أقلام وأراء

سميح صعب: أوكرانيا بين واقعية ماكرون وحماسة بايدن

سميح صعب ١٨-٦-٢٠٢٢م

مع التحذيرات المتتالية التي تطلقها المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى ومسؤولون في أكثر من بلد، من أن عشرات الملايين في العالم معرضون لخطر الجوع، في حال عدم التوصل إلى صيغة لتصدير الحبوب من روسيا وأوكرانيا، يَثبُت أن النزاع الأوكراني بات حرباً تطاول شظاياها كل الكرة الأرضية، ولم تعد نزاعاً محصوراً بدولتين فحسب أو بقارة واحدة من القارات.

والسؤال، ماذا يلزم الدول المعنية مباشرة وتلك التي تتلقى الآثار السلبية، كي تتلافى مزيداً من الأهوال المحدقة بالبشرية نتيجة استمرار النزاع؟ وهل إرسال المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا هو الحل، أم المسارعة إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات لإيجاد تسوية سلمية للنزاع؟ 

وهل فرض المزيد من العقوبات الغربية على روسيا ومحاصرتها أكثر، سيدفعان بها إلى وقف الهجوم والانسحاب من أوكرانيا؟ وهل انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، سيشكل عامل ردع لموسكو أم سيزيد من الاحتقان بين روسيا والغرب ويعمق عوامل انعدام الثقة بين الجانبين؟   

وهل أن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، لو تحقق ذلك اعتباراً من الغد، من شأنه أن يساهم في وقف الحرب ويحمل روسيا على الانسحاب؟  

إن القيادة الأوكرانية تطالب ليل نهار بتسريع وصول الأسلحة الأميركية، لا سيما راجمات الصواريخ الأميركية المتطورة “هيمارس” كي تقلب دفة الميدان في لوغانسك ودونيتسك. لكن من قال إن وصول أسلحة أميركية أو أوروبية متطورة، سيشكل عامل ردع للجيش الروسي وليس العكس، ومن يضمن ألا يكون إدخال السلاح الغربي الجديد عامل تفجير أوسع للنزاع؟   

وفي نهاية المطاف، فإن الأوكرانيين والروس هم من يتكبد الخسائر، بصرف النظر عن نوعية السلاح المستخدم، والقناعة التي يجب أن تتوصل إليها كييف وموسكو، هي أنه لا بديل من مفاوضات تؤدي إلى وضع أسس حل سلمي للنزاع.   

وتعتبر مواقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هي الأكثر واقعية من بين كل الزعماء الأوروبيين. لكن كلما تحدث ماكرون عن ضرورة الحل السلمي، خرجت أصوات من كييف ووارسو تعترض على ما يدعو إليه الزعيم الفرنسي. 

أما واشنطن التي ترجع إليها الكلمة الفصل في تقرير موعد الشروع في التفاوض، فلا تزال على حماستها المعهودة في دفع الأوكرانيين إلى القتال حتى إلحاق “هزيمة استراتيجية” بروسيا. وهذا أكبر دليل على أن ثمة شروطاً أميركية، وليست أوكرانية، لوقف النزاع. وهذا ينطوي على مفارقة، يدركها ماكرون أكثر مما يدركها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أو الرئيس البولندي أندريه دودا.

إذن، هذا يجعل السلام الأوكراني أكثر ارتباطاً بالوقت والشروط التي تراها واشنطن مناسبة، أكثر مما هو مرتبط بوضع أوكرانيا ذاتها. ومن الآن وحتى الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، لن يكون في إمكان الرئيس جو بايدن أن يجنح نحو تسوية سياسية في أوكرانيا. وهذا ما يفسر كلام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن أن الحرب قد تستمر أشهراً.    

واستمرار الحرب سيرتب المزيد من المعاناة، ليس لأوكرانيا وروسيا فحسب، وإنما ستبدأ الانعكاسات الخطيرة تظهر في مناطق أبعد وأبعد من دائرة النزاع المباشر. هناك احتمالات بتمدد الحرب إلى خارج أوكرانيا ما ينطوي على إمكان حصول صدام روسي – أطلسي مباشر. 

زد على ذلك، ما تحذر منه المنظمات الدولية من انتشار الجوع في بلدان كثيرة، طالما السفن الروسية لا تسطيع الرسو في الموانئ الأوروبية وطالما ميناء أوديسا الأوكراني محاصر.    

وعندما ترتفع معدلات التضخم في أميركا والدول الأوروبية إلى مستويات غير مسبوقة منذ عشرات السنين، فماذا يجب أن يحصل بعد كي يقول الجميع بضرورة إطفاء هذه الحرب العالمية الدائرة، بحل سياسي؟

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى