أقلام وأراء

ساجي خليل يكتب – كي لا يصبح الموقف الفلسطيني معزولاً عربياً

ساجي خليل – 17/8/2020

الخطوة التي أقدمت عليها دولة الإمارات بتطبيع علاقتها مع إسرائيل وإدارة ظهرها للحقوق الوطنية الفلسطينية شكلت انعطافة غاية في الخطورة، ستكون لها انعكاسات هائلة على القضية الفلسطينية وعلى الصراع العربي الإسرائيلي.

جاء الاتفاق الثلاثي الإماراتي – الإسرائيلي – الأميركي بمثابة ضربة غادرة للإجماع العربي تجاه القضية الفلسطينية كما عبرت عنه المبادرة العربية للسلام وقرارات القمم العربية، إضافة لتنكره لقرارات الشرعية الدولية بخصوص الحقوق الوطنية الفلسطينية. كما خلا الاتفاق من أي إشارة للحقوق الوطنية الفلسطينية. واكتفى بصيغة تتحدث عن تجميد الضم وليس إلغاءه، إضافة لتسليمه بالسيادة الإسرائيلية على القدس بدعوى السماح للمسلمين بالصلاة في المسجد الأقصى، كما تجاهل الاتفاق السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ومن ضمنها استمرار الاستيطان، وتهويد القدس، واعتبار الضفة الغربية أرض إسرائيل التاريخية وأن من حق إسرائيل فرض السيادة الإسرائيلية عليها.

لقد دحض نتنياهو، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده فور الإعلان عن الاتفاق، المزاعم الإماراتية لتبرير الاتفاق وكشف حقيقة مضامينه. بالاختصار أعلن نتنياهو أن الضم لا يزال موجوداً على جدول الأعمال الإسرائيلي، وأنه متمسك بمبدأ السلام مقابل السلام وليس الأرض مقابل السلام، ومتمسك بالسيادة الإسرائيلية على كل الضفة الغربية المحتلة، وأنه لا دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة العام 1967.

البيان الذي أصدرته القيادة الفلسطينية باسم منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني والناطق باسمه، أدان الاتفاق واعتبر الموقف الإماراتي خيانة للقضية الفلسطينية والعربية، وخروجاً عن الإجماع العربي. ودعا الأشقاء العرب لعدم الرضوخ للضغوطات الأميركية. كما طالب بانعقاد اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي من أجل رفض الاتفاق.

ومن خلال بيان القيادة الفلسطينية وكل التصريحات التي صدرت عن المسؤولين الفلسطينيين، لا نجد حتى الآن ما يؤشر على وجود خطة عملية واضحة للتحرك في المجالات المختلفة للتعاطي مع تداعيات وانعكاسات الخطوة الإماراتية.

تخطئ القيادة الفلسطينية إذا ما اكتفت بتوجيه سهام النقد وإصدار إعلانات التنديد والشجب للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي وللمواقف العربية المؤيدة له، تحديداً للموقف المصري. وتخطئ أيضاً إذا ما فكرت بالرد على ذلك الاتفاق بالانزلاق نحو الاصطفاف أو التمحور مع أي من الأطراف الإقليمية سواء إيران أو تركيا أو غيرهما، دون أن يعني ذلك الامتناع عن التواصل مع كافة الأطراف والدول الإقليمية والدولية لحشد التأييد للقضية الفلسطينية.

وفِي الوقت الذي تدين فيه القيادة الفلسطينية خروج حكومة الإمارات عن الإجماع العربي وتطالبها بالتراجع عنه وتطالب كافة الدول العربية عدم الخضوع للضغوط الأميركية، فإن على القيادة إبداء أشد الحرص على تعزيز علاقتها مع باقي الدول العربية الشقيقة والحذر من توسيع نطاق الخلاف معها، وتجنب الانجرار نحو مواقف اتهامية أو سياسات تقوم على التوتير والقطيعة. فليس من الحكمة ولا من المصلحة الوطنية الانعزال عن باقي الدول العربية الشقيقة وتقديم القضية الفلسطينية للعالم كقضية معزولة وميؤوس منها، وأن الشعب الفلسطيني بات وحيداً بعد أن تخلى العرب عنه، واختيار الدخول في عزلة ذاتية والانكفاء بعيداً عن الإطار العربي؛ ذلك أنه رغم التراجعات الواسعة في مواقف العديد من الدول العربية، وانشغالها عن القضية الفلسطينية وعزوفها أحياناً عن دعم المواقف الفلسطينية، لا يزال المجال مفتوحاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموقف العربي الموحد إزاء القضية الفلسطينية، تحديداً إزاء المبادرة العربية.

بالتأكيد، كنا نتمنى لو أن مصر لم تمنح الترحيب المفتوح لذلك الاتفاق المشؤوم، وأن تؤكد بدلاً من ذلك تمسكها الثابت بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وبالمبادرة العربية، وذلك انسجاماً مع الموقف التاريخي لمصر إزاء القضية الفلسطينية، وانسجاماً مع التضحيات التي قدمها أبناء مصر على مر الأجيال دفاعاً عن فلسطين وعن الحقوق الوطنية الفلسطينية. كما تمنينا ألا يلوذ الكثير من الدول العربية بالصمت إزاء هذه الخطوة الإماراتية الضارة، وأن تجدد التزامها القوي بالمبادرة العربية وبالحقوق الوطنية الفلسطينية.

إن الدعوة لسحب مبادرة السلام العربية، كما جاء على لسان أحد المسؤولين الفلسطينيين، هي بالتأكيد دعوة محبطة وخاطئة ومضرة. فلا يزال بالإمكان السعي لتحشيد الموقف العربي مجدداً على قاعدة المبدأ الذي أرسته المبادرة العربية والذي يقوم على تحقيق السلام وإقامة العلاقات الطبيعية مقابل تلبية الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. ولا يزال بالإمكان إحباط مؤامرة “صفقة القرن” الأميركية رغم الصعوبات الكبيرة التي يجابهها الشعب الفلسطيني. ففي كل الحالات، حتى لو امتد الانهيار ليشمل كافة الدول العربية بلا استثناء، فإن “صفقة القرن” لن تتمكن من المرور طالما رفضها الفلسطينيون، ذلك أن الموقف الفلسطيني هو صمام الأمان لحماية الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.

ومن أجل تدارك هذا التصدع الآخذ في التفاقم في الموقف العربي، ليس أمامنا من طريق سوى السعي لتوحيد الموقف العربي وتعزيز العلاقات العربية، تحديداً مع مصر والأردن والسعودية، على قاعدة وقف التراجع ومنع الانهيار أمام المخطط الأميركي الصهيوني، وذلك من خلال التمسك بالمبادرة العربية وبالحقوق الوطنية الفلسطينية كما أكدت عليها كافة قرارات القمم العربية والإسلامية.

علينا إزاء هذه الخطوة الإماراتية الغادرة، وما قد يتبعها من تداعيات، التشبث بحقوقنا وببرنامجنا الوطني، والعمل على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتحقيق نقلة فعلية في الوضع الداخلي الفلسطيني، وسرعة إنهاء الانقسام، وذلك كشرط ضروري للنهوض بالحركة الكفاحية الفلسطينية وتعبئة الرأي العام الفلسطيني، وضمان انخراط كافة طاقات الشعب الفلسطيني في الدفاع عن الحقوق الوطنية ومواصلة النضال الوطني للتصدي لمحاولات تصفية قضيته الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى