أقلام وأراء

سليمان أبو ارشيد يكتب – “أمل جديد” يتبخر والمحرض الأكبر يتحول إلى “شيخ عرب”

سليمان أبو ارشيد – 12/3/2021

قبل أسبوعين من حلول موعد الانتخابات الإسرائيلية الرابعة في أقل من عامين والتي تُنظم بعد أن فشلت الجولات الثلاث السابقة في حسم المعركة لصالح أحد المعسكرين المتنافسين وتشكيل حكومة مستقرة، بدأنا نسمع في أروقة الإعلام والسياسة الإسرائيليين نغمة انتخابات خامسة ممكنة، في ظل مراوحة حالة التعادل النسبي بين المعسكرين المتنافسين – المؤيد لنتنياهو والمناوئ له – مكانها في الانتخابات الحالية أيضا.

وبدون شك، فإن الفشل المتكرر في حسم الخلاف والاختلاف السياسي الإسرائيلي، هو انعكاس لأزمة بنيوية، ربما، في “الحالة الديمقراطية” الإسرائيلية بوصفها حالة استعمارية استيطانية غير متجانسة، هذا إلى جانب هيمنة شخصية نتنياهو، الذي يقود منذ عقد من الزمن زحف اليمين الديني الاستيطاني إلى مواقع اتخاذ القرار في إسرائيل، مدفوعا بزخم أيديولوجي موروث وبأفق شخصي حدوده توطيد مكانته كشخصية ثانية بعد بن غوريون ومؤسس لإسرائيل الجديدة، وهي صفة تصبح معها مسألة الإفلات من ملفاته الجنائية تحصيل حاصل.

والحال كذلك ليس من الغريب أن يتبخر كل “أمل جديد” بتغيير نتنياهو عندما يحين موعد الامتحان بحلول موعد الانتخابات، علما بأنه من الغريب أصلا أن تتمحور أربع جولات انتخابية حول موضوع تغيير نتنياهو فقط؛ فبعد تلاشي “البشائر” التي حملها حزب الجنرالات بقيادة غانتس والآمال التي علقت عليه في بداياته وقبل سقوطه في “براثن” نتنياهو بعد فشله في حسم المعركة ضده في جولة الانتخابات السابقة، نشهد أيضا تلاشى “الأمل الجديد” الذي جلبه حزب غدعون ساعر، المنشق عن الليكود والذي يحمل حزبه هذا الاسم (“تكفا حدشا” – أمل جديد)، حتى قبل وصوله إلى حافة السباق الانتخابي، وذلك بهبوطه من 18 – 20 مقعدا في أيامه الأولى إلى 9-11 مقعدا في الاستطلاعات الأخيرة.

هذا السقوط الحر لساعر هو حالة متوقعة تفاقمت طردا مع إدراك جمهور مصوتيه من اليمين بتضاؤل احتمالاته بقيادة المعسكر المناوئ لنتنياهو، مع تعاظم قوة يائير لبيد وازدياد احتمالات تزعمه له، إلى جانب الحملة المضادة التي يشنها نتنياهو والتي عنوانها بـ”التصويت لساعر يعني انتخاب لبيد” والتي تستهدف استعادة مصوتي اليمين إلى حضن الليكود.

ومن الطبيعي أن يؤدي هبوط قوة حزب ساعر إلى تقلص قوة المعسكر المناوئ لنتنياهو بعد عودة الأصوات التي جلبها له الأخير من اليمين إلى اليمين، وأن تعود الساحة الانتخابية إلى مراوحة مكانها السابق المتمثل بتعادل قوة المعسكرين وصعوبة أن يحسم أي منهما الانتخابات القادمة، علما بأن المعسكر المناوئ لنتنياهو والممتد من القائمة المشتركة و”ميرتس” وحتى ساعر وليبرمان وربما بينيت، يفتقر إلى الحد الأدنى من التجانس السياسي الذي يمكنه من تشكيل حكومة حتى لو حاز على الأغلبية.

وحتى لو حاز هذا المعسكر على 61 عضو كنيست بدون حزب “يمينا” الذي يتزعمه بينيت، وتمكن من منع نتنياهو من تشكيل حكومة، ليتسنى لاحقا استبدال القائمة المشتركة، بعد أن أدت دورها، بقائمة بينيت والتناوب بينه وبين لبيد على رئاسة الحكومة، تبقى هناك مشكلة مع “ميرتس” وربما مع حزب العمل بحلته “اليسارية” الجديدة، التي ربما لا تتواءم مع هذه التركيبة. من هنا، فإن الحديث عن انتخابات خامسة حتى قبل أن تضع الانتخابات الرابعة أوزارها هو ليس بالأمر المستهجن فعلا.

في غضون ذلك، يخيم الانقسام على ساحتنا الانتخابية المحلية بعد انشقاق القائمة “العربية الموحدة” (الحركة الإسلامية الجنوبية) عن المشتركة، وتشكل المناكفات المترتبة عليه وخاصة سقطات منصور عباس المتتالية، بحسن أو بسوء نية، مادة “دسمة” للسجال بين أطرافها تستعيض بها عن طرح برامج سياسية انتخابية حقيقية تستجيب لتطلعات شعبنا الوطنية وتجيب على حاجات المواطن اليومية.

وإذا كانت السياسة تغيب عن المشهد الانتخابي الإسرائيلي، بسبب توافق وإجماع أطرافه حول القضايا الرئيسية وفي مقدمتها تصفية القضية الفلسطينية وطي ملفها، فإن تحييد السياسة عن ساحتنا هو تدبير مسبق يجري تحت وهم التأثير والسعي إلى الالتحاق والتذيل لأحد المعسكرين الإسرائيليين، بدعوى تحصيل الحقوق اليومية والمعيشية، ولعل “إبداع” منصور عباس في هذا السياق هو فتح الباب لإمكانية التذيل لأي من المعسكرين وليس لأحدهما فقط.

أما ظاهرة “أبو يائير” الذي تحول بين ليلة وضحاها من المحرض الأكبر على العرب إلى “شيخ عرب” يصب القهوة السادة في مضارب النقب، فهي تلج بدون شك من هذا الباب، ومن الخطأ تحميل مسؤوليتها لمنصور عباس وحده وهو الذي اقتفى أثر من سبقوه وصمموا هذا النموذج، الذي حيد قضية الاحتلال والاستيطان والحصار وغيرها من تفرعات القضية الفلسطينية عن أجندتنا السياسية، فاتحا الباب لجميع الأحزاب الصهيونية للعودة “الميمونة” إلى الشارع العربي.

وربما يأمل نتنياهو، بعد أن استنفد جميع أصوات اليمين من خلال حملات التحريض على العرب، يأمل من خلال هذه الاستدارة، اقتناص بضعة أصوات من العرب (عشرات الآلاف) مستغلا مكانته كحزب سلطة، بعد انسحاب حزب “العمل” التاريخي من المجتمع العربي، ويبدو أننا سنتعود على إعادة إنتاج مشاهد جرى تصميمها سابقا من قبل “مباي” – “العمل”، بشخصيات ليكودية قد تتوج بصورة “أبو يائير” بالعباءة العربية على غرار وايزمن الجد ووايزمن الابن.

وبدون شك، فإن إعادة الاعتبار للأجندة السياسية وللبوصلة الوطنية التي تمثلها القضية الفلسطينية، هي البوابة الحصينة التي تحمي شعبنا من هذه الاختراقات، وتوفر له المناعة الوطنية الضرورية التي تمكنه من انتزاع حقوق اليومية الفردية والجماعية بكرامة وكبرياء، وليس من خلال الزحف على البطون والتذيل لهذا المعسكر الصهيوني أو ذاك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى