد أن تتخلى عنها في وقت يصعد الغرب من عملية تسليح كييف، في محاولة لقلب نتائج الميدان لمصلحة أوكرانيا.

في واقع الأمر، الأزمة السريلانكية سابقة لنشوب الحرب الروسية-الأوكرانية، وهي بدأت قبل عامين مع نفاد إحتياط الدولة من العملات الصعبة. وفاقم وباء كورونا من الأزمة الاقتصادية، وشحت تحويلات السريلانكيين العاملين في الخارج، بسبب تراجع الإقتصاد في مختلف دول العالم.

يضاف إلى ذلك امتعاض داخلي من حكم استند الى العائلية، اذ سيطرت أسرة الرئيس غوتابايا راجابكسا على السلطة السياسية ومفاصل الاقتصاد، وهو كان عيّن شقيقه الأصغر ماهيندا راجابكسا في أواخر 2019 رئيساً للوزراء مع تسلمه سبع حقائب وزارية دفعة واحدة. وبقي الأخ الأصغر في منصبه حتى اندلاع احتجاجات واسعة على الوضع الاقتصادي في الأشهر الأخيرة، حيث تم استبدال رانيل ويكريمسنغه به.

لكن مع نشوب الحرب الروسية-الأوكرانية قبل خمسة أشهر، تفاقمت أحوال سريلانكا الاقتصادية، وأعلنت الحكومة عدم قدرتها على استيراد المحروقات والمواد الغذائية أو الوفاء بديونها الخارجية، بينما كانت الاستثمارات الأجنبية تفر من البلاد بسبب اتساع الاضطرابات الاجتماعية.

ومعلوم أن سريلانكا منذ إنتهاء الحرب الأهلية فيها بين أكثرية السينهال وأقلية التاميل الهندوسية عام 2009، لم تدخل في عملية مصالحة وطنية حقيقية، وتجاهلت الحكومات المتعاقبة ضرورة بناء السلام على أساس المصالحة وليس على أساس الغلبة العسكرية، ما أبقى نيران الكراهية العرقية متأججة تحت الرماد.

لا ترمي هذه اللمحة الموجزة عن الوضع في سريلانكا في الأعوام الأخيرة، إلى التقليل من انعكاسات الحرب الروسية-الأوكرانية على انفجار الوضع الاجتماعي في هذا البلد، وإنما لتسليط الضوء على الكيفية التي تتعاطى بها واشطن وموسكو اليوم مع قضايا العالم، في ظل الحرب الباردة الجديدة.

هذه الأبعاد الدولية للحرب الروسية-الأوكرانية، كان يتعين أن تتحول حافزاً لقادة الدول الكبرى في العالم للبحث عن وسائل لوقف نزاع هو الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، وبدأ يلقي بأثقاله على غير منطقة من العالم.

وتجدر الإشارة إلى إنعكاسات الحرب الباردة الجديدة بين روسيا والغرب، تهدد مثلاً بوقف آلية إدخال المساعدات من تركيا إلى مناطق سيطرة المعارضة في شمال سوريا. وقد استخدمت روسيا حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الأسبوع الماضي ضد مشروع قرار ينص على تجديد العمل بهذه الآلية لمدة سنة. وقد أكدت روسيا أن إدخال المساعدات من معبر باب الهوى التركي، يشكل تهديداً لسيادة الدولة السورية. وقبل سنة من الآن، أظهرت موسكو تسامحاً مع هذا الملف، لأن العلاقات الروسية-الأميركية، كانت لا تزال متواصلة ولو بوتيرة أقل من العادة.

الحرب الباردة الجديدة، لا بد من أنها ستنعكس على مناطق نزاع أخرى في العالم، ولن تكون عاملاً مساعداً على إيجاد تسويات لهذه النزاعات.

لا تتحمل روسيا وحدها تبعة الاضطرابات التي تهدد العالم، نتيجة نقص الغذاء، وإنما تتشارك الولايات المتحدة ودول الغرب في هذه المسؤولية.

إن إخفاق روسيا والغرب في التوصل إلى حلول وتسويات كان من شأنها تفادي النزاع الأوكراني، فضلاً عن عجز الأسرة الدولية وفي مقدمها الأمم المتحدة في وضع حد للحرب بالطرق الديبلوماسية، يجعل المسؤولية مشتركة. ولن يكون الحل بإطالة أمد الحرب بهدف استنزاف روسيا، في وقت تبدو أكلاف النزاع باهظة جداً على بقية أنحاء العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى