أقلام وأراء

زياد أبو زياد يكتب – الاستفزاز والتحريض الإسرائيلي الممنهج لا يتفق والخطاب العقلاني الرسمي الفلسطيني

بقلم المحامي زياد أبو زياد *- 9/5/2021

في تغطيته لأحداث حي الشيخ جراح بالقدس مساء أمس الأول قال التلفزيون الإسرائيلي الرسمي ” كان 11″ أن الاحتجاجات هي بسبب رفض الفلسطينيين سكن اليهود في حي الشيخ جراح. هكذا وبكل بساطة يتحول المستوطن اليهودي من مغتصب ومعتدي الى ضحية للتمييز ولمعاداة السامية. هذا نموذج للإعلام الإسرائيلي الرسمي القائم على تزوير الحقائق.

يوشك شهر رمضان المبارك أن يصل الى نهايته دون أن يتمكن مئات الآلاف من الفلسطينيين بل الملايين من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة من زيارة القدس وأداء الصلاة في أولى القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصى المبارك، ومن التواصل بين أفراد العائلة الواحدة الذين بات جدار الفصل العنصري حائلا دون تواصلهم في السراء والضراء على طول السنة وفي شهر صلة الأرحام بشكل خاص ، لأن السلطات الإسرائيلية منعت هذا العام حتى مجرد إعطاء تصاريح لزيارة القدس مستغلة بذلك مرض الكورونا وزعم اتخاذ الاحتياطات دون انتشاره.

وهذا المنع الاسرائيلي هو عمل استفزازي وتحريضي ضد ملايين المسلمين في الأراضي المحتلة يُضاف الى سلسلة الأعمال الاستفزازية التحريضية التي تقوم بها السلطات الاسرائيلية والجماعات اليهودية المتطرفة ضد المسلمين والمسيحيين بمدينة القدس ، كما حدث ضد المسيحيين في عيد الفصح المجيد قبل أيام وكما يحدث كل يوم ضد المسلمين في المسجد الأقصى هذه الأيام من تحويل ساحات المسجد الأقصى المبارك الى ساحات حرب واستخدام الأسلحة الحية والمطاطية والغاز ضد المصلين دون تمييز وإصابة المئات منهم.

ونحن نعيش اليوم مواجهات حي الشيخ جراح التي تشكل ردة فعل طبيعية على الخطة العنصرية التي استهدفت سكان هذا الحي وبدأت منذ عام 2009 بإخلائهم من بيوتهم لإسكان عائلات يهودية مكانهم وأصبحت اليوم على وشك البدء بالإخلاءات بالجملة لعائلات تمتلك تلك البيوت وعاشت وتكاثرت فيها جيلا ً بعد جيل منذ عام 1956 بحجة أن البيوت مبنية على أرض كانت مملوكة لليهود قبل عام 1948 ، وتنكر على العرب ، لأنهم عرب ، حقهم بالمطالبة ببيوتهم وأراضيهم في القدس الغربية وسائر أنحاء فلسطين/ اسرائيل التي كانوا يملكونها قبل عام 1948.

وكل هذا هو استمرار لنهج عنصري يقوم على أساس اقتلاع العرب والاستيطان مكانهم وهو ما يحدث في سائر أنحاء الأراضي المحتلة من استمرار لجرائم القتل وهدم المنازل والورش والبراكيات والدفيئات الزراعية ومصادرة مولدات الكهرباء وترحيل المزارعين ومربي المواشي قسرا عن بيوتهم وأراضيهم ومنع المياه والكهرباء والصفوف التعليمية عن قراهم وتجمعاتهم السكنية والاعتداء بشكل عام على الممتلكات والتضييق على الناس في ممارسة شؤون حياتهم اليومية بحرية وكرامة.

ويحدث هذا في ظل خطاب رسمي تحريضي ضد العرب داخل الخط الأخضر وضد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذا الخطاب الرسمي والذي يلقى صدى له عند مرجعياتهم الدينية وحركاتهم القومية العنصرية المتطرفة هو الذي يسكب الزيت على النار المشتعلة وهو الذي يؤجج التوتر ويدفع باتجاه التطرف لانعدام أي أفق يبشر بانتهاء الاحتلال وتمكين الفلسطينيين العزل من العيش بحرية وكرامة في وطنهم وعلى أرضهم.

وفي مقابل هذا الخطاب العنصري التحريضي ضد الفلسطينيين وفي ظل استمرار الاعتداءات المتكررة وقتل الأطفال والنساء تخرج بعض الأصوات الدولية التي تستنكر الممارسات الاسرائيلية باستحياء وتدعي التوازن بالمساواة بين الجلاد والضحية وتعزف اسطوانة إدانة التحريض من الجانبين وتدعو لوقف العنف من الجانبين مع أن التحريض الحقيقي هو ما يصدر عن الاحتلال وأجهزته ومستوطنيه من أفعال وأقوال وأن العنف الحقيقي هو استمرار الاحتلال واستمرار الاعتداء على الشعب الفلسطيني ومصادرة حقه في الحياة المستقرة الهادئة.

وإذا كان للمجتمع الدولي وخاصة الأوربي اعتباراته التاريخية إزاء اليهود واعتباراته الدبلوماسية ومصالحه المتبادلة مع إسرائيل والتي تدفعه لإمساك العصا من المنتصف وقول نصف الحقيقة والامتناع عن التحلي بالجرأة الأخلاقية في إدانة الاحتلال وممارساته ، فإن أحدا لا يستطيع أن يفهم الفجوة التي تتسع باستمرار بين الخطاب الرسمي الفلسطيني وبين معاناة الناس والقهر الممنهج الذي يتعرضون له يوميا على يد الاحتلال العسكري والمستوطنين المدججين بالأسلحة تحت حماية عسكر الاحتلال وقواته الأمنية. ومن حق المرء أن يستغرب هذه الفجوة المتسعة باستمرار بين القيادة والشعب والتي لا ينفعها إطلاق بعض التصريحات النارية في المناسبات بين الحين والآخر لأن ما يحكم على موقف القيادة هو سلوكها اليومي ومدى قدرتها على الاصطفاف الى جانب الناس ومشاركتهم معاناتهم اليومية والعمل يدا ً بيد معهم ليشعروا بأنهم ليسو وحدهم.

إن أحدا لا يستطيع أن يفهم ماذا يعني مسؤول فلسطيني من الصف الأول عندما يتحدث عن ” عملية السلام ” أو عن ” الاستقرار والهدوء الأمني ” وهو يعرف أن ما سميت بعملية السلام ماتت منذ عقود وأن أمن اليهودي هو جزء من أمن العربي وأن الاستقرار الأمني يجب أن يكون متبادلا ً للطرفين ، وأن الاستقرار الأمني للشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إنهاء الاحتلال وإطلاق سراح الأسرى كافة دون استثناء واحترام سلامة وأمن أرواح الناس وممتلكاتهم وحرياتهم وتمكين الشعب الفلسطيني من العيش بحرية وكرامة في دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس. وما لم يتحقق ذلك فإن من الطبيعي أن لا نرى استقرارا وهدوءا أمنيا لأن ذلك سيكون إقرارا ً بالهزيمة ورضوخا واستسلاما للإحتلال والاستيطان وهو الأمر الذي لن يتحقق طالما ظل في هذا الشعب عرق ينبض.

إن على القيادة أن تعيد اللحمة بينها وبين الشعب وأن تعيد النظر في خطابها السياسي وأن تنبذ منه المفردات والكلاشيهات المهترئة التي لم تعد تعني شيئا في ظل استمرار التنكر لشعبنا ولحقوقه ، وإذا ما فعلت ذلك فإن عزلتها والفجوة بينها وبين شعبها ستظل في اتساع يصعب جسره.

*المحامي زياد أبو زياد وزير سابق ومحرر مجلةفلسطين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى