أقلام وأراء

سميح صعب: الشرق الأوسط في قلب النزاع الأوكراني

سميح صعب 15-10-2022م

تزداد تعقيدات الحرب الأوكرانية وتتضاعف تشعباتها. زجت أزمة الطاقة العالمية بالشرق الأوسط في النزاع الأوكراني، بعد قرار تحالف “أوبك+” الأسبوع الماضي خفض الانتاج بمليوني برميل يومياً اعتباراً من الشهر المقبل. هذا القرار أثار غضب الولايات المتحدة التي تريد تحاشي نشوء صدمة نفطية ثانية في الغرب بعد الصدمة الأولى التي أعقبت حرب تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973.

كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد تعهد مساعدة أوروبا على توفير بدائل للطاقة الروسية من نفط وغاز، للتخفيف قدر الإمكان من تأثيرات الشتاء المقبل على الأوروبيين الذين التزموا عقوبات صارمة على روسيا في مجال الطاقة، بهدف حرمانها من الأموال الضرورية لتمويل الحرب.

الأوروبيون وفي مقدمهم الألمان بدأوا يشتكون علناً من ارتفاع أسعار الطاقة الأميركية البديلة للطاقة الروسية. ومع قرار “أوبك+” ستزداد الشكوى الأوروبية وترتفع الأسعار حكماً بسبب نقص العرض، وستشتد إجراءت تقنين استهلاك الكهرباء في القارة الأوروبية.

وسبق أن زار جو بايدن السعودية في تموز (يوليو) الماضي بعد نحو سنتين إلا نيفاً من دخوله إلى البيت الأبيض، بهدف فتح صفحة جديدة في العلاقات مع الرياض وطي مرحلة التوتر التي سادت بسبب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول وما تلاه من تعهد أطلقه الرئيس الديموقراطي بجعل السعودية دولة “منبوذة”.
وبعد الزيارة، كان بايدن يأمل في أن تساعده دول الخليج العربية على تخطي أزمة الطاقة في العالم الناجمة عن الحرب الأوكرانية، وأن تفترق الرياض عن تحالف “أوبك+” الذي تقوده بالشراكة مع روسيا.

بيد أن الأمور لم تسِر بما تشتهي سفن بايدن، وإذا بالأمور تعود إلى نقطة الصفر مع السعودية، وعاد البيت الأبيض للإعلان عن “إعادة تقويم” للعلاقات مع الرياض، بينما يضغط أعضاء في الكونغرس من أجل اتخاذ خطوات أكثر جذرية حيال السعودية، كالتوقف عن تزويدها بالأسلحة.

ومنذ بداية الحرب، التزمت دول الخليج العربية جانب الحياد. وهذا موقف لم يكن مستساغاً في أوساط الإدارة الأميركية التي تريد انخراط أكبر كتلة من الدول في نظام العقوبات ضد موسكو. لكن هذا لم يحصل وحافظت العلاقات الروسية – الخليجية على الوتيرة التي كانت عليها قبل الحرب. والاتصالات الهاتفية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لم تنقطع.

وبصرف النظر عن الأسباب التي تحدو بالسعودية ودول الخليج إلى التزام الحياد في ذروة الحرب الباردة الجديدة الناشبة بين واشنطن وموسكو، من مثل محاولات بايدن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران أو عدم التأييد الأميركي المطلق للسعودية في حرب اليمن، فإن المرحلة الخطيرة التي بلغها النزاع الأوكراني، تجعل الولايات المتحدة في حاجة ماسة إلى من يعاضدها في “حرب الطاقة” ضد روسيا، في حين أن القرار الأخير لـ”أوبك+” أتى مخيباً للآمال الأميركية.

ويستدل من الضغط الذي مارسته إدارة بايدن على لبنان وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية، مدى الحاجة الأميركية إلى تدفق الغاز إلى أوروبا، كي لا ينفرط عقد الوحدة التي أظهرها الأوروبيون في مواجهة روسيا، تحت ضغط صقيع الشتاء المقبل.

الحرب الأوكرانية لم تعد حسابات الربح والخسارة فيها مقتصرة على الميدان فقط، وإنما باتت حرباً أوسع وأشمل تطاول في انعكاساتها العلاقات الدولية برمتها. وهذا وضع شبيه إلى حد بعيد بالوضع الذي كان سائداً إبان الحرب الباردة الأولى.

وعندما يصل الأمر بالإدارة الأميركية إلى التودد للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من أجل إبعاده عن روسيا، وتوظيف موارد الطاقة الفنزويلية في الحرب، يتبين مدى الإحراج الذي تواجهه واشنطن في الوفاء بوعودها للأوروبيين ببذل أقصى الجهود من أجل عدم إحساسهم بالندم على قرار القطيعة الاقتصادية والسياسية مع روسيا.

ويجب عدم تناسي ما يمكن لقرار “أوبك+” أن يتركه من مضاعفات على نتائج الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وهذا ما يزيد أيضاً في حراجة بايدن.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى