أقلام وأراء

سميح صعب: الحرب تقرع أبواب البلطيق!

سميح صعب ٣٠-٩-٢٠٢٢م

أياً كانت الجهة التي تقف وراء تفجير خطي أنابيب الغاز “نورد ستريم 1 و2” اللذين يمتدان من روسيا إلى ألمانيا تحت مياه البلطيق، فإن النتيجة الفعلية المباشرة لهذا العمل، هي أن الحرب الروسية-الأوكرانية آخذة في التمدد، إلى خارج نطاق الميدان الذي كانت تدور فيه منذ سبعة أشهر.   

نسف الأنبوبين يمكن أن يضر بروسيا اقتصادياً، لكنه أيضاً استهداف خارج أوكرانيا، وستكون كل الدول المطلة على البلطيق معنية به. ويبدو أن الفاعل تقصد أن يبعث بأكثر من رسالة من وراء الهجوم، الذي من المرجح أن يبقى لغزاً وسط كم هائل من تضارب الروايات من كل جانب.   

روسيا تطالب أميركا بأن تثبت أنها ليست المتورطة على خلفية كلام للرئيس الأميركي جو بايدن قبل سبعة أشهر تعهد فيه “إنهاء” أنبوب “نورد ستريم 2”. وفي المقابل واشنطن تطلب من روسيا أن تثبت أنها ليست وراء التفجير من أجل البعث برسالة تحذير إلى دول البلطيق بأن الحرب يمكن أن تقترب منها.

أتى هذا التطور الخطير في وقت تعاني روسيا من آثار تراجعاتها المستمرة في الساحة الأوكرانية وتكافح من أجل أن تشرح لشعبها، مغازي التعبئة العامة الجزئية، التي أعلنتها لصد الهجوم الأوكراني. وهي في غمرة كل ذلك، تستعد لتلقي مزيد من العقوبات الغربية، رداً على مضيها في إجراءات الضم لأربع مناطق أوكرانية أجرت فيها استفتاءات في الأيام الخمسة الأخيرة، وسط تلويح موسكو بلسان أرفع قادتها بدءاً من الرئيس فلاديمير بوتين، باللجوء إلى الأسلحة النووية إذا تهددت وحدة الأراضي الروسية.

والمشكلة أنه بعد أن يصار إلى ضم المناطق الأوكرانية في الأيام المقبلة، سيتصاعد التضارب الغربي-الروسي في تعريف الحدود الروسية. وهذه مشكلة تمتد جذورها إلى عام 2014 وحدث ضم روسيا شبه جزيرة القرم. 

تفجير الأنبوبين سيبقى لغزاً، من دون أن يلغي أنه يمثل بداية لأحداث أخرى يمكن أن تستجد في ساحة أوروبية أخرى. اليوم، كل الدول الأوروبية المطلة على البلطيق وبينها ألمانيا والدنمارك والسويد، تجري تحقيقات وتستنفر بحريتها لحراسة أجزاء أخرى من الأنبوبين اللذين يمتدان لآلاف الكيلومترات تحت سطح البحر كي لا يتعرضا بدورهما لهجمات أخرى، قد تلحق ضرراً بيئياً كبيراً بالدول المشاطئة. 

إن تقاذف المسؤوليات بين روسيا والغرب لم يعد مهماً بقدر أهمية التوقف عند مسألة جوهرية، ألا وهي أن الحرب الروسية-الأوكرانية تتوسع، وأخطار تحولها حرباً تتورط فيها أطراف أخرى، تقترب يوماً بعد يوم، فضلاً عن استسهال الكلام عن احتمال استخدام السلاح النووي. 

كما أن تفجير خطي “نورد ستريم”، يحمل رسالة رمزية أكبر بكثير من الأضرار المباشرة الناجمة عنه. إنه يعني قطع الصلة بين روسيا وألمانيا ومن خلفها أوروبا. كان “نورد ستريم 1” يرمز في مرحلة من المراحل إلى أواصر التعاون بين موسكو وبرلين، وكان من المفترض أن يؤدي “نورد ستريم 2” إلى مزيد من هذا التعاون الذي لم يكن طابعه تجارياً فحسب، وإنما كان يحمل خصائص جيوسياسية ترمز إلى اقتراب ألمانيا وأوروبا أكثر من روسيا، وسط ترقب وفزع أميركيين تم التعبير عنهما في أكثر من مرة في العقد الأخير.

ومن الجدير التوقف عند نقطة التقاء نادرة بين بايدن وسلفه دونالد ترامب، هي الانتقادات المتكررة للمستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل لأنها توافقت مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ربط ألمانيا بخطي الغاز من روسيا.   

ووقت تبدو حروب الطاقة في ذروتها ولا تقل أهمية عن المعارك في الميدان، يتعين إمعان النظر في تفجير الأنبوبين على أنه عمل جيوسياسي أكثر منه عمل تخريبي محض.   

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى