أقلام وأراء

سميح صعب: أردوغان فاز في معركة الاستقطاب

سميح صعب 18-5-2023: أردوغان فاز في معركة الاستقطاب

تؤكد نتائج الانتخابات التركية أن الرئيس رجب طيب أردوغان لا يزال قادراً على استقطاب قاعدته الشعبية واستنهاضها وقت الحاجة. كل الاستطلاعات التي كانت تضع مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو في المقدمة تبين أنها غير دقيقة، أو أن حدّة الاستقطاب الداخلي أحدثت انقلاباً في التوقعات وجعلتها غير ذات شأن.   

في ساعة الحسم تآكلت كل التكهنات بأن الأزمة الاقتصادية وزلزال 6 شباط (فبراير) المدمر سيكون لهما تأثير على شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وأن من شأن ذلك أن يصب في مصلحة كليتشدار أوغلو المدعوم من تحالف يضم ستة أحزاب، فضلاً عن حزب الشعوب الديموقراطي الكردي.  
تمكن أردوغان من تحييد العاملين الاقتصادي والزلزالي. وتوجه في اليومين الأخيرين من حملته إلى مؤيديه الأساسيين، مخيراً إياهم بين تركيا المحافظة وذات الاتجاه الإسلامي، أو تركيا العلمانية التي لا مشكلة لها مع “المثليين والعابرين جنسياً”.    
نسبة الاقتراع التي تجاوزت الـ90 في المئة كان الدافع إليها خوف المحافظين وما حققوه في الأعوام العشرين الأخيرة من مكاسب اجتماعية واقتصادية، وهذا العامل لعب دوراً كبيراً في دفعهم إلى التعبئة والتوجه إلى مراكز الاقتراع وقلب كل توقعات الاستطلاعات.   
وفضلاً عن ذلك، لا يزال عامل الكاريزما يلعب دوره في تحديد الخيارات. أردوغان يعرف كيف يحرك الجماهير ويخاطبها بلغة أتقنها على مدى عقدين من حكمه. 
أما كليتشدار أوغلو فيفتقد هذه الخصائص ويوصف بأنه شخصية “غير مبهرة”.
والجميع يتذكر الجدل الذي تفجر يوم انسحبت زعيمة حزب “الجيد” ميرال أكشنار من تحالف “الطاولة السداسية” قبل الانتخابات بأشهر، احتجاجاً على إصرار كليتشدار أوغلو على أن يكون هو مرشح المعارضة. يومذاك، اقترحت أكشنار أن يترشح إما رئيس بلدية إسطنبول إمام أكرم أوغلو أو رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، وكلاهما ينتمي إلى حزب الشعب الجمهوري، نظراً إلى ما يتمتع به كل منهما من تأثير على الناخبين. وتبين اليوم أن أكشنار كانت محقة إلى حد كبير، لا سيما أن كمال كليتشدار أوغلو لم يفز في تاريخه السياسي في أي انتخابات خاضها ضد أردوغان.    
وإذا ما أخذ في الاعتبار أن خمسة ملايين ناخب تركي هم الجيل الشاب الذي ينتخب للمرة الأولى، فإن التقدم بمرشحين من الجيل الشاب، لربما كان عاد على حزب الشعب الجمهوري وعلى معارضي أردوغان بفائدة أكبر بكثير من تلك التي حققها كمال كليتشدار أوغلو.    
لا يزال العامل الشخصي من أكبر العوامل المؤثرة في الانتخابات، أكثر بكثير من القول بأن أردوغان قمع الحريات وضيق على المعارضة وتبنى سياسة اقتصادية مغايرة لقواعد اقتصاد السوق، ما ارتد تدهوراً في سعر صرف الليرة في مقابل الدولار، أو بالحديث عن سلبيات النظام الرئاسي والتعهد بالعودة إلى النظام البرلماني.  
كما أن حقيقة حصول حزب العدالة والتنمية على الغالبية في مجلس النواب، تشير أيضاً إلى أن هذا الحزب، رغم مرور عقدين على وصوله إلى السلطة، لا يزال قادراً على إقناع الناخبين بتأييده وعدم الذهاب نحو التغيير.   
صحيح أنها المرة الأولى التي لا يفوز فيها أردوغان من الجولة الأولى. وهذه نقطة لا تصب في مصلحته. لكن مع تحول المعركة الانتخابية الآن إلى مواجهة مباشرة بينه وبين كليتشدار أوغلو، وفي ظل التعبئة للناخبين المحافظين والإسلاميين، فإن حظوظ أردوغان في 28 أيار (مايو) الجاري ربما تكون أكثر سهولة في الحصول على تفويض بولاية ثالثة.   
إن إعادة انتخاب أردوغان ستترتب عليها الكثير من الحسابات الداخلية وكذلك الخارجية. وحتى إذا صنع منافسه مفاجأة وفاز في الجولة الثانية، فإن الترددات الداخلية والخارجية لن تكون أقل حدة.     

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى