#شوؤن دولية

“ستارت – 3” .. مماطلة أمريكية ومحاولات للعودة لما قبل الحرب الباردة

نهال أحمد * 24/4/2020

أثار اقتراب موعد انتهاء معاهدة “ستارت-3” الموقعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، والمعنية بخفض الأسلحة الهجومية الإستراتيجية حالة من القلق،لاسيما مع تراخي الإدارة الأمريكية في توضيح موقفها بشأن إمكانية تجديد الاتفاقية فترة أخرى بعد انتهاء مدتها المقررة في فبراير2021، وزاد الأمر تعقيدًا ما أثاره مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي “جون بولتون” في وقت سابق من تصريحات كان فحواها أنه من غير المحتمل تمديد معاهدة “ستارت 3” لأن بها عيوب.

ليطرح بذلك تساؤل حول مستقبل الأمن العالمي في حالة انتهاء تلك المعاهدة لاسيما وأنها المعاهدة الأخيرة التي تضع سقفا للقوات النووية للعدوين اللدودين (موسكو وواشنطن) إبان الحرب الباردة السابقة.

الأهمية الاستراتيجية للمعاهدة

أثارت مماطلة الإدارة الأمريكية حول إعلان موقفها بشأن تمديد معاهدة “ستارت3″، العديد من التساؤلات بشأن مستقبل المعاهدة، ومدى استعداد روسيا لتقديم بدائل في حالة الرفض الأمريكي، ومستقبل الأمن العالمي إذالم يتم التوصل لحلول منطقية، وغيرها من الأسئلة المحورية.
جاءت حالة التشكك في مستقبل المعاهدة بعد تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي “جون بولتون” التي أوضح خلالها أنه من غير المرجح تمديد معاهدة “ستارت3” بين الولايات المتحدة وروسيا نظرًا لوجود عيوب ونواقص في محتواها، موضحًا أنه رغم عدم اتخاذ أي قرار بشأن المعاهدة حتى الآن لكن من غير المرجح أن يتم تمديدها، كما أضاف: “لماذا ينبغي علينا أن نمدد معاهدة يتخللها عيوب لمجرد القول أن لدينا معاهدة؟”. في المقابل أعلنت موسكو على لسان وزير خارجيتها “سيرغي ريابكوف” أن موسكو لا تنوي تغيير سياستها في حالة انقضاء سريان المعاهدة(1).

مما سبق نجد أن أزمة الثقة المتبادلة بين موسكو وواشنطن ستتسبب في مخاطر إقليمية لاسيما وأن روسيا لن تأخذ تعهدات الدول الأوروبية بشأن عدم نشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى عقب انتهاء مدة المعاهدة الروسية الأمريكية على محمل الجد.

ولمعرفة أهمية المعاهدة ومحوريته لابد أن نستعرض بعض البيانات الخاصة بها؛ فالمعاهدة بالأساس ثنائية وقعها كل من الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما”  والرئيس الروسي “مدفيديف” في أبريل 2010 بمدينة براغ، وذلك كبديل لمعاهدات ستارت1 _2، وبالفعل تم تقديم المعاهدة الجديدة إلى مجلس الشيوخ ودخلت حيز التنفيذ فبراير 2011.

تستهدف المعاهدة تخفيض الحد الأقصى للصواريخ الهجومية لكلا البلدين وذلك بنسبة 30% وكذلك تخفيض الحد الأقصى لآليات الإطلاق الإستراتيجية بنسبة 50%، أي سيتم تخفيض الرؤوس النووية إلى 1550 رأسا و800 منصة معنية بإطلاق الصواريخ وأيضا خفض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة إلى 700 وحدة، لذلك تكمن الأهمية الاستراتيجية للمعاهدة في كونها المقنن الرئيسي لاستخدام الأسلحة الاستراتيجية بين أكبر قوتين عالميًا(2).

جدير بالذكر أن “ستارت3” تم التوصل إليها بعد مفاوضات مرهقة عقب فشل “ستارت-1″ و”ستارت-2” بسبب رفض روسيا التوسع الشرقي للناتو، وتمسكها ببند محوري حول “ردع  درع واشنطن الصاروخي” التي تنوي الولايات المتحدة نشره في أوروبا الشرقية، كما أشارت بنود الاتفاقية أيضا إلى أن التطبيق سيتم في غضون 10 سنوات مع إمكانية تمديدها لمدة 5 سنوات أخرى، بالاتفاق المتبادل بين الطرفين الموقعين عليها.

وبذلك فالاتفاقية تمكنت من إحراز تقدم في العلاقات بين البلديين، كما أعادت شكل من أشكال التعاون العسكري في مجال ضبط الأسلحة النووية بين موسكو وواشنطن، ومن جهة أخرى ألزمت الاتفاقية طرفيها بالشفافية والنزاهة بشأن تبادل المعلومات المؤكدة حول عدد الرؤوس الحاملة والناقلة مرتين في السنة.

ما سبب الأزمة؟

ترجع المماطلة الأمريكية وتراخيها في تحديد موقفها بشأن تمديد المعاهدة إلى اعتراضها على بعض النصوص حيث ترى واشنطن أن أي اتفاق مع الجانب الروسي يجب ألا يقتصر على نوع الأسلحة ولكن أيضا وسائل نقلها، وآليات تطويرها بما فيها الأسلحة النووية متوسطة الشدة والتي تستخدم وسائل نقل جديدة، وما زاد الأمر تعقيدًا أن الولايات المتحدة اشترطت ضرورة انضمام الصين للاتفاقية لضمان أمن المنطقة واستقرارها(3).

يتضح لنا أنه منذ مجيء الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، فإنه يسعى لانسحاب الولايات المتحدة من كافة الاتفاقيات المنضمة إليها وتعديلها وفقًا لأهوائه الشخصية من جهة، وبما يتناسب مع مصالح واشنطن في التعامل مع الدول الأخرى، بحيث يتم وضعها في الدرجة الأولى للعالم من حيث القوة والسيطرة، والاستمرار في تصنيف كلا من روسيا والصين بالأعداء، متوهمة أنها تلعب دورًا رياديًا في العالم مقابل إضعاف الدول الأخرى من جهة أخرى.

فتعديل الاتفاق وفقًا لما تسعى إليه واشنطن يتطلب وقت طويل من ناحية، ولا توجد أي ضمانة لقبول موسكو بهذا من ناحية أخرى، لاسيما وأن ذلك من شأنه  المساس بأمنها القومي كما أن الاشتراطات الجديدة تلزم روسيا وتقيدها في حالة إقدامها للتوقيع على أي اتفاق مستجد، حيث أن أي اتفاق جديد سيدفع موسكو لضرورة وضع موازين القوى العسكرية والوضع الاقتصادي والسياسي في الحسبان.

من الواضح أن “ترامب” تثاوره حالة من القلق بشأن مصير “ستارت_ 3” لاسيما وأنها تعد بمثابة المعاهدة الأخيرة المتبقية بين موسكو وواشنطن، كما أن إلغاؤها يلقى على عاتقه ضغط جديد بجانب الضغوط التي يواجهها في الكونجرس، ومن ناحية أخرى لا يمكن تجاهل خطوة “ترامب” في تعيين مساعد وزير المالية، لمكافحة تمويل الإرهاب، حيث يمكن قراءة هذه الخطوة بأن الإدارة ربما ليست مهتمة بتمديد المعاهدة.

تداعيات خطرة

أضفت معاهدة “ستارت 3” قدر من الهدوء في العلاقات العسكرية الروسية الأمريكية، إلا أنه برفض الجانب الأمريكي تمديد المعاهدة، سيفتح باب العداء على مصرعيه وهو ما يمكن الاستدلال عليه من تصريحات الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” خلال مؤتمره الصحفي السنوي ديسمبر 2019، والتي أوضح خلاله أن اختفاء “ستارت 3” يعني القضاء على كاف الآليات القانونية التي من شأنها كبح سباق التسلح.

وبمراجعة التاريخ نجد أن الولايات المتحدة كانت سببًا رئيسيًا في تدمير كافة المعاهدات المعنية بوضع نظام للردع والتوازن الشامل، لذلك ففي حالة تلاشي “ستارت 3” لن يكون هناك أي آلية لضبط التسلح، ومن ثم ستزداد الأمور صعوبة حيث أن المخرج الوحيد حينذاك هو البدء بإنشاء كل شيء من جديد، وحينها ستكون مشاركة الطرف المخل بالتزاماته سابقًا على أساس التكافؤ(4).

إلا أنه في حالة تطور الأحداث وعدم القدرة في السيطرة على الأمور، ستقوم الدول التي تمتلك أسلحة نووية كالصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل وإيران بتعزيز قدراتها النووية والمضي نحو إنشاء ترسانات نووية وتطوير المنظومة التسليحية وهو ما من شأنه تهديد السلم والأمن العالمي.

وخير مثال لذلك إعلان اليابان ديسمبر 2019 عن نيتها إنشاء وحدة دفاع فضائي، لحماية نفسها من التهديدات المحتملة، بحيث تعمل هذه الوحدة بالتوازي مع نظيرتها الأميركية التي أطلقها الرئيس “دونالد ترامب” في أغسطس2018، في حين يأتي قرار اليابان بالتزامن مع تصاعد حدة التنافس الروسي الصيني لتطوير تكنولوجيا الصواريخ وكذلك تزايد التهديدات في الفضاء الإلكتروني والتدخلات الكهرومغناطيسية ضد الأقمار الصناعية اليابانية(5).

وبالفعل بدأت الوحدة في العمل خلال إبريل الجاري كجزء من قوة الدفاع الذاتي الجوية الياباني، على أن تضاف هذه الوحدة الفضائية إلى قاعدة جوية في مدينة فوشو بالضواحي الغربية لطوكيو.

وبقراءة المشهد نجد أن التوازنات العسكرية تتم بشكل متسارع، وهو ما خلق ضغوط على دفاعات الكثير من الدول  والتي جعلت ساستهم يفكرون في وجوب تطوير القدرات بما في ذلك قدراتهم الهجومية لضمان عدم قيام الخصوم المحتملين باستغلال وضع قوات الدفاع الذاتي البسيطة(6).

ورغم ما سبق؛ إلا أن التهديدات المتصاعدة، وارتفاع وتيرة التنافس بين القوى الإقليمية جعل سلطات العديد من الدول ينتابها حالة من التشكك في تعهدات الولايات المتحدة بالدفاع عن مصالحها الأمنية منها النموذج الياباني، ومن ثم فإن فكرة إلغاء “ستارت 3” من شأنها تعزيز تلك المخاوف والمساهمة في الإسراع من عمليات التسلح النوعي.

فالاشتراطات التعجيزية التي تضعها واشنطن لا علاقة لها بتمديد “ستارت3” كما أن الشرط الإلزامي بضرورة الانضمام الحتمي للصين يعقد الأمر أكثر فالمعاهدة ثنائية، ومن ناحية أخرى لا مصلحة لبكين في تطوير وثيقة ثلاثية، لأن الترسانة النووية الصينية لا يمكن مقارنتها بنظيرتها الأمريكية والروسية نظرًا لصغر حجمها، لذلك فمن الواضح أن قرار “ترامب” بشأن “ستارت 3” مرهون إلى حد كبير بمسار الحملة الانتخابية الرئاسية ويبدو أنه في حالة ضمان “ترامب” فوزه يرجح أن يواصل تكتيكات المماطلة في التمديد.

* المركز العربي للبحوث والدراسات

المراجع

1_خبير: انسحاب واشنطن من “ستارت-3” سيفتح “صندوق باندورا”، موقع روسيا اليوم، بتاريخ19/2/2019، متاح على الرابط:https://cutt.us/4rZGj

2_ هل تقبل الولايات المتحدة اقتراح روسيا تمديد معاهدة ستارت 3؟،موقع سبوتنيك الروسي،بتاريخ20/4/2020، متاح على الرابط:https://cutt.us/QYLrC

3_ The missile defense dilemma: Russia offers US ‘hypersonic exchange’, bulgarianmilitary site ,21/4/2020,available at: https://cutt.us/JCuLq

4_ PUERTO RICO RE-START 3 E, internationalcenter site,22/3/2020,available at:https://internationalcenter.ufl.edu/puerto-rico-re-start-3-e

5_ V. TREATIES ON THE REDUCTION OF STRATEGIC WEAPONS (START I & START II), europarl,available at:https://www.europarl.europa.eu/workingpapers/poli/w23/start_en.htm

6_ روسيا تعرض على أمريكا تمديد معاهدة نيو ستارت النووية، موقع العين الإخبارية،بتاريخ 18/4/2020، متاح على الرابط: https://al-ain.com/article/russia-america-start-nuclear

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى