أقلام وأراء

زياد أبو زياد يكتب- تدمير فتح من الداخل هو تدمير للدولة الفلسطينية قبل أن تولد

بقلم  زياد أبو زياد *- 21/3/2021

بعد أن نجحت الأجهزة المخابراتية الغربية في استغلال أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 لخلق تنظيمات اسلامية مصطنعة تحت مسميات مختلفة وأشعلت بينها نيران الحرب لتقوم بتدمير بعضها البعض من خلال حربٍ بالوكالة وبالنيابة عن هذه الأجهزة ، استطاعت هذه الأجهزة مرة أخرى استغلال موجة ما سمي آنذاك بالربيع العربي في بعض الدول العربية لتقوم بإشعال حروب داخل هذه الدول لتدميرها من الداخل استكمالا للتدمير الداخلي الذي قامت به بعض التنظيمات الاسلامية المزورة والمشبوهة والتي نجحت في تقديم صورة مشوهة عن الاسلام والمسلمين استغلت للمضي في عمليات تدمير المجتمعات العربية من الداخل وبنفس الوقت إعطاء الذرائع الواهية لملاحقة وضرب الأقليات الاسلامية في العديد من دول العالم.

وما نراه اليوم على طول العالم العربي وعرضه هو دول ممزقة من الداخل تحولت الى أقليات عرقية وطائفية ذات اقتصاد مدمر يحتاج ترميمه الى عشرات السنين القادمة.

أستذكر هذا وأحاول إسقاطه على الحالة الفلسطينية عشية الانتخابات الفلسطينية التي من المزمع عقد الجولة الأولى منها في أيار 2021 القادم.

فالحالة الفلسطينية تبدو وكأنها صورة مصغرة للحالة العربية العامة. فنحن منقسمون متصارعون منذ 2007 وانعكس هذا الانقسام والتصارع على الحالة الداخلية في معظم مكونات قوس قزح السياسي الفلسطيني الذي تحتل حركة فتح فيه المكانة الرئيسية تماما كما يقف اللون الأحمر على رأس مكونات قوس قزح. فلا يوجد تنظيم أو حركة سياسية فلسطينية إلا وقد أنهكتها الصراعات الداخلية وبدأ الممسكون بزمام الأمور فيها يحاولون الفرار الى الأمام للإحتماء بالتنظيمات الأخرى ليستمدوا منها أكسير الحياة والبقاء.

وهذا هو الحال سواء في التنظيمات الصغيرة التي انتهى دورها تماما منذ عشرات السنين منذ أن توقفت المقاومة ولم يبق منها أو لها وجود على الأرض سوى أمجاد الماضي التي تُشكل الركيزة لبعض الأمناء العامين للفصائل ، أو حال الفصائل الرئيسية التي ما زال لها فعل ووجود يتفاوت بين الوجود الباهت والأقوى تدرجا ً بدءا ً من الجبهة الديمقراطية ومرورا بالجبهة الشعبية وحماس وفتح حيث أن الفصيلين الأخيرين ما زالا الأقوى والأكثر حضورا ً في المشهد السياسي الفلسطيني مع بعض التفاوت بينهما.

أما فيما يتعلق بحركة حماس فإن المراقب يلاحظ أنه بالرغم من أصوات النشاز التي تصدر عن بعض القيادات المعروفة داخلها من الحرس القديم إلا أن هناك انتخابات داخلية في الحركة وبشكل شبه دوري تجدد من خلالها المواقع القيادية الى حد ما وبشكل يوحي بأن هناك قدر من الممارسة الديمقراطية داخل الحركة بالرغم من الكولسات التي تحدث عادة في معظم الأحزاب والحركات ، وهذا أمر طبيعي فالمهم هو بقائها موحدة ومتماسكة حتى ولو كان ذلك فقط تجاه المشاهد من الخارج. وهذا هو الحال في حماس.

أما حركة فتح فإنها لم تحافظ على وتيرة اجتماعات مؤتمر الحركة ولم تكن المؤتمرات الأخيرة وخاصة السادس والسابع معبرة وممثلة لكافة أطياف هذه الحركة الجماهيرية كما أن انتخابات لجان الأقاليم لا تسلم من تدخلات بعض أعضاء اللجنة المركزية لاعتبارات شخصية لا تنسجم مع إرادة القاعدة مما خلق حالة من الإحباط بين كوادر الحركة ناهيك عن أن الحركة تعاني من التكلس في المواقع القيادية في رأس الهرم التنظيمي الأمر الذي أدى الى جعل التيارات داخلها تندفع نحو الهوامش تماما كما يقتضي قانون القوة الدافعة عن المركز أو ما يُعرف بقوة الطرد المركزي. وقد أدى هذا الحال الى ظاهرة الخروج عن المركز بانقسامات باتت تهدد وحدة الحركة وقدرتها على الأداء الواحد.

ولا شك بأن توجه الحركة الى الانتخابات القادمة في أيار وهي تعاني من هذه الانقسامات كان سيضعها أمام مقامرة أو مغامرة قد تؤدي الى بعثرة أصوات ناخبيها وربما ضعضعة موقف الحركة كالفصيل الأول الذي شكل وعلى مدى عشرات السنين طليعة الكفاح الفلسطيني من أجل التحرر الوطني وهي بحق حركة تحرير فلسطين التي عكست تسلسل الأحرف الأولى من اسمها لتقرأ من اليسار الى اليمين. فهي ليست حتف بل فتح بما لهذه الكلمة من دلالات تاريخية!.

هذه الحركة العظيمة تقف اليوم أمام أقسى وأصعب اختبار تاريخي واجهته. فهي إن ذهبت بانقساماتها الى الانتخابات ستضع نفسها أمام الخسارة والتفتت وإن ذهبت ضمن قائمة مشتركة مع حماس والفصائل الأخرى فإنها قد تستطيع أن تضمن لنفسها عددا من المقاعد متساويا مع حماس ولكنها ستضع نفسها تحت رحمة الفصائل الصغيرة التي يسمونها ” بيضة القبان ” وفي هذه الحال ايضا لن تكون فتح التي عهدناها والتي كانت دائما العامل الحاسم على الساحة الفلسطينية. وهي تعمل بذلك أيضا الى مأسسة الإنقسام بين شطري الوطن وإعطائه فرصة الديمومة تحت ظل الديمقراطية والشرعية الانتخابية المزعومة.

والأزمة التي تواجهها فتح هذه الأيام هي أشبه بعملية تفتيت أو ربما تدمير من الداخل لأن لجوء فتح الى خصومها السياسيين وعلى رأسهم من أسمتهم قبل عهد قصير بالظلاميين بدلا من اللجوء الى ذاتها من خلال القيام بلملمة صفوفها وفحص الخلل داخلها وإعادة النظر في العلاقة بين رأس الهرم والقمم الأخرى في سلسلة الجبال ، هو مؤشر غير صحي.

فالحركة الجماهيرية تشبه سلسلة الجبال لا يضيرها أن تكون لها عدة قمم طالما أن هناك قمة واحدة ورأس واحد يجمع بين هذه القمم.

وظهور أجنحة داخل حركة جماهيرية واسعة في حجم حركة فتح لا يجوز أن يقلق قيادتها أو أن يكون عاملا لتفتتها بل بالعكس فهو دليل على عظمتها وتعددية الأفكار داخلها والتي يُفترض لو أحسنت الأداء أن تكون رافدا ً للنهر لا جدولا ً يتفرع عنه ويُضعف مساره.

ومن خلال حرصي على هذه الحركة التي لا أستطيع إلا أن أتعاطف معها لأن أحدا لن يستطيع انتزاعها من داخلي رغم القرار الأهوج الذي اتخذ عام 2006 بفصلي منها ، فإنني أشعر بالقلق وأخشى أن يكون هناك أمر يُحاك ضد حركة فتح تماما كما تم ضد العديد من الدول العربية تحت مسمى الربيع العربي. وإذا كان ” الربيع العربي ” المزيف قد جيء به لتدمير دول عربية معينة وهي التي كان يمكن أن يكون لها دور في دعم الحق الفلسطيني ومعركة التحرر الوطني العربي بما في ذلك الفلسطيني ، فإن تدمير فتح يعني تدمير أية فرصة لقيام الدولة الفلسطينية لأن فتح هي رأس الحربة وهي رائدة وقائدة المسيرة الوطنية نحو التحرر والاستقلال. فتدمير فتح هو خطوة استباقية لتدمير الدولة الفلسطينية قبل أن تولد على الأرض بعد أن ولدت بالشكل والرمز في معزل عن الواقع.

وقد أكون رومانسيا أو حالما إذا ما قلت بأنه ما زالت هناك فرصة للرجوع الى العقل والصواب ولملمة الفراخ تحت جناحي الأم بدلا من الرضوخ لمشاعر الغضب والنزق والمضي في خلق التعقيدات والمضاعفات التي تعيق وتبعد فرص إعادة اللحمة لصفوف الحركة ، وتؤدي الى تعريض الحركة للخطر الداهم الذي قد يكون نهاية الحلم. فالأجدى لفتح هو أن تتصالح مع ذاتها بدلا من السير على طريق الزوال.

وإذ أقول هذا فإنني أدرك بأن حماس لن تستطيع أن تكون البديل لفتح إن غابت فتح عن الساحة لأن حماس ستدرك حينها أنها أكلت يوم أكلت فتح ، أقول هذا وفي البال حكاية الثور الذي كان طلبه الأخير قبل أن يؤكل أن يغني ويقول : ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض!

*المحامي زياد أبو زياد – وزير سابق ومحرر مجلة “فلسطين- إسرائيل” الفصلية الصادرة بالإنجليزية- القدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى