أقلام وأراء

سميح صعب: الصين والخليج والتقاط لحظة التحولات الكبرى

سميح صعب 9-12-2022م: الصين والخليج والتقاط لحظة التحولات الكبرى

زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ للسعودية تكرس مساراً بدأ منذ سنوات أكثر مما تفتح بدايات جديدة. الحضور الصيني في الشرق الأوسط وخصوصاً في منطقة الخليج وازن ومتعدد ولا يمكن اعتباره أمراً مستجداً.

والأمر الأكثر أهمية الذي يتعين رصده، هو الظروف المحيطة بالزيارة وهي على بالغ الأهمية وتكاد ترقى إلى تحولات جيوسياسية للمرة الأولى منذ عقود في الشرق الأوسط.

الزيارة تجري في زمن الحرب الروسية – الأوكرانية. ومعلوم أن بكين تتشارك مع عواصم الدول الخليجية موقفاً حيادياً من الحرب، عكس ما تتمنى الولايات المتحدة. والحياد الصيني والخليجي، يسهل على الجانبين مقاربة النزاع الأوكراني من منطلق غير المنطلق الأميركي والغربي عموماً.

ويضمر الحياد الذي تتبناه الصين ودول الخليج العربية في العمق عدم رضا عن السياسة الأميركية، أكثر منه تأييداً لروسيا وللمبررات التي دفعتها إلى الحرب.

ويأتي شي جينبينغ إلى الخليج الذي ينسحب منه الأميركيون إلى الصين، في محاولة للتصدي لما يصفونه بتزايد نفوذ بكين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. قَدِمَ الرئيس الصيني ليملأ فراغاً تتركه الولايات المتحدة التي حددت أولوياتها الاستراتيجية في الوقوف في مواجهة بكين وعدم خسارة النفوذ الذي بنته أميركا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

كثيرة هي المواضيع التي تشكل مشتركات اليوم بين الصين والخليج. ولئن كان الاقتصاد والسياسة لا ينفصلان، فإن تطور العلاقات الصينية – الخليجية اقتصادياً سيوسع طاقات التعاون بين الجانبين. ويتعين التوقف كثيراً عند تطورات الأزمة الأوكرانية التي تدفع بالعالم أجمع وليس الخليج أو الصين إلى قلب الحدث. والكل يترقب رد فعل الأسواق النفطية على قرار مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى والاتحاد الأوروبي وأستراليا تحديد سقف لأسعار النفط الروسي، وما عساه يكون عليه رد موسكو.

وللصين، ثاني اقتصاد في العالم، ولمنطقة الخليج التي هي أكبر مصدر للنفط في العالم، مصلحة مشتركة في استقرار الأسواق وعدم الذهاب في هزات تنعكس على اقتصادات العالم برمته.

رحلة شي جينبينغ تأتي في وقت رفضت السعودية تلبية الطلب الأميركي بزيادة إنتاج النفط. وأدى ذلك إلى توتر بين واشنطن والرياض، وهو ما ظهر في تصريحات لمسؤولين من البلدين. وبدا في المحصلة أن الدول الخليجية اختارت مصلحتها الاقتصادية على المصالح التقليدية. وهذا تغير جيوسياسي لا يستهان به، دفع الرئيس الأميركي إلى اعتبار قرار تحالف “أوبك+” خفض الإنتاج بمثابة “اصطفاف” إلى جانب روسيا.

والصين ذاتها، مرت علاقاتها بتوتر غير مسبوق مع الولايات المتحدة بسبب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي المنتهية ولايتها نانسي بيلوسي لتايبه الصيف الماضي، رغم تحذيرات بكين من العواقب السياسية والعسكرية التي ستسفر عنها الزيارة. وسعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى خفض التصعيد مع الزعيم الصيني في قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.

كما أن هناك بعداً سياسياً مهماً لزيارة شي جينبينغ لا يمكن تجاهله، إذ إن الصين الحاضرة بقوة في إيران ووقعت معها اتفاقاً قبل سنوات للتعاون مدته 25 عاماً، تسعى اليوم إلى إحداث توازن في سياستها حيال المنطقة وتطمح إلى اتفاقات أيضاً مع دول الخليج. وعقد الغاز مع قطر قبل أيام، كان نموذجاً لما تطمح إليه بكين مع بقية الدول الخليجية والعربية.

وبطبيعة الحال، يؤدي الانشغال الروسي بأوكرانيا إلى تعزيز الدور الصيني أكثر في الخليج، ويفتح الباب واسعاً أمام تعاون اقتصادي وسياسي أوسع.

في عالم يشهد تحولات كبرى في زمن الحرب الروسية – الأوكرانية، فإن الصين ودول الخليج العربية تحاول معاً أن لا تكون من الأطراف الخاسرة في الآتي من التحولات.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى