زياد ياسين: فتح واحدٌ وستون عامًا…حين تتحوّل الثورة إلى هوية ..وتبقى البوصلة فلسطين

زياد منذر ياسين 30 ديسمبر 2025
واحدٌ وستون عامًا مرّت، وما زالت فتح تقف في مقدّمة المشهد الوطني الفلسطيني، شاهدةً على زمنٍ قرر فيه الفلسطيني أن يخرج من صمت اللجوء إلى فعل الثورة، ومن هامش القهر إلى مركز الفعل التاريخي. لم تكن انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في الأول من كانون الثاني عام 1965 مجرّد إعلان عسكري، بل كانت ولادة وعيٍ وطنيٍ جديد، أعاد الاعتبار للإنسان الفلسطيني، وحوّل الحلم بالعودة إلى مشروع نضالي مفتوح على كل أشكال التضحية.
في ذكرى الانطلاقة الواحدة والستين، لا نُحيي تاريخًا مضى، بل نستحضر مسيرةً لا تزال تنبض بالفعل، ومسؤوليةً وطنية تتجدد في وجه احتلالٍ لم يتوقف عن مصادرة الأرض والهوية، وفي ظل عالمٍ يتغير، لكن فلسطين تبقى قضيته الأخلاقية الأولى.
فقد جاءت حركة فتح في زمنٍ عربيٍ مأزوم، كانت فيه القضية الفلسطينية أسيرة الحسابات الإقليمية، فجاء قرار الانطلاقة ليؤكد أن فلسطين لأبنائها، وأن القرار الفلسطيني يجب أن يكون فلسطينيًا مستقلًا. ومنذ رصاصتها الأولى، كسرت فتح جدار الخوف، وأسست لمرحلة جديدة من النضال، قوامها الإيمان بالذات، والاعتماد على الجماهير، وربط الكفاح المسلح بالبعد السياسي والوطني الشامل.
ولم تكن فتح تنظيمًا مغلقًا أو فئويًا، بل حركة شعبية جامعة، احتضنت أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وجعلت من التعددية قوة، ومن الاختلاف مصدر غنى، ومن الوحدة الوطنية قاعدة لا غنى عنها في معركة التحرر.
كما وخاضت فتح معاركها الكبرى دفاعًا عن الكرامة الوطنية الفلسطينية، من الأردن إلى لبنان، ومن بيروت المحاصرة إلى الأرض المحتلة، وقدّمت قوافل من الشهداء والجرحى والأسرى. ومع صعود دورها الريادي، أصبحت فتح العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأسهمت في ترسيخها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
وبرغم الانتقال من مرحلة الثورة إلى بناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، بقيت فتح تحمل تناقضات المرحلة بكل شجاعة، محاولة الموازنة بين متطلبات النضال الوطني وأعباء السياسة، دون التفريط بالثوابت، وعلى رأسها حق العودة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
كما لا يمكن الحديث عن فتح دون استحضار القائد المؤسس الشهيد ياسر عرفات “أبو عمار”، الذي لم يكن مجرد قائد حركة، بل كان حالة وطنية جامعة. حمل بندقيته بيد، وغصن الزيتون باليد الأخرى، وجال في العالم ليقول: لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي. بقي حتى آخر لحظة متمسكًا بفلسطين، رافضًا الإملاءات، ومحاصرًا لكنه لم يُهزم.
وقد شكّل نهج أبو عمار مدرسةً في القيادة الوطنية، قوامها القرب من الناس، والإيمان بالجماهير، والتمسك بالوحدة الوطنية، وهي القيم التي ما زالت فتح مطالبة باستعادتها وتعزيزها في مسيرتها المعاصرة.
في ذكراها الواحدة والستين، تواجه حركة فتح تحديات غير مسبوقة، في ظل حرب مفتوحة على القضية الفلسطينية، واستهداف مباشر للقدس والمقدسات، وتصاعد الاستيطان، ومحاولات تصفية حق العودة، إلى جانب الانقسام الداخلي الذي أضعف الموقف الوطني وأرهق الشارع الفلسطيني.
وفي كل مخاض واستحقاق تبرز القيادة الشرعية الفلسطينية ممثلة بفخامة السيد الرئيس محمود عباس ابو مازن لتعيد القضية لصدارتها وبلورة هويتها والتمسك بثوابت شعبنا التي ارسى دعائمها مفجر الثورة القائد الرمز ابو عمار ومن خلفه ربان سفينتنا وحامل الامانة ، الثابت على الحق الفلسطيني فخامة السيد الرئيس محمود عباس.
إن هذه المرحلة تفرض على فتح مسؤولية تاريخية مضاعفة، تتمثل في تجديد بنيتها التنظيمية، وتعزيز حضورها بين الشباب، واستعادة دورها الطليعي، وتكريس ثقافة الشراكة الوطنية، بما يضمن حماية المشروع الوطني الفلسطيني من التفكك أو الضياع.
لقد شكّل الشتات الفلسطيني أحد أعمدة القوة لحركة فتح، حيث تحولت المخيمات إلى مدارس وطنية، تُعلّم الأجيال معنى الانتماء، وتربط اللاجئ بحقه غير القابل للتصرف في العودة. ومن لبنان إلى سوريا والأردن وسائر المنافي، بقيت فتح حاضرةً في الوجدان الشعبي، حاملةً همّ اللاجئين، ومدافعةً عن كرامتهم وحقوقهم السياسية والاجتماعية.
وختاماً بعد واحدٍ وستين عامًا، لا تزال حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح أكثر من مجرد حركة سياسية ، بل حركة الواقع الفلسطيني ؛ إنها ذاكرة شعب، وضمير ثورة، وعنوان مرحلة صنعت الهوية الفلسطينية الحديثة. وفي زمن الانكسارات، تبقى فتح مطالبة بأن تكون على قدر تضحيات شهدائها، وأحلام أسراها، وآمال شعبها الذي لم يفقد إيمانه بالحرية.
في ذكرى الانطلاقة، يتجدّد العهد:
أن تبقى فلسطين أولًا ، وأن تبقى الوحدة الوطنية خيارًا لا بديل عنه،
وأن تبقى فتح حركة الشعب ،
وبوصلة النضال حتى زوال الاحتلال.
المجد والخلود للشهداء الابرار … الحرية للأسرى البواسل …
الشفاء العاجل لجرحانا الابطال…
عاشت فلسطين ، عاشت ذكرى “الإنطلاقة ٦١ “
المجد لشعبنا ، وانها لثورة حتى النصر …



