أقلام وأراء

سميح صعب: خيرسون هل تقلب معادلات الحرب؟

سميح صعب 21-10-2022 : معركة خيرسون

في لعبة السباق مع الوقت، تبحث روسيا عن التوازن في أوكرانيا والحؤول دون استمرار الكفة راجحة لمصلحة كييف، وفق ما تسير عليه الأمور منذ آب (أغسطس) الماضي على الأقل. 
غاية الضربات التي توجهها الصواريخ والمسيّرات الروسية للبنى التحتية الأوكرانية من كهرباء ومياه واتصالات، هي إقامة توازن مع التقدم الذي تحرزه القوات الأوكرانية على الجبهات، وخصوصاً على جبهة زابوريجيا وخيرسون في جنوب البلاد.   
روسيا التي فقدت المبادرة في الميدان منذ أشهر باستثناء محور مدينة باخموت في دونيتسك، تواجه صعوبات كبيرة في صد الهجمات البرية الأوكرانية، مدعومة بأسلحة غربية متطورة. والاختراقات الكبرى التي حققها الجيش الأوكراني في خاركيف في الشمال الشرقي في أيلول (سبتمبر) الماضي، مرشحة للحدوث في خيرسون في الجنوب. 
ومن خاركيف تطاول الصواريخ الأوكرانية مدينة بلغورود الروسية التي تتعرض لضربات متتالية كان آخرها قصف مطار المدينة قبل أيام. وفضلاً عن الخسائر المادية التي لحقت بالمدينة، هناك العامل المعنوي بالنسبة إلى روسيا، التي تعتمد بلغورود قاعدة لوجستية مهمة للقوات الروسية في أوكرانيا.     
ولا تقل جبهة خيرسون المشتعلة اليوم أهمية عن خاركيف، إن لم تكن تفوقها من الناحيتين الجغرافية والرمزية. فخيرسون هي إحدى المناطق الأربع التي ضمتها روسيا رسمياً في وقت سابق من الشهر الجاري، إلى جانب زابوريجيا ولوغانسك ودونيتسك. كما أن المنطقة متصلة جغرافياً بشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014. والاندفاع الأوكراني البري في خيرسون سيشكل نقطة تحول في الحرب التي تقترب من إتمام شهرها السابع.    
هنا تكمن أهمية خيرسون بالنسبة الى روسيا وإلى أوكرانيا في الوقت نفسه. وكانت هذه المنطقة قد سقطت بالكامل في أيدي القوات الروسية في آذار (مارس) الماضي، أي بعد أيامٍ من بدء الحرب. وستشكل استعادتها زخماً كبيراً للقوات الأوكرانية وللقيادة الأوكرانية ولشركاء كييف الغربيين.
وبالتوازي فإن خسارة روسيا لخيرسون، ستلقي بثقلها على الجبهات الأخرى، لا سيما في زابوريجيا ولوغانسك ودونيتسك في الشرق، وتترك مضاعفات على الداخل الروسي وطريقة إدارة الحرب.   
واستدراكاً لهذه التطورات السلبية المحتملة، أتى التصعيد الروسي الصاروخي وبالمسيّرات ضد البنى التحتية الأوكرانية، وكأنه تعويض عن التراجع على الجبهات، وكرسالة ردع لكييف لوقف تقدمها البري. 
وتسابق روسيا وأوكرانيا ومن خلفها الغرب، الوقت لإحراز مكاسب نوعية قبل حلول فصل الشتاء واضطرار قوات الطرفين إلى إبطاء اندفاعاتهما الميدانية. وإذا ما وصلت القوات الأوكرانية إلى أبواب القرم، فإن ذلك سيعتبر ورقة ضغط كبيرة في يد كييف إذا حان وقت التفاوض على تسوية لإنهاء الحرب.   
إن انتزاع ورقة خيرسون من يد روسيا، يعني أيضاً الكثير بالنسبة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، لأنه سيعدّ دليلاً على أن المساعدات العسكرية الغربية التي أرسلت إلى كييف قد أتت ثمارها وجعلت أوكرانيا تنتقل إلى موقع الهجوم وتمسك بالمبادرة في الميدان، رغم التهويل الروسي باللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية.   
واللافت، أنه في وقت تتقدم القوات الأوكرانية في خيرسون، كانت قوات حلف شمال الأطلسي تجري مناورات على “الردع النووي” في بلجيكا، في خطوة تفهم موسكو دلالاتها جيداً. 
ومثلما سعت روسيا إلى إنهاء الحرب في الأشهر الأولى، من دون أن تفلح في ذلك، تضغط الآن بواسطة الصواريخ والمسيّرات وتدمير البنى التحتية لحمل كييف على القبول بوقف للنار والدخول في تسوية سياسية للنزاع.
وفي المعسكر الآخر، تضغط أوكرانيا على الجبهات ويكثف الغرب مساعداته العسكرية لكييف لمواجهة التصعيد الروسي وقلب موازين القوى، وحرمان الكرملين من أي أمل بالإمساك بالمبادرة.   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى