أقلام وأراء

سليمان أبو ارشيد يكتب – حتى لا تتكرر خطيئة التوصية على غانتس

سليمان أبو ارشيد *- 26/2/2021

حقيقة أن القضية الفلسطينية هي التي شكلت تاريخيًا معاييرنا السياسية وسبكت عياراتها، وهي التي رسمت وبلورت حدود وأهداف عملنا السياسي، ومثلت بما تحمله من هوية وانتماء، وفضاء وطني وقومي، وبما تعنيه من ترجمات سياسية، مثلت هاديًا لأحزابنا في الملعب الإسرائيلي وغير الإسرائيلي، وأن تحييد هذه القضية عن الأجندة الانتخابية لأحزابنا يجعلها كالريشة في مهب رياح الأسرلة.

كانت الأمور واضحة بالنسبة لنا قبل أن يختلط الحابل بالنابل الإسرائيلي، وتقوم على قاعدة الاقتراب من الحزب أو المعسكر الإسرائيلي المعين، بمقدار تجاوبه واقترابه من قضية شعبنا وحقوقه الوطنية، التي اصطلح على حصرها مؤخرًا بالعملية السياسية أو عملية السلام، رغم كل التحفظات على هذا المسار.

ولكن إسقاط القضية الفلسطينية من الأجندة الإسرائيلية، واعتماد معايير أخرى داخلية للفرز على الساحة الإسرائيلية، وضع أفيغدور ليبرمان ويائير لبيد وحزب “ميرتس” في المعسكر نفسه، قبل أن ينضاف إليه غدعون ساعر وحتى نفتالي بينيت؛ وربما لم ننتبه في غمرة انشغالنا بـ”معركة” إسقاط نتنياهو “عدو السلام” والمحرض على قتل إسحق رابين، أنه لم يبق في المعسكر من أتباع رابين وأنصار السلام سوى “نحن”، بعد تهاوي حزب العمل وتآكل “ميرتس”، ونشوء حزب لبيد وحزب الجنرالات (“كاحول لافان”)، ووفود ليبرمان ومؤخرًا ساعر وربما بينيت لاحقًا.

لم ننتبه ربما إلى أن مضامين شعار “إسقاط نتنياهو” المرتبطة بموقفه من القضية الفلسطينية و”عملية السلام”، قد سقطت جميعها، أو هي أصبحت محل إجماع المجتمع الإسرائيلي وأحزابه الصهيونية، وإن ما كان يعرف بمعسكر السلام الذي رفع هذا الشعار في السابق، أصبح يضم اليوم أحزابًا من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين الصهيوني، بل بعض هذه الأحزاب أكثر فاشية من نتنياهو وحزبه الليكود، وتتوحد فقط على قاعدة ضرورة تغيير حكم نتنياهو، لأنه فاسد وليس لأنه فاشي ومعاد للحقوق الفلسطينية ولعملية “السلام”.

ومن الجدير الالتفات إلى ما حذر منه الصحافي غدعون ليفي في السياق الإسرائيلي، ومما وصفها بحكومة الأحلام الوحيدة، حكومة “اللا نتنياهو”، التي ستضم “ميرتس” في حكومة ساعر – لبيد مع بينيت وحزب العمل وليبرمان، ولأنه لا يمكن تشكيل حكومة “اللا نتنياهو” من دون اليمين، بل حتى بقيادته، كما يقول، فقد تأخذ حكومة كهذه إسرائيل خطوة أخرى إلى اليمين أبعد مما أخذها نتنياهو.

من الممكن توظيف هذا التوصيف لشرعنة اللحاق بمعسكر نتنياهو الذي يضم قائمة سموتريتش – بن غفير الدينية الفاشية، كما يريد البعض، أو المناورة بين المعسكرين الصهيونيين، لتحصيل بعض المطالب المدنية بعد تحييد القضية الفلسطينية وما تكرسه من ثوابت وطنية، يفترض أن يتحدد وفقها وعلى أساسها الموقف من نتنياهو ومعسكره، وكذلك الموقف من المعسكر المناوئ له.

وغني عن البيان أن حكومة برئاسة ساعر يشارك فيها بينيت، أو حكومة برئاسة لبيد يشارك فيها ساعر وبينيت، هي ليست أفضل بكثير من حكومة برئاسة نتنياهو، حتى لو شارك فيها بن غفير وسموتريتش. لذا، فإن من يطلب من منصور عباس الالتزام بعدم دعم نتنياهو، عليه أن يطلب من نفسه عدم التوصية على لبيد وتكرار خطيئة التوصية على غانتس.

ومن المستغرب أنه باستثناء التجمع الذي يقولها على استحياء، فإن مركبات المشتركة الأخرى ترفض الالتزام بعدم التوصية على لبيد، رغم إدراكها أن الأخير سيستخدم هذه التوصية لمنع نتنياهو من تشكيل حكومة، ومن ثم تشكيل “حكومة تداور (تناوب)” مع وساعر وبينيت وليبرمان.

إنه سيناريو أكثر سوءًا من خطيئة التوصية على بيني غانتس لتشكيل الحكومة في الانتخابات السابقة، إذ استخدم الأخير التوصية لتشكيل حكومة وحدة مع الليكود، ليس لأن الأحزاب الثلاثة التي يرأسها ساعر وليبرمان وبينيت هي أكثر يمينية من الليكود فقط، بل لأن لبيد نفسه أحتاج الى فتوى من نتنياهو للتراجع عن عدم استعداده قبول دعم العرب لحكومة برئاسته من خارجها، وهم الذين وصفهم بـ”زُعبيز”، وبرر ذلك لاحقًا بأنه كان يقصد حنين زعبي فقط.

وعودة على بدء؛ إن كنا لا نستطيع التحكم بإسقاط القضية الفلسطينية من أجندة الأحزاب الصهيونية، فإن إسقاطها من أجندة أحزابنا هو أمر مستغرب، يهدف إلى تسهيل اللعب على القضايا المدنية، وبالتالي تمرير صفقات تقتصر على فتات الحقوق اليومية.

والغريب أن من لطالما تغنوا بـ”حجر الزاوية”، الذي يُقصد به “دولتان لشعبين”، أصبحوا لا يتغنون سوى بخطة العشرة مليارات شيكل، في حين يتغنى “الإسلاميون” بخطة مكافحة العنف الموعودة، ويعرب كلاهما أو يرفضان الالتزام بعدم دعم حكومة أو رئيس حكومة لا يعترف بحقوق شعبنا الوطنية، وبصيغة الحد الأدنى لحل القضية الفلسطينية على قاعدة القرارات الدولية ومعادلة الأرض مقابل السلام، التي تكفل إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.

* صحافي من الداخل الفلسطيني (1948).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى