أقلام وأراء

زياد ابو زياد يكتب القيادة الفلسطينية والسؤال: الى أين ذاهبون

زياد ابو زياد ٢٥-٧-٢٠٢١م

السؤال الذي يشغل بال الكثيرين هو الى أين نحن ذاهبون بعد تلاشي الآمال التي عُلقت على صمود غزة أمام العدوان الإسرائيلي الأخير والهبة الشعبية في القدس واللذين أنعشا الروح المعنوية للشعب الفلسطيني بعد نكسة تأجيل الانتخابات وعودة التراشق الإعلامي بين رام الله وغزة وتبدد أوهام إمكانية تحقيق المصالحة.
وقد ازداد هذا السؤال الحاحا بعد الاحتجاجات التي شهدها الشارع الفلسطيني على قتل الناشط المرحوم نزار بنات، وحدة رد فعل الأجهزة الأمنية بالضفة على هذه الاحتجاجات والتي أثارت الانتقادات الشديدة ضد هذه الأجهزة وطريقة تعاملها العنيفة ضد المواطنين.
ولا بد هنا من الإشارة الى الوضع المتردي في قطاع غزة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وتصرفات الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس والقتل المتكرر للمواطنين الأبرياء العزل من السلاح سواء في سجون حماس أو على الطرقات والشوارع والتي كان آخرها قتل الشاب حسن أبو زايد ليلة أول من أمس نتيجة اطلاق النيران على مركبته شرق حي التفاح بمدينة غزة أثناء عودته الى منزله ليلا ً عند مروره أمام حاجز لما يسمى “حماة الثغور” بحجة أنه لم يتوقف عند الحاجز كما أفاد إياد البزم الناطق باسم داخلية حماس ، ويطالب أهله بالتحقيق في ذلك ولماذا تم اطلاق النار مباشرة عليه.
وأقول في هذا المقام أنني أتلقى بين الحين والآخر رسائل عتاب من بعض الأهل في غزة يتساءلون لماذا تقوم الضفة ولا تقعد حين يكون هناك خرق لحقوق الإنسان فيها ولا يبدي الناس في الضفة نفس الاهتمام والقلق والاحتجاج إزاء خروقات حماس لحقوق الناس هناك ووقوع حالات قتل في سجون حماس يمر بها البعض في الضفة مر الكرام، وتضيف بعض هذه الرسائل أن الناس في غزة محكومون بالرعب ويتطلعون الى النصرة من أهلهم في الضفة. وأضع هذه الملاحظة أمام وسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني في الضفة والقطاع وخاصة تلك التي تعنى بالديمقراطية وحقوق الانسان والحكم الرشيد لتتحمل مسؤوليتها.
وأعود الى التساؤل الذي طرحته في بداية هذا المقال: الى أين نحن ذاهبون؟
لقد اطلعت كما اطلع الكثيرون غيري على اللقاء الخاص الذي أجراه موقع (The media line) الأمريكي المختص بشؤون الشرق الأوسط مع الأخ حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح رئيس هيئة الشؤون المدنية وأحد المقربين من الرئيس محمود عباس ودائرة صنع القرار. ولا بد قبل التطرق الى مضمون تلك المقابلة من القول بأن الأخ حسين الشيخ لا يضع سياسة وإنما ينفذ سياسة أو يعبر عن سياسة تتباها القيادة وعلى رأسها الأخ الرئيس محمود عباس والذي ينتمي الى جيل قليلا ً ما يُشارك من حوله في قراره. وأنا إذ أذكر هذا الاستدراك فإنني أقصد أن أقول لكل من لم تعجبه بعض أو جميع تصريحات الأخ حسين الشيخ أن هذه التصريحات هي تعبير عن السياسة الحالية للقيادة وليس حسين الشيخ هو واضعها.
يقرر في بداية المقابلة بأن هناك إسرائيليين غير مقتنعين بأن هناك ضرورة ملحة لإنهاء الصراع ويعملون على تأجيل الحل ويعبر عن رأيه في التناقضات داخل الحكومة الإسرائيلية الحالية، ولكنه يضيف بأنه يعتقد بأن هذه الحكومة لن تكون أسوأ من حكومات نتنياهو السابقة. ويأمل أن تبحث الحكومة الحالية بجدية عن خطوات عملية لإعادة بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويشير الى أن هناك قائمة طويلة من الإجراءات التي تستطيع إسرائيل القيام بها ومنها إعادة النظر في اتفاق باريس الاقتصادي الذي وقع قبل ستة وعشرين عاما ويتساءل لماذا لا تتم مراجعته وتصويبه، وهناك المياه والاستثمار والتطوير في منطقة “ج” والأسرى والمرضى وغير ذلك.
وبالرغم من أن الشيخ يؤكد على حق الشعب الفلسطيني في الحرية والعيش بكرامة في دولته المستقلة وعلى حل الدولتين إلا من الواضع أن أقصى ما تصبو إليه القيادة الفلسطينية حاليا ً هو أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بخطوات ايجابية لتغيير الأجواء الحالية فيما يتعلق بالحياة اليومية. أي أن القيادة الفلسطينية لا تتوقع حلا ً مع الحكومة الإسرائيلية الحالية وإنما إجراءات للتخفيف على الناس لخلق أجواء أكثر إيجابية بين الطرفين.
وبالرغم من الإشادة بالمكالمة التي أجراها الرئيس الأمريكي بايدن مع الأخ الرئيس محمود عباس والتي يؤكد الشيخ بأن بايدن تحدث خلالها بإيجابية عن احترام الوضع القائم في المسجد الأقصى والشيخ جراح والقدس الشرقية ووقف توسيع المستوطنات ووقف الإجراءات أحادية الجانب إلا أن هذه المكالمة لا تتحدث عن قرارات ولا عن تغييرات عملية في الموقف الأمريكي وإنما – كما يقول – خارطة طريق للعمل لإعادة الثقة بين الجانبين الأمريكي والفلسطيني. من خلال لجان ثنائية وثلاثية.
ومع أن الاعلام اهتم بشكل رئيسي في الاعتذار الذي قدمه الشيخ باسم القيادة الفلسطينية عن مقتل نزار بنات، واهتم بتأكيد الشيخ بأنه إذا “سمحت” إسرائيل بإجراء انتخابات فلسطينية بالقدس فإن الرئيس عباس سيقوم فورا بإصدار مرسوم لإجراء الانتخابات، إلا أن المقابلة في مجملها تشكل جرد حساب شامل كاف وواف يمكن لأي مراقب أن يستشف من خلالها طبيعة التصور السياسي لدى القيادة الفلسطينية للمرحلة الحالية والذي لا يعدو كون أقصى طموحاته تجميل الوضع الحالي وتغيير أجواء العلاقات بين القيادتين والشعبين الإسرائيلي والفلسطيني على أمل تغير الطروف القادمة مما سيسمح باستئناف عملية التفاوض.
ولا شك بأن أحدا ً لم يكن يتوقع من القيادة الفلسطينية أن تصنع المعجزة في ظل الأجواء الحالية فلسطينيا، واسرائيليا، وإقليميا، ودوليا. لأن توقع أي شيء جوهري جديد يتطلب مسبقا ً تغييرا جوهريا في إسرائيل من جهة وفي البنية السياسية والأداء السياسي للقيادة الفلسطينية التي من الواضح تماما أنها ما زالت تتعامل مع الصراع ضمن عقلية وأسلوب عمل سنوات السبعينيات والتي أسست من خلال قرارات المجلس الوطني المنعقد في الرباط عام 1974 لأمرين في غاية الأهمية الاستراتيجية التي دفعنا وما زلنا ندفع ثمنها منذ ذلك الحين حتى الآن. الأمر الأول هو اخراج القضية الفلسطينية من عمقها الأردني-العربي والإصرار على أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني مما يعني نفي العلاقة الأردنية بشكل خاص مع الأراضي المحتلة التي كانت حتى احتلال عام 1967 تحت الحكم الأردني ، والأمر الثاني هو تبني مبدأ إقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء من الأرض الفلسطينية تقوم إسرائيل بإخلائه. وهذا ما حدث نتيجة لأوسلو 1994 وكأن قمة الرباط عام 74 كانت تستشرق ما حدث عام 94.
إن إدارة الصراع مع الاحتلال لدحره وتحرير الأرض وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة تقتضي أول ما تقتضي بناء استراتيجية تستند للمعطيات الحقيقية سواء على الجانب الإسرائيلي أو على الجانب الذاتي والأخذ بعين الاعتبار ما يحيط بها من واقع إقليمي ودولي. ونحن في واقعنا الحالي نواجه دولة احتلال تختلف تماما عن إسرائيل عام 1994 التي وقعت اتفاق أوسلو، وهي لا تخفي نواياها برفض الانسحاب ورفض السماح بإقامة دولة فلسطينية وتصر على استمرار الاستيطان وتغيير الأمر الواقع بالقدس.
والحكومة الحالية بإسرائيل هي حكومة هشة لا يعطيها أكثر المراقبين تفاؤلا ً فرصة الاستمرار أكثر من عام أو عام ونصف في الحد الأقصى وهذه الفترة لا تكفي بأي حال من الأحوال لتحقيق أي تقدم جدي حتى في شأن تحسين الظروف المعيشية على الأرض وهي ما يسمونه إجراءات بناء الثقة ، ولا يجوز أن تعول القيادة الفلسطينية على وجود وزير عربي في هذه الحكومة يحمل مسمى وزير التعاون الإقليمي من حزب ميرتس لأن هذا الوزير الذي أعرفه شخصيا ً ، ولا يوجد لدي أي شك في صدق نواياه ، له مرجعية هي حكومة نفتالي بينيت بمكوناتها اليمينية المتطرفة التي لن تسمح له في نهاية المطاف بتحقيق أي شيء جدي على الأرض ولن تترك له إلا هامشا للتصريحات البراقة والتعبير عن النوايا الحسنة والتي ستسهم في تسويق إسرائيل في العالم العربي وخاصة الدول المتهالكة على التطبيع.
والأمر لا يختلف عنه على الجانب الأمريكي. فنحن أمام إدارة من المشكوك فيه جدا ً أن يعود الرئيس بايدن لفترة ثانية بسبب عمره وحالته الصحية من جهة وبسبب اللوبي الذي يعمل منذ الآن ضد عودته. وبالتالي فإنه وإن استطاع تقديم بعض مبادرات حسن النية المالية تجاه السلطة فإنه مقيد على الصعيد السياسي ويراهن هو الآخر على إطالة عمر حكومة نفتالي بينيت. وقد سمعنا هذا الأسبوع من واشنطن رسائل تقول بأن إدارة بايدن قررت تأجيل القرار بشأن إعادة فتح القنصلية الأمريكية بالقدس الى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم بغية عدم احراج حكومة نفتالي بينيت قبل تمكنها من تمرير مشروع قانون الميزانية بالكنيست والذي ربما يكون سببا ً في سقوطها المبكر.
وخلاصة القول، فإن من الواضح أن البرنامج السياسي للقيادة الفلسطينية يقوم على أساس وهم إمكانية حدوث تغيير في إسرائيل وواشنطن يمكن أن يؤدي الى استئناف المفاوضات مع إسرائيل دون إدراك المتغيرات العميقة داخل الخارطة السياسية الإسرائيلية الداخلية ودون ادراك أن الواقع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة لم يترك الحيز المقبول فلسطينيا ً لإقامة دولة فلسطينية وأن أقصى ما يمكن الحصول عليه من إسرائيل تفاوضيا هو شروط أفضل لحكم اداري لأشخاص بمعزل عن سلطة على الأرض.
العنوان الكبير المكتوب على الحائط هو أن إسرائيل لن تتخلى بإرادتها عن أي شبر من الأراضي المحتلة وأنه إذا أريد لها أن تتخلى فإن ذلك لا يمكن أن يتم إلا رغما ً عنها وهذا الأمر هو جوهر المعركة سياسية كانت أو مقاومة شعبية أو غير ذلك.
وعلى القيادة الفلسطينية أن تتخلى عن وهم إمكانية حل النزاع مع إسرائيل تفاوضيا لأن من المستحيل أن تتخلى إسرائيل عن الأرض لسواد عيون الفلسطينيين. والمطلوب تغيير المنهج. وتغيير المنهج لا يمكن أن يتم إلا من خلال تغيير الأدوات. وتغيير الأدوات لا يمكن أن يتم إلا من خلال إعطاء الفرصة الحقيقية للأجيال الشابة لتتحمل مسؤوليتها في اتخاذ القرار بشأن الى أين نحن ذاهبون وقد أشار لذلك الأخ حسين الشيخ في الى حد ما في نهاية مقابلته.
لقد فشل الأسلوب الذي ساد منذ السبعينيات مرورا حتى نهاية التسعينيات ولقد آن الأوان لأسلوب جديد وأدوات جديدة ورؤية مستقبلية جديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى