أقلام وأراء

زياد أبو زياد يكتب – الكورونا بين الأمن الصحي … والأمن القومي وهل كانت الحكومة والشعب على مستوى التحدي

بقلم المحامي زياد أبو زياد – 8/3/2020

الأحد…وكل يوم أحد

الكورونا بين الأمن الصحي…والأمن القومي

وهل كانت الحكومة والشعب على مستوى التحدي

بداية وفي اليوم العالمي للمرأة ، لا بد من توجيه تحية المحبة والتقدير والاحترام للمرأة الفلسطينية حيثما كانت وفي كل موقع وتحت كل مسمى، في الأسر وفي البيت والمصنع والمعمل والمدرسة والحقل. تحية لها شريكة ورفيقة ومشاركة في كل معارك الوجود الفلسطيني. تحية لكل إمرأة تناضلمن أجل العدل والحق والكرامة حيثما كانت.

قيل الكثير وكتب الكثير عن طريقة تعامل السلطة مع فيروس الكورونا والاجراءات التي أعلنها رئيس الوزراء ووزيرة الصحة.

فالبعض رأى أنها صائبة ولازمة والبعض وصفها بالمبالغة والتخبط ، ولكن قليلا من الناس تحدثوا عن الطريقة التي تعاملنا بها نحن الشعب مع هذه الحالة ، مع أن تعاملنا وتصرفنا كشعب يتطلب وقفة مراجعة ومحاسبة للذات قبل محاسبة الحكومة.

فقد وجد البعض في انتشار الكورونا فرصة لمناكفة السلطة والهجوم عليها ووصفها بالتخبط والعشوائية ، والبعض الآخر اعتقد بأن كل أجنبي هو حامل وناقل للفيروس وقام بمهاجمته كما حدث مع المواطنتين اليابانيتين في رام الله وكما حدث مع باصات السياح في بيت لحم ، والبعض اعتقد أن المدينة التي يعيش فيها هي حكر عليه وأنه لا يجوز فتح مشفى أو مكان لإيواء بعض المشتبه بإصابتهم ووضعهم تحت الحجر لحين يتضح أمرهم كما حدث في أريحا ، والبعض تعامل مع الحالة وكأنها عشية حرب قادمة فهرع الى تخزين المواد الغذائية وغير الغذائية وتسبب بأزمة شرائية والبعض تعامل معها وكأنها فرصة للإثراء وجمع الأرباح مستغلا حاجة الناس وإقبالهم على الشراء والتخزين.

ومجمل هذه التصرفات لا يمكن إلا أن توصف بالرعونة والجهل وانعدام الإحساس بالانتماء.

نحن بحاجة الى مراجعة ومحاسبة أنفسنا قبل أن ننتقد ونحاسب الحكومة.

أما بالنسبة للأداء الرسمي فلا شك أنه كانت هناك مبالغة في حزمة الاجراءات التي أعلنت عنها الحكومة والتي كانت إجراءات احترازية لم تسبقنا إليها أي من دول الجوار بما في ذلك إسرائيل ولعل الطريقة الدراماتيكية التي تم الإعلان بواسطتها عن إجراءات الحكومة ساهمت في حالة الهيجان الشعبي الذي وصل حدود الذعر والفوضى.

قد تكون الحكومة أكثر إدراكا من غيرها بأننا لا نملك كل الامكانيات والوسائل اللازمة لمواجهة هذا الفيروس إذا ما انتشر على نطاق واسع لا سمح الله فعمدت الى التطرف في الإجراءات الوقائية عملا بمبدأ درهم وقاية خير من قنطار علاج. ولكنني أعتقد رغم وجاهة وجهة نظر الحكومة أنه كان بالامكان التعامل بشكل آخر يختلف ولكنه يؤدي نفس النتائج.

فنحن لا سلطة لنا على المعابر والمطارات والحدود وإنما يصل إلينا ما تسمح له إسرائيل بالوصول وكان بالإمكان حصر الأماكن التي يحتمل أن يكون قد وصلها الفيروس واتخاذ الإجراءات الوقائية لحصر ومحاصرة أماكن تواجده بشكل موضعي دون إدخال البلد جميعها في حالة من الإرباك.

صحيح أن هناك بلدات تشكل هدفا للسياحة الأجنبية مثل بيت لحم ولكن لا يجوز التعامل مع بيت لحم بنفس مستوى التعامل مع الزبادة أو جنين أو نابلس. فالتعامل الموضوعي والتعاطي مع كل حالة بحالتها دون إثارة الفزع الجماهيري الذي يمكن أن يصل أو قد وصل بالفعل الى حد الهستيريا هو أمر ضروري للحفاظ على النطام والأمن العام.

إن جميع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة هي إجراءات سليمة ومحقة من الناحية النظرية ولكن هذه الإجراءات لا يجوز اتخاذها بمعزل عن النتائج المتوقعة لها وبمعزل عن أثارها السلبية المتوقعة بل يجب التعامل معها كرزمة يتم توقع نتائجها واعداد الخطط والأدوات للتعاطي مع النتائج المتوقعة قبل أن تقع.

وهنا لا بد من الإشارة الى حالتين من قبيل المثال لا الحصر. الحالة الأولى هي الوضع الاقتصادي وخاصة القطاع السياحي خاصة ونحن على أبواب شهر نيسان الذي يشكل فرصة للانتعاش السياحي نتيجة لقدوم أعياد الفصح المجيد. فهل فكرت الحكومة في كيفية التعامل مع الخسائر الجسيمة اتي ستلحق بكل القطاعات ذات الصلة بالقطاع السياحي كشركات السياحة والفنادق والمطاعم ومحلات السوفينير ووسائل النقل والعمالة بكل هذه القطاعات وما له صلة بها ؟

والحالة الثانية هي تعطيل المدارس ورياض الأطفال والحضانة لمدة شهر مع أن فترة حضانة الفيروس هي اسبوعين وأن هذه الفترة كافية لاكتشاف وجود اصابات أو عدمه. فهل فكرت الحكومة كيف سيبقى هؤلاء الطلاب والأطفال لوحدهم في البيوت اذا ما كانت امهاتهم من الأمهات العاملات ؟ هل فكرت بوضع الخطط لحل مشكلة الامهات العاملات وضمان أن لا يكون هؤلاء الأطفال وحدهم في البيوت دون وجود من يحرص عليهم ويحقق الهدف الذي أرسلوا بسببه للإقامة في المنزل بدلا من المدرسة ؟ ثمة أسئلة كثيرة أخرى ولكنني أكتفي بهذين السؤالين لكي أخلص الى القول بأن الإجراءات التي أعلنتها الحكومة هي إجراءات رائعة ومطلوبة إذا رافقتها إجراءات تكميلية تضمن أن لا يكون لها مردود سلبي انساني أو اجتماعي أو اقتصادي.

وعلى أية حال فإن انتشار الأوبئة من أمثال هذا الفايروس لا يجوز التعامل معها فقط من خلال النظر إليها كموضوع صحي فقط . فالمسألة تتعدى كونها محصورة في إطار الأمن الصحي الى إطار الأمن القومي لأنها تهدد الإنسان الفلسطيني بالمساس بأمنه الصحي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي لترابط كل هذه المجالات ببعضها البعض ولذلك فإن المسألة يجب أن تخرج من يد وسيطرة وزارة الصحة ويتولى التعامل معها جسم أشبه بمجلس الأمن القومي يفحص كل الأبعاد والاحتمالات على جميع مستويات وقطاعات الأمن القومي للإنسان الفلسطيني سواء إذا كان موجودا ً على ساحة الوطن أو في أية بقعة على وجه الأرض لأن الأمن القومي لا يقف عند حدود الجغرافيا.

وأخيرا وليس آخرا أقول ، صحيح أننا نعيش في ظل احتلال عسكري نخوض حالة صراع مصيري ضده ونتطلع الى يوم دحره والخلاص منه ولكننا لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أن هناك أخطارا مشتركة تهددنا وتهدده في آن واحد وأن هذه الأخطار لا يمكن عدم التنسيق بيننا وبينه من أجل مواجهتها والتغلب عليها ومن بين هذه الأخطار ما هو عابر للحدود مثل أخطار الأوبئة والأخطار البيئية وغيرها. ونحن في حالة الكورونا بالذات موجودون في وضع يرشح إلينا ويتدفق الى مدننا وقرانا كل ما يمكن أن يكون في الجانب الآخر من الحدود ، ناهيك عن أن إسرائيل هي التي تسيطر على كل من يدخل أويخرج وبالتالي فإنه لا بد من التنسيق الكامل بين الطرفين وتحمل إسرائيل كامل مسؤوليتها ولا يجوز لها أن تستغل ضعفنا كما فعلت مع السياح المتواجدين في فنادق بيت لحم الذين دخلوا بتأشيرة إسرائيلية ولكن إسرائيل تمنع عودتهم الى أراضيها وتصر على أن يبقوا في الجانب الفلسطيني الى أن يحين موعد سفرهم. فلا بد من خلية أزمة مشتركة تتعامل بشكل استثنائي مع الوضع لمصلحة الطرفين.

هذه تجربة واختبار لنا جميعا وعلينا أن نتعامل معها بمنتهى الحكمة والانضباط والتكافل والتضامن لكي نتجاوزها بأقل قدر من المعاناة بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى