أقلام وأراء

سليمان أبو ارشيد يكتب – إسقاط نتنياهو… الثمن والنتيجة

بقلم  سليمان أبو ارشيد *- 5/6/2021

كان واضحا أن “نهج التأثير” الذي تبلور داخل القائمة المشتركة منذ تأسيسها عام 2015 وقام على إسقاط القضية الوطنية الفلسطينية، وفصلها عن القضية المدنية المعيشية ومقايضتها بها، وترجم بالتوصية على الجنرال غانتس، وعلى يائير لبيد لاحقا؛ سيفضي إلى النتيجة التي أفضى إليها بتوقيع أحد الأحزاب العربية على اتفاق للمشاركة في حكومة إسرائيلية صهيونية، ربما هي من أكثر حكومات إسرائيل يمينية، برئاسة رئيس مجلس المستوطنات السابق، نفتالي بينيت، لأنه أزال العائق الوطني الذي حال دائما دون مشاركة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في حكومة إسرائيل، وتحويلهم إلى “عرب إسرائيل”.

وفي هذا السياق، لم يكن منصور عباس سوى “مكمل طريق” شقّه رئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة وكان عرابه أحمد الطيبي واحتضنته جوقة مصفقين عاملين في ما يسمى بجمعيات وصناديق التعايش الممولة أميركيا، التي رعتها المؤسسة على مدى سنوات طويلة، وهما يجاهران بدعم هذا الاتفاق ويبديان استعدادهما للإيفاء بما ينقص لإنضاج ثمرته.

لقد اعتقدنا أن الهبة الأخيرة التي أعادت الاعتبار للقضية الوطنية ووحدت شعبنا من البحر إلى النهر، قد “قصفت عمر” هذا النهج وهو في المهد ولم نفطن إلى حقيقة أنه سيفعل كل شيء، بالذات وهو يصارع على وجوده، لأن انتخابات خامسة كانت ستأتي على ما تبقى منه، وربما تنهي “التمثيل العربي في الكنيست”، وتجعل تيارات وطنية مثل التجمع، تعيد النظر في جدوى وجودها هناك في هذه المرحلة.

وبدون شك، إن التصاعد الكبير في قوة اليمين في الشارع الإسرائيلي والازدياد المطرد لتمثيله في الكنيست مؤخرا، أحاط بعنق العمل السياسي للأحزاب العربية وهمّش تأثيرها ومفعولها البرلماني، وفرض أجواء من الإرهاب على نشاط نوابها الذين باتوا يتلفتون حولهم بعد كل تصريح يتعلق بالقدس والأقصى والقضية الفلسطينية، فصار الاجتماع مع أهالي شهداء القدس المحتجزة جثامين أولادهم “جريمة”، والتصدي لعصابات المستوطنين التي تقتحم الأقصى “جريمة”، وانتقاد ممارسات عناصر جيش الاحتلال في الضفة الغربية “جريمة”، ومهاجمة العرب الذين يخدمون في الشرطة الإسرائيلية “جريمة”.

بالمجمل، إن هيمنة اليمين على الحياة السياسية في إسرائيل قد صادرت هامش العمل البرلماني لأعضاء الكنيست العرب في القضايا الوطنية بالكامل في مسعى لتحويلهم إلى مجرد وسطاء لجمهورهم لدى دوائر السلطة، حتى أن الحزب أو النائب الذي لم يذوت هذه الحقيقة وجد نفسه معزولا ويسبح عكس التيار، وجاء إقرار قانون القومية في هذا السياق ليتوج عملية التهميش تلك، ويضع هذه الأحزاب أمام معادلة جديدة ربما كان رفضُها يتطلب الخروج من الكنيست، ولو من باب إطلاق صرخة احتجاج.

قانون القومية جاء ليصادر حقوقنا الوطنية كشعب على امتداد فلسطين التاريخية وكمجموعة قومية داخل إسرائيل، ويختزل قضيتنا بجملة حقوق فردية اقتصادية الطابع، ويبدو أن غالبية أحزابنا أو قيادتها على الأقل، انساقت وراء هذا التعريف عندما أسقطت القضية الوطنية الفلسطينية في التوصية على غانتس، ومن ثم على لبيد، وأخيرا في الاتفاق الذي أبرمه منصور عباس دعما لحكومة رئيس مجلس المستوطنات السابق نفتالي بينيت، والذي خلا من أي إشارة للقضية الفلسطينية ولحقوقنا الجماعية، وذلك في سابقة خطيرة أسقطت ثابتا أساسيا في مشروعنا السياسي تمثل في الفصل التعسفي بين الشكل المدني والمضمون الوطني لصراعنا مع الصهيونية.

وليس من قبيل الصدفة أن الأحزاب اليمينية الإسرائيلية، وبخاصة حزب بينيت- شاكيد، قد تشددت في الاتفاق الذي أُبرم مع منصور عباس، حتى في القضايا المدنية ذات الطابع الوطني مثل “قانون كامينيتس” والاعتراف بقرى غير معترف بها في النقب، كونها تتعلق بالأرض والمسكن، وكانت مستعدة لـ”فرط” الاتفاق لأجلها لولا تراجع الأخير عن مطالبه، ما يعني أن المركب الوطني في نضالنا لا يقتصر على مطلب إنهاء الاحتلال لأراضي الـ67 وإقامة دولة فلسطينية، بل الاعتراف بهويتنا الوطنية كشعب له حق تقرير المصير على هذه الأرض الممتدة بين البحر والنهر.

لقد فشلوا في خلق تطابق بين مصطلح “عرب إسرائيل” الذي أنتجه الحكم العسكري والذي ما انفكوا يحاولوا عبثا ترسيخه، وبين ما خُلق على الأرض بفعل معركة الصمود والبقاء المتواصلة، منذ أكثر من 70 عاما من شعب ازداد تماسكا والتحاما كلما حاولوا تقسيمه وتفتيته، وقد كانت الهبة الأخيرة خير دليل على هذه الوحدة الصلبة، وعلى مركزية دور جماهير أراضي 48 فيها وفي مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني الذي سيكنس حتما كل المتهافتين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى