زياد أبو زياد يكتب – كل يوم “قصة” جديدة في مسلسل يبدو للانهاية
بقلم المحامي زياد أبو زياد – 16/1/2022
لا يكاد يمر أسبوع، بل عدة أيام إلا ويجد الرأي العام موضوعا ينشغل به، وكلها مواضيع تتعلق بأداء السلطة الفلسطينية فيما يمكن تسميته بالمسلسل الذي لا ينتهي. والمقصود بأداء السلطة الفلسطينية لا يقتصر فقط على أداء الحكومة، بل وعلى كل مستويات الحكم.
فبالأمس فوجئنا بتساؤلات عن مصير مستشفى خالد الحسن للسرطان الذي تم وضع حجر أساسه في حدث احتفالي، وطالعتنا التقارير بأن شيئا ً لم يحدث على الأرض منذ ذلك الحين وأن المشروع ما زال حبرا ً على ورق وأن ما تم جمعه من أموال مكدس في البنوك في أحسن الأحوال ما لم تكون قد تمت استدانته لتغطية أمور أخرى.
وقبل مستشفى خالد الحسن كانت هناك فضيحة التعيينات الوراثية في السلك الدبلوماسي وقبلها تعيينات أبناء وأقرباء مسؤولين كبار وقادة فتحاويين في مناصب رفيعة دون مسابقات تقوم على أساس الشفافية وتكافؤ الفرص. ولجان تحقيق أخفقت في الكشف عن نتائج تحقيقاتها وفساد مالي وسوء أداء إداري وتجاوزات قانونية كلها دون حسيب أو رقيب.
ولا أريد هنا أن أستعرض كل الأمور التي تداولتها وتتداولها وسائل التواصل بين الحين والآخر. فالقائمة طويلة وتُضاف اليها بنودا ً جديدة كل يوم وهي بالتأكيد لا تشمل كل شيء لأن من الممكن أن يكون هناك ما يحدث وراء الكواليس والناس إما لا تعرفه وإما لا تجرؤ على الحديث عنه رغبة في عدم تجنيد الخصوم أو الأعداء في زمن لا يكفي أن تكون على حق لتضمن لنفسك السلامة.
الانطباع العام هو أن لدينا حكومة تعمل في فراغ دستوري لا تتوفر فيه الحياة البرلمانية ولا تتوفر فيه المراقبة والمساءلة وهذا الأمر رغم أنه يترك مساحة العمل والخطأ والصواب مفتوحة أمام الحكومة دون حدود ودون حساب إلا أنه وبدون شك يجعل عمل الحكومة شاقا ً ومحفوفا ً بالمخاطر لأن من المؤكد أن وجود رقابة ومساءلة برلمانية يُحسّن من أداء الحكومة ويقلل من احتمالات وقوعها في الخطأ. وسيأتي يوم توضع فيه الموازيين والحساب ولن يكون أحد فوق القانون، وعندها ستظهر قيمة وأهمية العمل في إطار حياة برلمانية ومعارضة برلمانية فعالة تصوب أداء الحكومة وتنير أمامها الأضواء الحمراء وتساعدها على عدم الوقوع في المحذور.
وإذا ان هناك من يعتقد بأن العمل دون مراقبة أو مساءلة برلمانية هو امتياز له فإنه يخطئ كل الخطأ. فالتاريخ لا يرحم. والمشكلة الأساسية والرئيسية التي تهدد كامل المشروع الوطني – إن كان قد ظل هناك مشروع وطني- هي تغييب الحياة الديمقراطية وتفكيك المؤسسات بدل بنائها وتمكينها وتبني أسلوب العمل الفهلوي الذي يستهين بعقول الناس وبذكائهم وبذاكرتهم وبقدرتهم على الرؤية المتفحصة لما يدور من حولهم.
وإذ أقول هذا فإنني أعتقد بأن قول كلمة الحق هو أمانة ومن يتحفظ أو يمتنع عن قولها فهو شيطان أخرس وشريك فيما يحدث.
لا يوجد شخص يملك المعرفة ولا يوجد شخص معصوم من الخطأ ولا يوجد شيء أفضل من العمل الجماعي ومن أجل ذلك استطاعت المجتمعات الانسانية وعلى مدى العصور تطوير مفاهيم التشاور والمشاركة في اتخاذ القرار الذي يخص الشأن العام وصولا الى بلورة أسس الديمقراطية والحكم الرشيد التي أصبحت صمام الأمان للحكم في العصر الحديث.
والمؤسف والمحزن أننا نسير باتجاه معاكس للتطور التاريخي فبدلا ً من بناء المؤسسات قمنا بهدم ما بنيناه منها وما زلنا نمارس الهدم، وبدلا ً من الفصل بين السلطات قمنا بدمجها واستحواذ واحدة منها على الأخريات، وطمسنا الحدود بينها وقمنا بفهلوية واستغباء ببناء بدائل جوفاء لها جعلناها أداة طيعة كدمى الأراجوز لشرعنه غير المشروع.
لا أشكك في حسن نوايا أحد ولا في وطنية أحد، ولكني أجزم بأن إغراءات القوة والتفرد في استخدام المال العام دون مساءلة هي من أهم مسببات الفساد. ويقول سبحانه وتعالى في الآية 11-12 من سورة البقرة: ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون”.
نحن أمام عملية انهيار وتهاوي لكل مقومات الحكم انعكست على مقومات قيمنا الاجتماعية فانتشر الفساد الخلقي والاجتماعي وعمت الفوضى وتدهور الأمن المجتمعي وسادت شريعة الغاب كل ذلك تحت قبة تغول الاحتلال ومستوطنيه وعساكره علينا مستهدفين الانسان والأرض. وإذا لم نبادر الى وقف حالة الانزلاق الجليدي التي نعيشها فسيكتب التاريخ أن من أمسكوا بمقود المركبة لم يحسنوا الأداء ” وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون” آل عمران 24.