أقلام وأراء

زياد أبو زياد: تطبيع الاحتلال أم التطبيع مع الاحتلال أم إنهاء الاحتلال !

المحامي زياد أبو زياد ٥-٦-٢٠٢٢م

كان البعض يراهن على تصعيد قادم من فوهات راجمات الصواريخ في غزة انتصارا ً للقدس والأقصى، وكانت أصوات تحذر من الانجرار وراء الاستفزازات الإسرائيلية والدخول في حرب مدمرة تكون وبالا ً على الجانبين وبشكل أكثر على أهلنا في قطاع غزة.

وقد قلت في مقال الأحد الماضي بأن أحدا ً يجب ألا يُفاجأ اذا مر ذلك اليوم بضبط للنفس من طرف غزة وعدم اشعال الفتيل، وأن الحكمة تقتضي أن لا ترقص المقاومة على ايقاع طبول الإسرائيليين وأن تختار هي الوقت المناسب الذي يجعل الإسرائيليين يرقصون على إيقاع طبولها، وهذا ما حدث شقه الأول.

واليوم وبعد أـسبوع من ذلك نجد أنفسنا في نفس المكان. فالإسرائيليون يحتفلون اليوم بما يسمونه شفوعوت (وهو يوم يقع في الشهر الثالث بعد خروج اليهود من مصر وله عدة أسماء من بينها يوم حصاد القمح و”يوم نزول التوراة”، مع أنه ليس له ذكر في التوراة). واليوم أيضا ً يدعو المتطرفون اليهود الى اقتحامات جماعية مكثفة للأقصى واحتفالات استفزازية في ساحاته وإقامة للصلوات اليهودية في رحابه. وهو أمر لا يجوز أن يُسمح له بأن يحدث وأن يُصبح عادة وتقليدا ً لديهم.

بعد أسبوع من أحداث الأحد الماضي 29/5 ما زال المرؤ تحت وطأة ذكريات المشاهد الوحشية المتطرفة التي شهدتها القدس في ذلك اليوم وما تخللها من اعتداءات همجية ضد صبايا القدس ونسائها وشيوخها وشبانها وأطفالها واستفزازات للمواطنين بشكل عام وتدنيس لساحات المسجد الأقصى من قبل أشخاص يستغلون الدين لأغراض استيطانية استعمارية لا صلة لها بالدين.

وبالرغم من حقيقة أن أهل القدس بكل مكوناتهم تصدوا لهذا العدوان الاستفزازي بصدورهم العارية وتعرضوا للضرب بهراوات الشرطة وقنابل الغاز والفلفل والاعتقال إناثا ً وذكورا وهم يتصدون لرعاع المستوطنين وآلاف الجنود من شرطة الاحتلال ورجال أمنه، إلا أنهم نجحوا في أن يُحولوا يوم مسيرة الأعلام الإسرائيلية بالقدس الى يوم العلم الفلسطيني الذي حمله المئات بل الآلاف بدءا ً بشارع صلاح الدين ومرورا ً بباب العمود وأزقة القدس وأسواقها وأطلقوا العلم ليُطل خفاقا ً من فوق البلدة القديمة بالقدس على أهلها المرابطين الصامدين الذين كسروا جدار الخوف وأفشلوا نشوة انتصار المستوطنين العنصريين وأحبطوا آمالهم. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل يمكن تقزيم الموضوع الوطني ليصبح مسيرة ضد مسيرة وراية مقابل رايات وهل تتحول مسيرات المستوطنين بالقدس الى حدث اعتيادي متكرر؟ أم ألا بد من منع حدوث ذلك والتعامل مع كل القضايا الفرعية كعناصر تندرج تحت مفهوم أن هناك احتلال وأن كل هذه المفرزات هي من نتائج الاحتلال وأن وضع حد لها لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال انهاء الاحتلال.؟

فالمشكلة ليست فقط في رفع العلم أو عدم رفعه، وليست في استباحة الأقصى دون ممانعة أو استباحة ترافقها ممانعة هي أشبه بصراخ واستغاثة مغتصبة دون أن يستجيب لصراخها مجيب. والمشكلة ليست في أن يكون الدخول من باب العمود أم الأسباط أم المغاربة. كما أن المشكلة أيضا ً ليست ما إذا جاءت الحقائب القطرية من مطار اللد أو معبر رفح! وكيف ومتى وتحت أية شروط.

المشكلة تتلخص في كلمة واحدة “الاحتلال” وإنهاؤها لا يمكن أن يتم إلا من خلال إنهاء الاحتلال. وإنهاء الاحتلال لا يمكن أن يتم طالما استمر الوضع الحالي وكأنه نمط حياة، وفيه أناس يستمرئون الاحتلال ويسبحون بحمده وآخرون جلسوا على السياج يراقبون ما يحدث وكأن شيئا ً لا يعنيهم.

ما يؤرقني هو أن يتجذر الوضع الحالي في اللاوعي الفلسطيني وأن يعتاد الناس على العيش في ظل الاحتلال وكأنه قدر مكتوب، وهوما يجب أن يسمى “تطبيع الاحتلال” ولا أقصد التطبيع مع الاحتلال، لأن بين الاثنان فرق شاسع. لأن “تطبيع الاحتلال” هو في رأيي الخنوع والرضوخ له وقبول العيش في ظله ووفق نواميسه، بينما “التطبيع مع الاحتلال” هو المكابرة والادعاء بأن بالإمكان أن تكون شريكا للاحتلال وتتوقع منه أن يتعامل معك بمفهوم الشراكة والندية على أرض حقائق الأمر الواقع التي يمسك هو بزمامها.

لا يجوز أن تتحول القيادة الى إدارة روتينية للشأن اليومي ضمن سقف الاحتلال ومعاييره ووفق إملاءاته. وأن تكون بوصلتها ما يمكن أن تقبل به بيت إيل أو مكتب المنسق في تل ابيب أو لا تقبل به. ولا يجوز أن ينصرف البعض منا الى جمع المال وتسمين الشأن الاقتصادي الشخصي على حساب تجويع اقتصاد الوطن وكأن الوضع الحالي هو جمعة مشمشية توشك أن تنتهي.

فالصورة، وليس بالضرورة ذكر كل تفاصيلها، هي صورة مروعة تحاول أن تخفي وجهها البشع تحت قناع سميك من الأصباغ ومساحيق الماكياج من الصنع المحلي بعيدا ً عن شانيل وجورجيو وايستي لاودر وحتى كريستيان ديور.

لم تتحرر مشاعرنا بعد من آثار صدمة ) trauma ) تلك الاعتداءات المتطرفة ضدنا والإهانات والاستفزازات والمشاهد التي عشناها يوم الأحد 29/5 الماضي والتي يمكن أن تتكرر اليوم وغدا ً وربما طيلة هذا الأسبوع والشهر والسنة.

اليوم الأحد 5/6 هو يوم نكسة حزيران 1967 ووقوعنا تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي ظل يتغول ويتمادى علينا يوما بعد يوم وعاما ً بعد عام الى أن أفقدتنا ما تُسمى “عملية السلام” كل هيبتنا وكرامتنا وفتحت الباب على مصراعيه أمام تكريس الاحتلال وشرعنة الضم والاستيطان واستباحة الأرض والعرض والإنسان. خمسة وخمسون عاما من عمرنا قضيناها شاهدين على ظلم الاحتلال وجوره، وعلى انهيار المنظومة الوطنية وتساوقها مع الاحتلال وتحول أجزاء كبيرة منها الى أدوات في يد الاحتلال. خمسة وخمسون عاما شهدنا خلالها كيف أمكن تحويل المشروع الوطني الى مشاريع أشخاص، وكيف تم تفريغ م ت ف من محتواها وتفكيك هياكلها، وكيف تقلص حلم الدولة الى سلطة وكيف تقلصت السلطة بعد تداعي سلطاتها الثلاث واندماجها ببعض الى مقاول فرعي لإدارة الشأن اليومي والحبل على الغارب، وقد يأتي يوم يُقال لها شكرا ً انتهى دورك !.

نحن بحاجة الى صدمة كهربائية عالية الفولتاج لعلنا نصحو من الواقع الذي تعودنا عليه ونمنا على صوت طواحينه. وما يحدث اليوم في الخامس من حزيران 2022 سواء تمادي الاحتلال في ظلمه وبطشه أو تخاذل المتخاذلين والمطبعين أو تطبيع التهويد والاقتحامات لأكبر رمز للكرامة الوطنية والدينية يجب أن يُحدث الصدمة الكهربائية عالية الفولتاج التي نحن بأمس الحاجة لها قبل الموت السريري.

قد يسأل سائل ٌ : كيف؟ الجواب عندكم وليس عندي. فالمهم هو أن ترفضوا “تطبيع الاحتلال” وترفضوا أن يتحول الى حالة ذهنية تحتل عقولكم ونفوسكم.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى