أقلام وأراء

سليمان أبو ارشيد: إعادة صياغة اليمين الإسرائيلي بنسق أميركي

سليمان أبو ارشيد 11-2-2023: إعادة صياغة اليمين الإسرائيلي بنسق أميركي

تعيين المحامية بن شلومو قائمة بأعمال مدير عام وزارة التعليم يبرز دور “فوروم كهيلت” الذي يوصف بأنه أنجح مشاريع اليمين في العقد الأخير، والذي يعمل على إعادة بلورة اليمين الإسرائيلي كيمين قومي ويمين اقتصادي محافظ بالصيغة الأميركية.

 

أثار تعيين وزير التعليم الإسرائيلي، يوآف كيش، للمحامية أبيطال بن شلومو، قائمة بأعمال مدير عام الوزارة، غضب فئات واسعة في الأوساط السياسية والتربوية الإسرائيلية، كون الأخيرة هي رئيسة قسم التربية والتعليم في “فوروم كهيلت” ومركزة البحث والسياسات في “ائتلاف أوتونميا في التعليم”، الذي نشط خلال فترة كورونا في تطبيق رؤية “فوروم كهيلت” في التعليم.

وتقوم رؤية “كهيلت” على خصخصة التعليم عن طريق تأهيل مدارس خاصة يتم إقامتها بواسطة جمعيات ومجالس محلية بتمويل من الدولة وتحويلها إلى مؤسسات جماهيرية، وكذلك إلغاء تسجيل الطلاب حسب مناطق سكنهم وإطلاق اليد في مسألة تعيين وفصل المعلمين، وهي سياسة توصف من قبل معارضيها بأنها تسيء إلى الفئات الاجتماعية الضعيفة التي ستضطر إلى تمويل مدارس لا يقبل فيها أبنائها.

ويبرز نشاط “فوروم كهيلت” وخبرائه في الآونة الأخيرة في عدة مجالات حيوية، حيث يحتل دورا بارزا، أيضا، في قضية “الإصلاح القضائي” أو “الانقلاب القضائي” بلسان المعارضة، ويثير خلافا حادا في الساحة السياسية الإسرائيلية، وقد وصف المؤرخ دانييل بالطمان، في مقابلة أجرتها معه صحيفة “هآرتس، “فوروم كهيلت” بأنه المنظمة الأخطر على وجود وبقاء دولة إسرائيل، مشيرا إلى أن هذه المجموعة تنتج “بيانا اجتماعيا سياسيا” واسعا إذا ما تبنته إسرائيل فإنها ستتحول في النهاية إلى دولة مختلفة كليا، في إشارة إلى الفاشية.

هذا يقودنا إلى السؤال، ما هو “فوروم كهيلت”؟ ما هي أهدافه ومن يقف وراءه؟ وبالعودة إلى موقع “الفوروم” على الشبكة نجد التعريف التالي: “‘فوروم كهيلت‘ هو مركز أبحاث وفعل مستقل يعمل من القدس لتأمين مستقبل إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي ولتقوية الديمقراطية التمثيلية، توسيع حقوق الفرد وتعميق مبادئ السوق الحرة”.

ولدى النبش أكثر في ما كتب عن المركز وطبيعة نشاطه، نجد من يصفه بأنه أنجح مشاريع اليمين في العقد الأخير، فهو يشغل 140 باحثا في مجالات متعددة ويقوم بتقديم خدماته في صياغة اقتراحات قوانين وتسليح أعضاء الكنيست من اليمين بالمعلومات ذات الصلة وإعادة بلورة اليمين الإسرائيلي كيمين قومي ويمين اقتصادي محافظ بالصيغة الأميركية، وهما الجناحان اللذان حلق بهما نظام ريغان وبوش وترامب.

وبالإضافة إلى دوره في إنتاج “قانون القومية” و”قانون المواطنة”، ينسب المركز لنفسه في المجال الاقتصادي إحباط قانون الرقابة على أجور الشقق السكنية والرقابة على حضانات الأطفال، وإحباط فرض الرقابة على أسعار الحليب.

أما مؤسس المركز فهو مستوطن من “إفرات” في الضفة الغربية المحتلة يدعى موشيه كوبل، ولد في مانهاتن في الولايات المتحدة عام 1956 لعائلة يهودية متدينة، وأنهى دراسة الدكتوراة في الرياضيات وعلم الحاسوب بجيل 23 عاما، وهاجر إلى إسرائيل عام 1980 حيث عين محاضرا في جامعة بار إيلان وسكن في القدس، قبل أن ينتقل إلى مستوطنات الضفة الغربية، وهو يقول عن المركز بتواضع: “نحن بمثابة عقل اليمين الإسرائيلي وجميع ما يجري في اليمين يخرج من مدرستنا”.

وعلى الرغم من أن كوبل عضو مركز الليكود إلا أن “الفوروم” الذي يرأسه يقدم خدماته لجميع أحزاب اليمين الإسرائيلي، حتى تلك التي تختلف مع الليكود مثل “تيكفا حداشا” بقيادة ساعر، وحزب “يمينا” بقيادة بينيت وشاكيد، الذي اختفى في الانتخابات الأخيرة عن الساحة السياسية.

والمركز وقف من وراء اقتراح “قانون القومية”، حيث صاغه كوبل بصياغته الأصلية قبل 15 عاما وعمل على دفعه خلال كل تلك الفترة إلى أن تمت المصادقة عليه، كذلك ينسب المركز لنفسه الوقوف وراء تصريح وزير الخارجية الأميركي، بومبيو، غير المسبوق أميركيا، الذي اعترف فيه بشرعية الاستيطان، وإنجاز كتاب المدنيات الأخير الذي جوبه بمعارضة أوساط واسعة في التعليم اليهودي والعربي لِمَ يتضمنه من مضامين صهيونية دينية، هذا إلى جانب العديد من القوانين والالتماسات والاستشارات التي كان لها تداعيات هامة على إسرائيل.

ويحظى “فوروم كهيلت” بتمويل يبلغ عشرات ملايين الدولارات تحول رسميا من قبل “جمعية أصدقاء فوروم كهيلت الأميركية” التي أقيمت مؤخرا، بينما يأتي معظم التمويل الفعلي من مليارديريين يهوديين أميركيين، هما جفري ياس وأرتور دانتشيك، وهما من متبرعي الحزب الجمهوري الأميركي – جناح ترامب، ومن المتبرعين لمنظمات بحث أميركية محافظة شبيهة بـ”كهيلت”.

وعودة إلى مقابلة بروفيسور بالطمان، الذي اعتبر “كهيلت” أكثر خطرا من الليكود ومنظمات المستوطنين المتطرفة وحذر من خطر الفاشية، فقد أشار إلى أن الفاشية لا تعني فقط جنودا يجوبون الشوارع بسلاحهم، وهي لن تبدو كذلك في إسرائيل، حيث يستمر الناس في السفر إلى الخارج – الدول التي تمنحهم حق الدخول وارتياد المقاهي والمطاعم الفاخرة، لكن شعور الإنسان بأن هناك ما يحميه باستثناء النية الطيبة لنظام الحكم المرتبطة برضاه عنه، لن يبقى.

ويرى المؤرخ الإسرائيلي المتخصص ببحث المحرقة النازية ضد اليهود، أن عملية التدهور الإسرائيلي نحو الدكتاتورية تجري بوتيرة سريعة، بعكس المجر وبولندا التي استغرقت فيهما سنوات، حيث قاموا بذلك تدريجيا بعد تحضير الرأي العام وبعد أن انتخبت تلك النخب مرة ومرتين، في حين أن كل هذا الانقلاب حدث في إسرائيل خلال ثلاثة أشهر، فقبل ثلاثة أشهر فقط، كما يقول بالطمان، رفض نتنياهو التقاط صورة له بجانب بن غفير، ويضيف أنه في حال تم تمرير هذا التشريع (الإصلاح القضائي) سنعيش في واقع مختلف تماما، وهذا يذكرني، كما يقول، بألمانيا عام 1933 من كانون ثاني/ يناير وحتى صيف العام نفسه، حيث انتهى كل شيء تأسست دكتاتورية (النظام النازي) استمرت حتى عام 1945.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى