أقلام وأراء

سميح صعب: أوكرانيا أشعلت الصراع على آسيا الوسطى

سميح صعب 3-3-2023: أوكرانيا أشعلت الصراع على آسيا الوسطى

جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على كلٍ من كازاخستان وأوزبكستان، مطلع الأسبوع، تتحدث عن نفسها ولا تحتاج إلى الاستغراق كثيراً في تحليل الخلفيات والدوافع. إنها مؤشر لا يدع مجالاً للشك الى أن إدارة الرئيس جو بايدن مصممة على خوض تنافس على النفوذ في آسيا الوسطى، مع كل من روسيا والصين.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، احتفظت روسيا بنفوذ سياسي واقتصادي وعسكري واسع في الجمهوريات السوفياتية السابقة، وكانت الصين هي المنافس “الودي” لموسكو على منطقة تشترك معها في الحدود وتشكل مصدراً مهماً للثروات الطبيعية التي تعتبر الصين في مسيس الحاجة إليها، فكان من الطبيعي أن يستعيد “طريق الحرير” القديم صورته الحديثة بمبادرة “الحزام والطريق”.

ومع ذلك، بقيت روسيا هي صاحبة الكلمة العليا في المنطقة. وساعد الكرملين في إطفاء العديد من الاضطرابات التي كانت تنشأ في بعض دول المنطقة، كان آخرها في كانون الثاني (يناير) 2022 في كازاخستان، عندما فعّلت دول معاهدة الأمن الجماعي نشاطها بإرسال قوات بقيادة روسية لتهدئة انتفاضة في عدد من المدن ضد حكم الرئيس قاسم-جومارت توكاييف، خليفة “الرئيس الأبدي” نور سلطان نزارباييف.

ولم يمر أكثر من شهر على أحداث كازاخستان وتثبيت نظام توكاييف، حتى أرسل بوتين الجيش الروسي إلى أوكرانيا في شباط (فبراير) في “عملية عسكرية خاصة”، تحولت حرباً ضارية، عليها يتوقف مصير النظام العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة منفردة، منذ انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين.

غرقت روسيا في حرب أرادتها خاطفة لتغيير التوازنات الجيوسياسية التي نجمت عن انهيار الاتحاد السوفياتي وأفضت إلى تمدد حلف شمال الأطلسي نحو الحدود الروسية، بعدما ضم 14 دولة كانت تدور في “الفلك السوفياتي” منذ عام 1998.

وتضع الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي الذي يدافع عن أوكرانيا، نصب أعينها إضعاف روسيا وتجريدها من نفوذها على الساحتين الإقليمية والدولية. كان التصدي لروسيا في أوكرانيا، ممراً إجبارياً للغرب للدفاع عن مصالحه الاستراتيجية، والحؤول دون استعادة موسكو “امبراطوريتها” وفق ما قال بايدن بصراحة خلال زيارته وارسو في 24 شباط (فبراير) الماضي.

إن عدم قدرة روسيا على الحسم في الميدان الأوكراني، بدأ يفتح شهية أميركا ودول أوروبية على التغلغل في مناطق النفوذ الروسي التقليدي في آسيا الوسطى والقوقاز. بلينكن يأتي إلى كازاخستان ليقول أمام وزراء خارجية دول آسيا الوسطى في آستانا، إن الولايات المتحدة تدعم “بحزم” سيادة هذه الدول وسلامة أراضيها، غامزاً بذلك من قناة الهجوم الروسي على أوكرانيا.

إن اقتلاع النفوذ الروسي من آسيا الوسطى ليس بالمهمة السهلة، نظراً إلى تجذر هذا النفوذ تاريخياً، خصوصاً أن نتيجة الحرب في أوكرانيا لم تحسم بعد. لكن في هذه الأثناء تسعى الولايات المتحدة إلى استغلال الانشغال العسكري الروسي ووقوع موسكو تحت ضغط عقوبات اقتصادية هائلة، كي تفتح ثغرة في الحديقة الخلفية لروسيا.

ليست روسيا وحدها هي المستهدفة، بل إن أميركا تصوب على الصين بقدر ما تصوب على موسكو، نظراً إلى المنافسة الاقتصادية الشاملة الجارية بين أقوى اقتصادين في العالم، تبدأ من التعرفات الجمركية ولا تنتهي بحظر تطبيق “تيك توك”.

هي معركة تمتد من المحيطين الهادئ والهندي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وصولاً إلى أميركا اللاتينية، فلماذا تبقى منطقة استراتيجية مثل آسيا الوسطى بعيدة من الصراع الأميركي-الصيني، أو عما بات يعرف بالحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وبكين؟

وليس التنافس التجاري وحده الذي يشكل العلاقات الأميركية-الصينية، بل إن البعد العسكري لهذه المواجهة لم يعد احتمالاً بعيداً. يشهد على ذلك ما يجري حول تايوان والأحلاف التي تتشكل لاحتواء النفوذ الصعود الصيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى