شؤون إسرائيلية

سليمان أبو ارشيد يكتب – اليهود الشرقيون شعروا بالاستغفال والمهانة بعد فوات الأوان

سليمان أبو ارشيد *- 9/7/2021

في مقالين نشرا تباعا في صحيفة “هآرتس”، سلط الصحافي عوفر أديرت، الضوء، على جوانب من الاضطهاد العنصري الذي واجهه اليهود الشرقيون المهاجرين من الدول العربية في السنوات الأولى لوفودهم، والذي ترافق بين المهانة والازدراء وبين منعهم من ممارسة حقوقهم السياسية والاجتماعية المتساوية مع المهاجرين من ذوي الأصول الأوروبية.

وإن كان الكاتب لم يأتِ بجديد في هذا الباب الذي تناوله العديد من المؤرخين والباحثين الإسرائيليين والعرب، والذي يكشف عن الطبيعة الكولونيالية العنصرية للصهيونية بصفتها حالة استعمارية أوروبية تقوم على احتقار من لا ينتمي إلى العرق الأبيض بغض النظر عن دينه وقوميته وموقعه من مشروعها الاستيطاني، فإنه يضيف حقائق جديدة موثقة للسجل الصهيوني الذي لا تقتصر عنصريته على العرب الفلسطينيين، بل تطال مجموعات يهودية أيضا.

ويضم المقال الأول شهادات هي عبارة عن رسائل بعثها جنود يهود، من دول المغرب العربي، شاركوا في أحداث نكبة 48، إلى أهاليهم، سردوا فيها معاناتهم اليومية من اضطهاد وعنصرية ونصحوهم فيها بعدم تكرار خطأهم بالهجرة إلى فلسطين. وفي إحدى هذه الرسائل التي كشف عنها المؤرخ شاي حزكاني بعد أن عثر عليها في أرشيف وحدة الرقابة التي عملت في الجيش الإسرائيلي منذ قيام الدولة، يكتب جندي من شمال أفريقيا لأهله قائلا إن “اليهود الأوروبيين الذين عانوا من النازية يرون أنفسهم عرقا فوقيا ويتعاملون مع الشرقيين كعرق منحط”.. ويضيف أنه “عوضا عن شكرنا يتعاملون معنا كمتوحشين أو عناصر غير مرغوب فيها”، ويختتم رسالته بالقول: “عندما أرى اصدقاء من شمال أفريقيا، واحد بدون يد والثاني بدون رجل ممن أريقت دماؤهم في الحرب أتساءل إذا كان ذلك يستحق”.

وفي رسالة ثانية يكتب جندي آخر إلى أهله قائلا: “جئنا إلى إسرائيل معتقدين أن الجنة هنا، لكن للأسف العكس هو الصحيح… رأينا يهودا مع قلب كما الألمان… ابقوا في شمال أفريقيا، إنها بلاد أفضل من إسرائيل”، وفي رسالة كتبها جندي هاجر من كزبلانكا ورد أن “البولنديين يعتقدون أن المغاربة متوحشون ولصوص… عندما نمر من أمامهم ينظرون إلينا كما ينظرون إلى الحيوانات… الأشكناز يستغلوننا في كل شيء يعطون الوظائف الجيدة والمريحة للبولنديين”، ويؤكد أنه يحلم بالعودة إلى كازابلانكا.

الرسائل المذكورة وردت في كتاب صادر باللغة الإنجليزية عن جامعة ستانفورد، بعنوان: “فلسطين العزيزة: التاريخ الاجتماعي لحرب 1948” للمؤرخ حزكاني، وهي بعض من آلاف الرسائل التي كتبها الجنود من اليهود الشرقيين إلى أهاليهم وضبطتها وحدة الرقابة التابعة للجيش الإسرائيلي، التي كانت مخولة بحذف ومنع ومراقبة رسائل الجنود.

“هنا سيصفونكم ‘مغاربة قذرين‘ ويكتبوا في الجريدة أن المغاربة لا يعرفون كيف يلبسون ويأكلون بالشوكة، فقط بالأيدي، إنهم يعتقدون أن البولنديين فقط هم بشر”، كتب أحد الجنود لعائلته، في إشارة إلى سلسلة تقارير كانت قد نشرتها “هآرتس”، في حينه، وصفت فيها المهاجرين من شمال أفريقيا بأنهم ذروة في التخلف والجهل المطلق، وبأنهم لا يتجاوزون العرب والسود والبرابرة، بل أقل درجة من عرب “أرض إسرائيل” السابقين (الفلسطينيون)، متساءلة عن المصير الذي سيحل بالدولة إذا ما هاجر جميع يهود الدول العربية إليها.

وكانت صحيفة “دفار” قد كتبت في صيف 1950 تصف دفعة مهاجرين وصلت من شمال أفريقيا، بأنهم “مادة سيئة” و “قطيع بشري”، كما وحذرت في تقرير آخر من “شرقنة” إسرائيل التي يرتبط مصيرها بنوعية “المادة البشرية”، باعتبار أن العنصر الغربي هو فقط من يستطيع النهوض بهذه الدولة.

تصريحات من هذا القبيل انطلقت أيضا على لسان زعماء “اليشوف”، حيث نقل عن ليفي إشكول، الذي كان في حينه وزيرا للمالية ولاحقا رئيسا للحكومة، في تصريح من عام 1953، قوله، في إشارة لليهود الشرقيين: “نحن عالقون مع بقايا بشر، لأن دولا أخرى تكنس شوارعها ويرسلون لنا هذه الأكوام”.

وفي المقال الثاني الذي يعالج القمع السياسي، يروي أديرت على لسان موريس بن شوشان، الذي هاجر من المغرب وجرى تجنيده للـ”بلماح” وخدم في وحدة النقب تحت قيادة حاييم بارليف، يروي كيف طلب منهم خلال الانتخابات الأولى للكنيست عام 1949 خلع الملابس العسكرية والذهاب إلى مركز تل أبيب لضرب نشطاء من حركة “حيروت” التي تزعمها مناحيم بيغن، وكيف لم يجد لاحقا أيا من رفاق السلاح البولنديين في مكاتب العمل المكتظة بالشرقيين الذين أرسلوا إلى الأعمال الشاقة، مثل شق الشوارع وتحريش الجبال، وعندما سأل لماذا لا يوجد بولنديين، قالوا له أنت ليس مثلهم.

وهو يروي مسلسل التحريض والعنف الذي تعرض له لأنه تجرأ على تحدي “مباي” وتشكيل قائمة محلية لعضوية بلدية عكا والتي وصفها رئيس البلدية، في حينه، بأنها خطر قومي.

بن شوشان لمس على جلده ما كشفته نتائج بحث تاريخي جديد نشر مؤخرا، أن “الشاباك” حاول في العقدين الأولين من عمر إسرائيل إحباط العمل السياسي لليهود الشرقيين تخوفا من نشوء قيادات تسعى لاستلام السلطة، كما جاء في بروتوكول جلسة من عام 1959 بحثت أحداث وادي الصليب.

وكما هو معروف، فإن وادب الصليب هو حي فلسطيني من أحياء حيفا الراقية، جرى تهجير أهله عام 1948 وإسكانه باليهود الشرقيين من دول شمال أفريقيا، في ظروف من التردي الاقتصادي والاجتماعي أدت عام 1959 إلى انفجار ما عرف بأحداث “وادي صليب” والتي كانت أول تمرد شرقي ضد مؤسسة “المباي” الأشكنازية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى