أقلام وأراء

زياد أبو زياد يكتب –  تقرير هيئة الرقابة الإدارية والمالية عن الخلل والفساد يطرح التساؤل : الى أين !

بقلم  زياد أبو زياد *- 17/10/2021

بداية لا بد من الإشادة بجهود هيئة الرقابة الإدارية والمالية برئاسة المستشار القاضي إياد تيم وجهود الفريق من الشباب والشابات الذي عملوا معه من أجل إعداد هذا التقرير واتبعوا أسلوبا موضوعيا في تلقي المعطيات والتحقق منها وإعطاء الفرصة لكل ذي شأن للرد عليها قبل نشرها.

وإذ نثمن عاليا هذا التقرير فإننا نتمنى أن يتحول الى منهج في البحث عن مواطن الخلل والترهل والفساد. وإذ أقول هذا فإنه لا بد من التنويه بأن التقرير لم يكن مفاجئا ً لأحد وإنما عزز القناعة المتوفرة لدى الكثيرين منا بأن منسوب الفساد الإداري والمالي في الوزارات والدوائر العامة التابعة للسلطة قد ارتفع الى حد الطوفان.

ولنعترف بعيدا عن أية مناكفة بأن هذا التقرير يؤكد بأن هناك منظومة فساد متجذرة تمأسست مع مر السنين واستشرت كالسرطان في الجسم التنفيذي للسلطة لم يحل دون استشرائها لا الفضائح التي وقعت بين الحين والآخر خلال السنوات الماضية ولا لجان “الطبطبة” التي شُكلت لامتصاص غضب الرأي العام ثم غرقت في بحور النسيان كلجنة التحقيق في تسريب عقار آل جودة بالقدس للمستوطنين..

لقد اعتدت على متابعة تقرير مراقب الدولة في إسرائيل والذي يحظى باهتمام واسع لدى الرأي العام في إسرائيل ويخضع الى مناقشات وحوارات إعلامية وهو يشمل كافة مرافق الدولة بما في ذلك الأجهزة الأمنية وفي مقدمتها الشاباك (المخابرات العامة) والجيش والبعثات الدبلوماسية والمؤسسات العامة التي تستخدم المال العام، حتى لو لم تكن جزءا من السلطة التنفيذية وأسجل هنا بأن الإعلام الرسمي لم يكن على مستوى المسؤولية الوطنية ولم ينجح في إدارة نقاش وحوار عام حول معطيات هذا التقرير الهام، الذي لا بد من الإقرار بأنه يعطينا فسحة من الأمل بأننا بدأنا نسير على الطريق الصحيح لتصويب الخلل ومحاربة الفساد.

وأضيف بأنني لا أعرف ما إذا كان القاضي إياد تيم قد تعرض الى أية مضايقات أو علامات عدم رضا إثر نشره التقرير، ولكن لا بد من التأكيد بأن استقلالية رئيس ديوان الرقابة الإدارية والمالية وحصانته ضد تدخل السلطة التنفيذية في عمله هي أمر حيوي جدا ً لضمان نجاحه في أداء وظيفته. ولا بد من الإشارة الى أن من في هذا المنصب الذي يسمى في بعض الدول مراقب الدولة وفي بعضها رئيس ديوان المحاسبة وفي بعض الدول الغربية وخاصة الاسكندنافية “أومبدسمان” ولضمان استقلاليته إزاء أية ضغوط تُمارس عليه يُعين عادة من قبل البرلمان ولفترة زمنية محددة ولا يجوز لأي مسؤول في الدولة التدخل في عمله. فهو مُحصن وحصين يؤدي مهمته بجرأة وأمان وتُفتح أمامه كل الأبواب والأدراج. وأقول هذا لأن رئيس هيئة الرقابة لدينا معين بمرسوم رئاسي وليس من قبل المجلس التشريعي لأننا أصلا ً لا نملك مجلسا تشريعيا.

وبالمناسبة، فإن غياب المجلس التشريعي لا يحرم فقط رئيس هيئة الرقابة من الحماية والحصانة وإنما هو في الواقع أساس الخلل والفساد الذي أشار اليه التقرير فغياب المجلس التشريعي يعني غياب الرقابة والمساءلة البرلمانية وإعطاء الشعور لصناع القرار بأنهم يعملون على هواهم لا حسيب ولا رقيب. ولربما كان هذا الإحساس هو السبب الذي يجعلهم يعرقلون أية فرصة أو إمكانية لإجراء انتخابات تشريعية لأن من مصلحتهم العمل بعيدا عن أية مساءلة أو رقابة برلمانية. ولا بد من القول بأنه لو اتيحت فرصة اعداد تقرير مماثل عن الوضع في قطاع غزة في كافة المجالات التي تسيطر عليها حركة حماس لكانت النتائج أسوأ بكثير مما هي عليه في الضفة. لأن العمل الحكومي وشبه الحكومي في القطاع يتم هو الآخر بعيدا ً عن أية رقابة أو مساءلة وبشكل أكثر انفلاشا ً مما هو عليه في الضفة نتيجة للهواجس الشاذة التي يعيشها القطاع.

وعلى أية حال فإن التقرير يؤكد بأن الأمور تسير على طريقة “السبهللة” أو كما قيل ذات يوم “سارحة والرب راعيها” مع العلم بأنني أتفق مع الجزء الأول من هذه المقولة ولا أتفق مع الجزء الثاني منها. فهي فعلا ً”سارحة” أي سائرة على غير هدى، ولا أتفق مع القول “والرب راعيها” لأن الرب لا يرعى الفساد والفوضى والمحسوبية.

وقبل أن أنهي هذه العجالة لا بد من الإشارة الى أمرين اثنين. الأول: هو أن المال والقوة هي من أبرز اغراءات الوقوع في الفساد. والموظف العام يشعر بالقوة حين يشعر بأن هو الحاكم بأمره لا مساءلة ولا رقابة عليه، ويستشعر بالقوة التي يستمدها من وجوده في وظيفته فينسى الفجوة أو المسافة التي يجب أن تبقى دائما بين شخصه وأهوائه وبين صلاحياته الوظيفية فيدمج بينهما ويبدأ التصرف على هواه وهذا هو جوهر الإفساد وبداية الفساد. ولذلك ومن أجل أن يبقى الموظف العام في حدود السياق الذي تمنحه له وظيفته فإنه يجب أن يشعر دائما بأن هناك من يراقبه ومن سيقوم بمساءلته اذا وقع في شبهة الخطأ ومن سيحاسبه اذا أساء التصرف ومثل هذا الإحساس لا يتولد إلا إذا كانت هناك سلطة تشريعية تحتل المعارضة البرلمانية مساحة فاعلة فيها، وكان هناك قضاء نزيه مستقل، وهناك مراقب دولة نزيه ومستقل ولا يخضع لأي تأثير من أية جهة.

وعليه فإن الاستخلاص الأول الذي يجب أن نستخلصه من تقرير هيئة الرقابة الإدارية والمالية هو حتمية الحاجة لإجراء انتخابات تشريعية ووجود برلمان منتخب يحاسب ويراقب أداء السلطة التنفيذية بأذرعها المختلفة وقضاء مستقل ونزيه ومستقر، محصن من أي تدخل من قبل السلطة التنفيذية بما في ذلك مؤسسة الرئاسة والأجهزة الأمنية.

والأمر الثاني: الذي يجب الإشارة اليه هو التساؤل عن المآل الذي سيؤول اليه تقرير هيئة الرقابة. فالتقرير هو تشخيص، بل هو قرع للجرس وإيذان بوجود الخلل. وقرعه الجرس لا قيمة له ولا فائدة إن لم يتبعه فورا ً إجراء للأخذ به ومتابعة ما يترتب عليه. وفي موضوع التقرير الذي أمامنا لا بد من فحص كل خلل أشار إليه التقرير والتحقق من وجود أو عدم وجود شبهة جنائية. وبكلام آخر فإن على النائب العام أن يحتضن التقرير وأن يستقصي الحقائق والاتهامات التي وردت فيه وأن يُقدم لوائح اتهام الى القضاء بحق أي شخص أو جسم اعتباري ورد اسمه في التقرير كمتهم بالفساد أو سوء الإدارة لكي يقول القضاء كلمته. وبدون متابعة التوصيات التي أشار اليها التقرير والتحقق منها وتقديم أي متهم بتهمة جنائية الى القضاء فإن التقرير يبقى حبرا ً على ورق وسيُضم الى الأرشيف ليعلوه الغبار بانتظار تقرير آخر إذا قُدّر لنا أن نرى تقريرا آخر.

* زياد أبو زياد – وزير سابق ومحرر مجلة “فلسطين- إسرائيل” الفصلية الصادرة بالإنجليزية- القدس. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى