ترجمات أجنبية

ستيتكرافت – ميتشل بليتك – مقامرة التطبيع .. مخاطر داخلية كبيرة في السودان وعوائد انتخابية محدودة لترامب

ستيتكرافت – ميتشل بليتك  –  21/10/2020

مع نفاد الوقت في حملته لإعادة انتخابه، يبحث الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن أي نصر يمكن أن يحققه. وكانت آخر محاولاته هو إعلانه الإثنين أنه سيحذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

في مقابل هذا السخاء الظاهر، سيدفع السودان 335 مليون دولار لمعالجة الدعاوى القضائية التي رفعتها عائلات ضحايا الهجمات التي ارتكبتها “القاعدة” والجماعات المماثلة والتي يقال إنه تم السماح لها بالعمل في السودان في التسعينات خلال فترة “عمر البشير”.

تمت الإطاحة بـ”البشير” عام 2019 في انقلاب أبيض، ولكن وفقًا لتقارير وزارة الخارجية الأمريكية، فإن “البشير” اتخذ خطوات لمواجهة الجماعات التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية على مدى السنوات الماضية. فيما تعمل السعودية، التي اتُهمت بدور أكبر بكثير في رعاية الجماعات الإرهابية، على إقناع الولايات المتحدة بإزالة السودان من القائمة لمدة عام على الأقل.

وقد يبدو المبلغ صغيرا بالنسبة للميزانية الأمريكية، لكن من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي للسودان إلى 9.7 مليار دولار فقط عام 2020، وهو العام الخامس على التوالي الذي يشهد انخفاضًا ملحوظًا. ومن المتوقع أن ينخفض الناتج مرة أخرى، إلى 6 مليارات دولار فقط. وبالنظر إلى هذه المبالغ، فإن مبلغ 335 مليون دولار يمثل خسارة كبيرة.

ومع ذلك، يمكن اعتبار الأموال بمثابة استثمار، إذا كان ذلك يعني إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. فهذا التصنيف يمنعها من الحصول على المساعدة التي تحتاجها من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهي مساعدات يمكن أن تساعد في استقرار الاقتصاد السوداني. وقد بلغ معدل التضخم السنوي 200% في سبتمبر/أيلول، وانخفض الجنيه السوداني من 82 إلى 262 جنيهًا مقابل الدولار منذ تولي الحكومة الانتقالية الحالية السلطة قبل 13 شهرًا.

لكن الاتفاق يأتي مع ضغوط أمريكية كبيرة على السودان للانضمام إلى الإمارات والبحرين في إقامة علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل).

وتعتبر مسألة إقامة علاقات مع (إسرائيل) موضع جدل كبير في السودان. كما تفاقم من حدة التوتر بين المكون المدني في الحكومة الحالية والجيش الذي يكافح من أجل الحفاظ على سيطرته على بعض السلطة على الأقل. ومع ذلك، أصرت إدارة “ترامب” على التطبيع مع (إسرائيل) كشرط لشطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وافقت واشنطن على ما يبدو على إزالة السودان من قائمة الدول الراعية وتقديم حزمة مساعدات قبل أن يوافق السودان علانية على التطبيع. وتشير التوقعات بأن التطبيع سيأتي في غضون أيام.

بالنسبة لـ(إسرائيل)، سيكون للاتفاق مع السودان أهمية رمزية كبيرة. فقد كانت الخرطوم مكان “اللاءات” الشهيرة لجامعة الدول العربية في سبتمبر/أيلول 1967، عندما أعلنت الجامعة أن سياستها ستكون “لا سلام، لا مفاوضات، لا اعتراف بإسرائيل”.

بصرف النظر عن الرمزية، فإن العلاقة بين السودان و(إسرائيل) لا تقدمالكثير لأي من البلدين على المدى القصير. فالسودان أمامه طريق طويل إلى الاستقرار، وسيكون هناك بالتأكيد عداء شعبي تجاه (إسرائيل) في المستقبل المنظور إذا لم يكن هناك نهاية لاحتلال الضفة الغربية والحصار المفروض على قطاع غزة. وستكون هناك فرص محدودة للتعاون التجاري أو العسكري.

وحتى بالنسبة لـ”ترامب”، فإن المكاسب المحتملة هنا لا تبدو كبيرة جدًا. فبالرغم أن إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب هو بالتأكيد شيء يمكن أن يروّج له على أنه نعمة للسودانيين، لكن من الصعب تخيل تأثر كتلة من الناخبين المحتملين بهذه النقطة. فالقيمة المضافة لهذه الصفقة مع (إسرائيل) ستؤثر على أصوات حصل عليها “ترامب” بالفعل، كما أن الاتفاق مع السودان أقل أهمية بكثير لهؤلاء الناخبين من المكافآت الأخرى التي منحها “ترامب” لـ(إسرائيل) في الماضي.

ولإنجاح الصفقة، سيحتاج الكونجرس إلى الموافقة على شطب السودان من القائمة، وستحتاج الإدارة إلى تشريعات لحماية السودان من الدعاوى القضائية المستقبلية الناشئة عن ارتباطه بالعديد من الجماعات المسلحة بما في ذلك تنظيم “القاعدة” و”حماس” وغيرهما خلال فترة التسعينيات. وفي حين يعتقد معظم المراقبين أن “البشير” قطع العلاقات مع “القاعدة” قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بوقت طويل، هناك مخاوف بشأن الدعاوى القضائية من عائلات 11 سبتمبر/أيلول، وهي مجموعة لا يرغب أعضاء الكونجرس في إثارة غضبها.

ومن المرجح أن يقوم كل من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين بالتعبير عن مخاوف أسر ضحايا الهجمات على المنشآت الأمريكية في الخارج، وسوف تتأثر مواقفهم بطرق مختلفة بسبب المخاوف الانتخابية. ومع أقل من أسبوعين على انطلاق الانتخابات الأمريكية، فقد لا يكون الوقت كافيا لمعالجة هذه القضية.

في غضون ذلك، يواصل شعب السودان دفع ثمن الجرائم التي لم يرتكبها. وكان يجب حذف السودان من قائمة الدول الراعية منذ فترة طويلة، بحلول عام 2017، عندما رفعت الولايات المتحدة معظم العقوبات الأخرى عن السودان.

تعتبر قائمة الدول الراعية للإرهاب نفسها وثيقة مشكوك فيها. فمع إزالة السودان أصبحت القائمة تشمل إيران وكوريا الشمالية وسوريا فقط، بينما تستثني عدة دول – أبرزها السعودية – التي يُعتقد على نطاق واسع أنها نشطة على الأقل في دعم الجماعات المسلحة مثل أي دولة أخرى.

وقد أدرجت الولايات المتحدة دولًا أخرى مثل العراق وباكستان وأفغانستان على أنها توفر “ملاذات آمنة للإرهابيين”، وهو بالضبط ما فعله السودان لاستحقاق إدراجه في قائمة الدول الراعية للإرهاب. وتوضح الطبيعة التعسفية للقائمة مدى عدم عدالة إدراج السودان، خاصة بعد الإطاحة بنظام “البشير”.

لا ينبغي أن تكلف دولة فقيرة مئات الملايين من الدولارات لإزالتها من هذه القائمة المتقلبة. ولا ينبغي أن يعتمد شطب هذا البلد من القائمة على اتخاذ خطوات من شأنها أن تهدد تقدمه الهش نحو الديمقراطية وتخاطر بتفاقم التوترات القائمة داخل الحكومة الوليدة. مرة أخرى، حتى عندما تحاول إدارة “ترامب” القيام بالشيء الصحيح، فإن دوافعها الخاصة تؤدي في النهاية إلى إلحاق ضرر أكبر مما تنفع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى