أقلام وأراء

زياد أبو زياد يكتب – لكي لا تتحقق نبوءة صلاح خلف في إمكانية فشل تجربة المنظمة وزوالها

بقلم المحامي زياد أبو زياد

يمكن اعتبار فترة ما بعد حرب حزيران 1967 مباشرة وحتى بداية الثمانينيات فترة تثبيت الهوية الوطنية الفلسطينية وخاصة في الضفة الغربية الى حد كبير ثم تتلوها غزة. وهذا المقال لا يتحدث عن الجغرافيا الفلسطينية وإنما عن الهوية الوطنية الفلسطينية.

كنا بعد احتلال 1967 نخوض معركة ً لتثبيت وجود منظمة التحرير في وعي الجماهير وكانت لي شخصيا مساهمة متواضعة حيث عملت منذ 1977 – 1983 مديرا ً للأخبار ثم مديرا للتحرير في صحيفة ” الفجر ” المقدسية التي كانت لسان حال م .ت .ف في الأراضي المحتلة والتي لعبت دورا رئيسيا في تلك المرحلة.

كنا نتلقف بشغف كل ما يردنا من الخارج من كتب أو بيانات أو حتى تصريحاث لشخوص من المنظمة ، وكنا نكرس ونكرر ذكر المنظمة بمناسبة وبغير مناسبة لتصبح عملة متداولة بين الناس ، وكنا نبرز أسماء وأقوال كل من تحدث باسم المنظمة في الخارج ونمجدهم الى درجة القداسة السياسية ، وكنا نتبنى الشخصيات التي ظهرت في الداخل وخاصة النقابية ورؤساء البلديات بعد الانتخابات البلدية عام 1978 باعتبارهم يمثلون المنظمة التي رأينا فيها إنجازا قوميا للشعب الفلسطيني ورأينا في غرسها في وعي ولاوعي كل مواطن مهمة وطنية لا يجوز التهاون أو التخاذل في أدائها.

كانت المنظمة هي اسطورة بنيناها في خيالنا ووجداننا ، وأقول ببعض الأسى أن بعض من كنا ننظر إليهم بإعجاب وتقدير وهم في الخارج تغيرت النظرة إليهم بعد أوسلو وعودتهم الى الوطن حين التقينا بهم وعرفناهم وخبرناهم كأشخاص ، وكان بعضنا يردد المثل الشعبي المعروف : ” حسبت الباشا باشا أتاري الباشا زلمة”.

كان في القدس الصديق المرحوم جميل أبو عرفه. وكان شغل جميل الشاغل هو إحضار كتب ومطبوعات من الخارج وإعادة طباعتها وبيعها للمكتبات. وكان يفعل ذلك بقصد الربح ولكن أيضا بحس وطني يحاول أن يغطي عليه بحجة أنه يقوم بعمل دار نشر كمشروع للربح.

ومن بين الكتب التي أحضرها المرحوم جميل وأعاد طباعتها كتاب الشهيد صلاح خلف (أبو إياد) ” فلسطيني بلا هوية”. وأعتقد أن هذا الكتاب كان من أكثر الكتب رواجا في السبعينيات والثمانينيات تتداوله الأيدي وتنهل منه أقوال أبو إياد بنهم.

قرأت كتاب فلسطيني بلا هوية أكثر من مرة وفي كل مرة كنت أتوقف عند فقرة في آخره تتحدث عن تجربة منظمة التحرير وإمكانية فشل هذه التجربة وما يترتب على ذلك. وأعترف بأنني حين قرات هذا الاحتمال لأول مرة شعرت بالخوف ولو لم يكن الكاتب هو صلاح خلف لربما قلت فيه ما لم أكن لأقوله في أشد الخصوم.

كانت فكرة إمكانية فشل المنظمة وفشل تجربة الثورة هي كابوس مرعب ولم أن أعتقد أن من حق أحد أن يفكر في مثل هذا الافتراض.

واليوم والكل يتحدث عن تفعيل منظمة التحرير وإعادة الدور لها أستذكر الفكرة التي طرحها الشهيد صلاح خلف والتي أثارت الرعب لدي في ذلك الحين وأتساءل ما الفرق بين وضع المنظمة اليوم وبين الفكرة أو الاحتمال الذي تحدث عنه وأشار الى إمكانية حدوثه.

المنظمة هي مؤسسات يفترض أن لكل منها دوره وهي تشبه الى حد ما الوكالة اليهودية التي أدارت الصراع لإقامة دولة إسرائيل قبل عام 1948 ثم تنحت جانبا بعد إقامة الدولة ورسمت لنفسها مسارا رافدا ً وداعما لمؤسسات الحكم التي تولت المسؤولية بعد إقامة الدولة.

في الحالة الفلسطينية ، لم تقم الدولة ولم ينته الصراع ولم نستطع بناء مؤسسات الحكم ومع ذلك فقد تم تجريد المنظمة من دورها وتفريغها من محتواها مع الاحتفاظ بها في الثلاجة حينا وفي التجميد العميق حينا آخر نخرجها لبعض الوقت ونخفيها معظم الوقت. فما الذي حدث ويحدث وما الذي يجب أن يحدث؟

تتكون المنظمة من مجلس وطني هو بمثابة برلمان ، ومجلس مركزي هو برلمان مصغر يدعى للاجتماع بحجة تعذر اجتماع المجلس الوطني الذي ترهل جسمه وفاق عدد أعضائه الثمانماية ولجنة تنفيذية هي بمثابة الحكومة . وكان لكل عضو فيها ملف هو أشبه بالوزارة وكانت من خلال هذه الملفات تتابع شؤون الشعب في الداخل والشتات.

وأستطيع القول بأنه ومنذ إقامة المنظمة وتولي المرحوم أحمد الشقيري مهمة تشكيلها بقرار من الأنظمة العربية في مؤتمر القمة العربية عام 1964 وترأسها حتى 24/12/67 حيث خلفه المرحوم يحيى حمودة من 24/12/67 حتى 2/2/1969 ومن ثم الشهيد ياسر عرفات من 2/2/69 حتى استشهاده في تشرين ثاني 2004 وهي تفتقر للآلية الديمقراطية لتشكيلها وأدائها.

ومع أن دخول فصائل المقاومة الى داخلها عام 69 بعد هزيمة 1967 أعطاها زخما ً وجماعية في القيادة إلا أنها لم تكن قادرة على توسيع القاعدة الديمقراطية في أدائها وتبني اسلوب الانتخابات في اختيار أعضاء المجلس الوطني وبقية مؤسسات المنظمة ، لأسباب جغرافية واعتبارات سياسية خارجة عن الإرادة ، فظلت تخضع لتجاذبات فصائلية وظل اختيار أعضاء المجلس الوطني يتم بشكل انتقائي من خلال ” لجنة ” ويتزايد عدد أعضائها باستمرار نتيجة هذه التجاذبات فارتفع العدد الأصلي وهو 396 عضوا عام 1964 الى أكثر من 800 عضو في اجتماع عام 1996.

حقيقة كون المنظمة تخضع للمحاصصة ، وحقيقة أن اختيار الأعضاء يتم من خلال لجنة تحكمها كوته ومحاصصة وحقيقة أن حركة فتح هي الفصيل الأكبر في المنظمة وحقيقة تراجع الكفاح المسلح الى أن توقف تماما وانتقال المنظمة من الخارج الى الداخل بعد أوسلو عام 1994 أدت الى جعل المنظمة تحت السيطرة التامة لحركة فتح وخاصة بعد تراجع النفوذ الشعبي والقاعدة الشعبية لفصائل المنظمة باستثناء الجبهة الشعبية بشكل كبير والديمقراطية الى حد ما ، مما جعل الفصائل المتبقية بحاجة الى أن تستلم ميزانياتها وتستمد شرعيتها وبقائها من خلال بقائها في اللجنة التنفيذية فتحول دور هذه الفصائل الى مشاركة شكلية مع بقاء القرار بشكل تام في يد حركة فتح. ومع تراجع مؤسسات فتح أمام الشخصية الأسطورية للشهيد الراحل ياسر عرفات تحولت المنظمة الى منهج الفرد الواحد وهو القائد. ولا شك بأنها في وضعها الحالي لا تشكل سوى استمرار للنهج الذي كرسته الشخصية الأسطورية الأبوية للرمز ياسر عرفات.

فمؤسسات المنظمة معطلة باستثناء اللجنة التنفيذية ولكن هذه اللجنة لا تملك الخروج بقرارات بالأكثرية وأصبحت مختزلة بحركة فتح التي اختزلت هي الأخرى في شخص الرئيس محمود عباس الذي يعتبر آخر من تبقى من جيل القادة التاريخيين لحركة التحرر الوطني الفلسطيني ، والذي لا أرى بين من يتصدرون الصف الأول في حركة فتح أو الحركات الأخرى من يستطيع أن يرقى الى المستوى القيادي لمحمود عباس.

وأضيف بأن محمود عباس يرى في موقعه موقعا ً تاريخيا ً يحمله مسؤولية تاريخية تتعلق بمصير شعبه وقضيته الوطنية وقد أثبت صلابة وحنكة وشجاعة في القيادة النضالية السياسية لشعبه ربما يحاول البعض التقليل من شأنها هذه الأيام ولكنني أجزم بأن التاريخ سيحكم له وليس عليه فيما يتعلق بقيادة هذه الفترة العصيبة من نضال الشعب الفلسطيني ، وأقول هذا في معزل عن أية مناقشة أو محاكمة لدوره في اتفاق أوسلو فهذا أمر آخر وموضوع آخر إذا ما أردنا أن نناقشه ونحاكمه فيجب أن نناقشه بمنظور الظروف التي كانت سائدة عند توقيع أوسلو وليس الظروف القائمة اليوم.

وخلاصة القول هي أن المنظمة ربما تكون اليوم مختزلة بشخص واحد هو محمود عباس ، ولكن مثل هذا الشخص لن يتكرر وإذا غاب محمود عباس عن المسرح السياسي لأسباب طبيعية لا مفر منها لأي إنسان فسيكون من المستحيل استنساخ شخص بكاريزما محمود عباس وهذا مكمن الخطر الذي يجب أن يكون محمود عباس هو أول من يفكر به ويحتاط له قبل فوات الأوان.

من أجل هذا فإن إعادة مأسسة المنظمة وضخ دماء جديدة في عروقها ووضع الضوابط لضمان عدم حدوث استحواذ أو إنقلاب عليها من خارج الحركة الوطنية هو أمر في غاية الأهمية إذا أردنا للمخاوف التي عبر عنها الشهيد صلاح خلف في ” فلسطيني بلا هوية” أن لا تتحقق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى